* هل يُمكن إدراج زيارتكم إلى باريس ولقاءاتكم مع عدد من الفعاليات في إطار مسار تحسين العلاقات بين فرنسا والمغرب، والإعداد لأعمال اللجنة المشتركة التي ستعقد قريباً؟
سعينا من خلال الزيارة التي التقينا فيها عدداً من المسؤولين والفعاليات في المجال الإعلامي، إلى تفعيل الديناميكية الجديدة للعلاقات بين المغرب وفرنسا بعد اللقاء بين الملك محمد السادس والرئيس فرانسوا هولاند، على أساس شراكة إستراتيجية، تقوم على الاحترام المتبادل خدمة للمصالح المشتركة. الآن توجد زيارات متبادلة على كل المستويات، بهدف الإعداد لاجتماع اللجنة العليا المشتركة في يونيو/حزيران المقبل في فرنسا، بعد أن عُقد الاجتماع السابق في المغرب، برئاسة رئيسي حكومة البلدين. ونحن نعتقد أن هناك فرصاً كبيرة في هذا التحرّك الجديد في العلاقات بين البلدين.
* هل طُويت صفحة الماضي؟
نعم، وهناك قناعة مشتركة بين قيادتي البلدين بضرورة المضي قدماً، من أجل ترجمة الإرادة السياسية والشراكة بينهما في مشاريع اقتصادية ملموسة، وبرامج اجتماعية وتنموية.
* وهل يُعدّ تكليف فرنسا للمغرب رعاية المصالح الفرنسية في اليمن، إشارة عملية للتقارب الجديد؟
هي واحدة من الإشارات، مثل الإشارة التي تمّت عبر إعلان وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف، خلال زيارته المغرب في فبراير/شباط الماضي، أنه سيتم عما قريب تقليد مدير الاستخبارات المغربية الداخلية عبد اللطيف الحموشي، وسام فرنسي رفيع في باريس، تقديراً لجهوده ودوره في محاربة الإرهاب. أما بالنسبة إلى الوضع الآن في اليمن، فهو مشابه للوضع في المنطقة العربية ككل، ويكشف عن وجود تحديات وعن الحاجة إلى الحوار، والحاجة إلى اعتماد التعاون وتجنّب الصراع من أجل ضمان حق الشعوب في الأمن والاستقرار وكسب رهانات التنمية.
يمكن أن أشير مثلاً إلى الطلب الأممي الذي قدمه المبعوث الأممي في ليبيا برناردينو ليون، إلى المغرب، من أجل احتضان الحوار حول ليبيا. لم يتردد المغرب في الاستجابة لهذا الطلب والتعاطي معه إيجاباً، كوننا نؤمن بقواعد حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. كما نؤمن بأن الحل السياسي هو الأنسب لتجاوز الأزمات التي تواجهها المنطقة في إطار وحدة ليبيا، وسلامة أراضيها. الآن، بات الأمر في يد الأمم المتحدة إذا ما قررت أن يستضيف المغرب أي اجتماع من أجل ليبيا. كما أكد الملك محمد السادس، عبر توجيهه برقيات التهنئة بمناسبة الذكرى الـ26 على انطلاق اتحاد المغرب العربي، التي عبّر فيها بوضوح عن إرادته من أجل التعاون مع مختلف قادة الدول المغاربية، في إطار احترام خصوصيات وثوابت كل بلد.
* لكن هذا الاتحاد لم ير النور منذ انطلاقه
للأسف، كانت هناك بارقة أمل قبل سنوات لم تنجح، لكن الأمل كبير بمستقبلنا، فقوة الشعوب المغاربية تكمن في وحدتها. وأعتقد أن الأمر لا يتعلّق بالمجال السياسي، بل يشمل المجالين الثقافي والاقتصادي، كما أن على النخب المثقفة والإعلامية والاقتصادية القيام بدورها في الارتقاء بالعلاقات بين شعوب المنطقة، والابتعاد عن كل ما يزرع الفرقة ويشيع ثقافة التجزئة والتقسيم والتشتيت.
* تكشف المؤشرات الاقتصادية الموجودة الآن، أن أدنى معدلات التبادل الاقتصادي، حالياً، هو الحاصل بين دول المنطقة المغاربية، في وقتٍ تزداد فيه التحديات الأمنية؟
أطلق المغرب مبادرة، في السياق الأمني، منذ سنوات، تقضي بتفعيل تجمّع دول الساحل والصحراء، لأن الأمر متعلق بـ30 دولة. انطلقنا من اعتبار أن على هذه المنطقة ألا تبقى ساحة لشبكات التهريب والإرهاب والمخدرات وشبكات تداول السلاح. قدمنا في سبيل ذلك مبادرات كثيرة لاحقاً، لكن المشكلة الأمنية في المنطقة تعاظمت وتضاعفت، ما يقتضي اللجوء إلى خيارات أخرى.
