وحده الحزن

14 يوليو 2018
+ الخط -
وحدهُ الحزنُ منْ يعرف طريقه إلينا، كما يقول الشاعر أحمد بخيت: الحزنُ يعرفُ أهلَهْ. .. فقد صارت كثيرة أحزاننا هذي الأيام! ونحن نتلقاها بالعبارات المألوفة لدينا: "عظّم الله أجركم" و"البقية في حياتكم".. إلخ. عبارات صارت فاترة من كثرة استخدامنا لها، على الرغم من أن العربية لغة ثرية في كل شيء، حتى في مفردات الموت والعزاء.
يكاد الحزن يكون ألصق المشاعر بالإنسان.. "إن الإنسانَ بلا حزنٍ ذكرى إنسانْ" كما يقول نزار قباني.
كم تتملكنا أحزاننا، ثم ننساها مع دولاب الحياة السائر الذي ينسينا حتى أنفسنا، لكن في لحظة تعزية لصديق أو قريب بفقيد له، تطفو ذكريات أحزاننا على السطح؛ والموضوع يشبه تذكّر الألم بعد رحيل الألم.
ينفذ سهم الحزن، مخترقا قلوبنا عند الصدمة الأولى، وتستخرج آلية الحياة اليومية الرتيبة هذا السهم من موضعه رويدا رويدا، حتى يُنسى كأنه لم يكن، لكن في لحظة التعزية نتذكر موضع نفاذ ذلك السهم في الزمن البعيد، ونكاد نضغط على موضعه، إن كان له موضع، فنقول: من هنا مر.
لا تكاد ألفاظ التعزية (نكرّرها في محافلنا العزائية) تفعل شيئا أمام طوفان الحزن الجارف، لكنها رتابة العادات الاجتماعية التي ألفنا عليها.
خير علاج للأحزان هو الزمن الدائب؛ ذلك الدولاب الذي يطحن القرون جميعها، كرحى صماء، لا يهمها حزننا ولا فرحنا.
خُذِ الحياة َ كما جاءتكَ مبتسماً.. في كفِّها الغارُ، أو في كفِّها العدمُ
وارقصْ على الوَرِد والأشواكِ متَّئِداً…غنَّتْ لكَ الطَّيرُ، أو غنَّت لكَ الرُّجُمُ
وأعملْ كما تأمرُ الدنيّا بلا مضضٍ…والجمْ شعوركَ فيها، إنها صنمُ
هل تُجدي نصيحة الشاعر أبي القاسم الشابي السابقة؟ لا أدري حقيقة، لكنها أقرب إلى الواقع؛ لأن كل مفقود راحل صارت ذكرياته مجرد قبْض ريح، أو حلم ليلة عابرة، فما حظك أيها المحزون منه؟
ألم يقل المتنبي:
نَصيبُكَ في حَياتِكَ من حَبيبٍ… نَصيبُكَ في مَنامِكَ من خيَالِ؟
أما أنا فأردد مع الإمام الشافعي:
إني معزيكَ، لا أنيِّ على ثقة ٍ… مِنَ الخُلودِ، وَلكنْ سُنَّة ُ الدِّينِ
فما المُعَزِّي بباقٍ بعدَ صاحِبِهِ… ولا المُعَزَّى وإنْ عاشَا إلى حَينِ
فإلى كل محزون، وإلى كل مكلوم، وإلى كل أم ثكلى، وأب مفجوع، وصديق أو قريب موجوع على عزيز أو فقيد
تذكروا شيئا واحدا
كل هذا السراب الذي نعيشه لن يبقى منه إلا: إنا لله وإنا إليه راجعون.
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري