ووفقاً للصحيفة فقد عمل على إعداد الوثيقة الداخلية 20 من الدبلوماسيين والخبراء في وزارة الخارجية، وتم عرضها على جهات مختلفة في الوزارة، وجرى تعديلها قبل رفعها لوزير الخارجية، يسرائيل كاتس.
ونقلت الصحيفة عن المسؤول عن المشروع في وزارة الخارجية، أورن أنوليك، قوله إن الحديث لا يدور عن توقعات لما سيأتي لأن الأزمة لا تزال في أوجها، مضيفا: "الأمور تتغير بشكل يومي ومن المهم عندي أن أؤكد أننا لا نعرف ماذا سيحصل في المستقبل، هذه الورقة تتغير يوميا وهي تعكس فقط تقديراتنا بشأن واقع لم يشهد له العالم مثيل، الأسئلة تفوق الأجوبة".
وتستعرض الوثيقة الداخلية تقديرات بأن العالم المفتوح، والمتميز بالتجارة الحرة بشكل مطلق لن يبقى على حاله بعد أزمة كورونا، فهو يمضي باتجاه أزمة اقتصادية تعيد للأذهان الانهيار الاقتصادي العالمي خلال سنوات العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي. فقد تراجع الناتج القومي العالمي بـ12% ويتوقع أن يستمر هذا الحال. كما يتوقع أن تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى خفض الطلب على الغاز، وبالتالي المس بمجال تصدير رئيسي للاقتصاد الإسرائيلي، بعد أن كان الاحتلال يعتزم الاعتماد على هذا القطاع في السنوات القادمة.
إلى ذلك تتوقع الوثيقة أن تؤدي الأزمة إلى زيادة التنافس بين الدول، وخاصة على الموارد في قطاع الصحة، وأن الطلب على المنتجات والعتاد الطبي سيتزايد وسيزيد من التوتر في العلاقات الدولية.
وترى الوثيقة أن الدمج بين هذا التوتر المرتقب مع الأزمة الاقتصادية وشل حركة الطيران العالمية سيقود إلى تكريس قواعد "لعبة" جديدة في الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية.
وبحسب الوثيقة فإن التجارة العالمية الحرة كما نعرفها اليوم ستتغير باتجاه انطواء البلدان، ويتوقع أن تعود الدول المختلفة إلى بناء وتعزيز سلسلة الإنتاج الداخلي والصناعة المحلية، والاكتفاء الذاتي خاصة في مجالات ملحة للأمن القومي بالرغم من التكاليف العالية للصناعة المحلية. كما أن من المتوقع والمنطقي أن تفرض الدول قيودا على تصدير مركبات ضرورية لصناعات وعتاد طبي من خلال فرض رسوم جمركية وقيود أخرى.
وترى الخارجية الإسرائيلية أن أزمة كورونا العالمية تسرع صعود الصين كقوة عظمى على الرغم من أن الفيروس خرج منها. وتبدو بكين أقوى مما كانت عليه أيضا لأنها أول دولة تغلبت على جائحة كورونا وهو ما يمنحها نقاط قوة وأفضلية مقابل الولايات المتحدة. كما أن المساعدات التي تقدمها الصين اليوم للدول المختلفة وغياب الإرادة الأميركية بلعب دور الشرطي العالمي يحسن من موقع الصين مقابل الأميركيين.
وتحذر الوثيقة الإسرائيلية من أن هذا التغيير في موازين القوى بين الصين وبين الولايات المتحدة من شأنه أن يزيد من حدة التوتر الهائلة بين الطرفين. كما تشير الوثيقة إلى أنه في ظل حالة الاستقطاب الكبيرة في الولايات المتحدة نفسها، فإن الحاجة للدفاع من أخطار الصين تشكل القاسم المشترك الوحيد المتفق عليه في الحلبة الأميركية الداخلية.
وتوصي الوثيقة بأن تواصل إسرائيل سياساتها الحالية بالحفاظ على العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة كمصلحة عليا مع استغلال الفرص الاقتصادية الممكنة مع الصين.
وفي سياق التطورات الإقليمية في ظل كورونا، فإن الخارجية الإسرائيلية تحذر من أن الدول التي تملك اتفاقيات سلام مع إسرائيل (الأردن ومصر) تعاني من أزمة اقتصادية شديدة ومن شأنها أن تؤثر في استقرار هذه الدول.
إلى ذلك تخشى الوثيقة من احتمالات اتجاه إيران التي تنهش الجائحة باقتصادها إلى تطوير سلاح نووي لضمان بقاء النظام، وهو سيناريو سبق لمركز أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب أن أشار إليه كواحد من عشرة سيناريوهات بشأن التداعيات السلبية لكورونا على المكانة الاستراتيجية لدولة الاحتلال، والمخاطر الكامنة في نتائج الجائحة. كما تهدد الجائحة والأزمة العالمية بدفع وزيادة أنشطة المنظمات الإرهابية المتطرفة مثل "داعش" و"القاعدة".
في المقابل وبموازاة عدم الاستقرار في المنظومة الدولية، فإن وزارة الخارجية الإسرائيلية تتوقع إقبالا عالميا على منتجات صناعات التكنولوجيا المتقدمة وخاصة في مجال الإدارة والمراقبة عن بعد. وفي هذا المجال فإن الأزمة تفتح أمام إسرائيل فرصا كثيرة، سواء بفعل تطور صناعاتها التكنولوجية أم بفعل مرونة السوق الإسرائيلي وقدرته على ملاءمة نفسه مع أوضاع جديدة. وحسب "يسرائيل هيوم" فإن التجربة الإسرائيلية خلال أزمة كورونا باستخدام بنك المعلومات الهائل وتجريب تقنيات المراقبة بدون مس زائد عن الحاجة بخصوصية الفرد، (وهذا تقدير موقع خلاف في إسرائيل) تجعل من إسرائيل نقطة جذب، وسيكون لإسرائيل ما تعرضه على الدول الأخرى في هذا المجال.
ونقلت الصحيفة أن وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قال تعقيبا على الوثيقة إن "الجائحة ستؤثر على العالم وعلى إسرائيل، وعلينا أن نكون مستعدين للتغيرات وأن نحاول توقعها والاستعداد لها". أما مدير عام الخارجية الإسرائيلية، يوفال روتيم، فأقر بأن "وزارة الخارجية تتعلم مما يُفعل في باقي الدول وبدأت بحوار ومحادثات مع عدة دول لتقييم ما يحدث".