ومن المؤشرات الخطرة في المنطقة، أن أحد المراكز الأميركية قام بعملية إحصاء لمجموع التفجيرات والعمليات الإرهابية التي حصلت، ووجد أنها تجاوزت 280 عملية، الاستثناء الوحيد الذي سُجّل كان في المغرب. لكن هل نحن غير معنيين بما يجري؟ طبعاً لا، بالعكس نحن معنيون، لأن ما يحدث في المنطقة يؤثر علينا. بالتالي جاءت مبادرة الملك من أجل إحياء الاتحاد المغاربي، حتى نستطيع مواجهة المشاكل الأمنية. أما في السياق الاقتصادي، فمن الطبيعي أيضاً أن شعوب المنطقة تواجه تحديات انتقال صعبة من الناحية الاقتصادية.
* لكن هناك مشكلة معروفة بالنسبة للاتحاد المغربي، وتكمن بينكم وبين الجزائر. متى سينطلق قطار المصالحة مع الجزائر؟
طرحنا مبادرات للمصالحة، ولكننا ما زلنا نتعرّض لاستفزازات مستمرة في ما يتعلق بالقضية الوطنية المصيرية للمغاربة، وهي خط أحمر بالنسبة إلينا. تكمن المشكلة حالياً في اعتبار الجزائر طرفاً في النزاع في الصحراء المغربية، وعليها تحمّل مسؤوليتها من أجل الانخراط في معالجة الموضوع وإيجاد حلّ سياسي لهذا النزاع المزمن، الذي يكبّد قدرات المنطقة.
اقرأ أيضاً: تقرير أميركي يوصي المغرب بالأمن الغذائي
* بالنسبة للتحالف الدولي ومشاركة المغرب فيه، ما هو دور الرباط في هذا التحالف؟
ما يُمكن تأكيده اليوم، هو أن المغرب منخرط في محاربة الإرهاب على المستوى الدولي، ولكنه اختار لذلك الصيغة التي تنسجم مع تاريخه، وتتمثل في العمل في إطار التعاون الثنائي بين المغرب والإمارات. ويعكس انخراط المغرب توجّهاً من قبل بلدنا لمواجهة المشكلة الإرهابية في منشئها، باعتبار أن الظاهرة الإرهابية الحديثة باتت عابرة القارات.
هناك استهداف لبلادنا من قبل التنظيمات الارهابية، التي صنّفت المغرب ضمن أهداف تحركها ونشاطها. لذلك عملنا على إطلاق مخطط أمني جديد في المغرب تحت اسم "حذر" في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من أجل أن نرفع الجانب الاستباقي والقدرة على التدخل لمواجهة المشكلة على المستوى الوطني. وأذكر هنا أن عدد الخلايا الذي تم تفكيكها في العام 2014 تضاعف مقارنة مع العام 2013.
وأشدد أن علينا تمتين التعاون الدولي ومراجعة المنظومة القانونية عبر تعديل القانون الجنائي المغربي، ومصادقة البرلمان على مقتضيات قانونية، تُجرّم الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية خارج المغرب، وتشدد العقوبات في هذا المجال. كما يجب تكثيف وتقوية التأثير الديني على مستوى المساجد، وعلى مستوى الشباب تحديداً، من أجل نشر الفكر الوسطي المعتدل، حتى نتمكن من محاصرة الجذور الفكرية للظاهرة الإرهابية.
كما أن هناك إجراءات أخرى تمّت، ولهذا يمكن القول إن المغرب اكتسب مقاربة خاصة، جعلت منه ومن نموذجه، محطّ تقدير على المستوى الدولي في مواجهة هذه المشكلة. وأودّ التذكير بأن المغرب، ومن أجل مواجهة الإرهاب، يرى أن توسيع مجال الحريات هو أحد المفاتيح لذلك، فضلاً عن توفير مجالات للتعبير وللنقاش، وتوسيع مجالات المشاركة السياسية للشباب. يُشكل هذا إطاراً حيوياً لمحاربة الإرهاب، لا إطاراً مساعداً فحسب، باعتبار أن احترام حقوق الإنسان، يُعدّ أحد آليات محاربة الإرهاب. وفي هذا الإطار كانت سنة 2014 مميزة، بسبب إطلاق آلية الإعلان عن إجراءات وطنية لمحاربة التعذيب، عن طريق المبادرة إلى فتح تحقيق حول أية مزاعم تعذيب، وفي حال ثبوتها، يتم اتخاذ الإجراءات في حق المسؤولين عنها، فالعام الماضي كان عام المصادقة على البروتوكول الاختياري للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، الذي ينصّ على تشكيل آلية وطنية.
كما طُرح في العام 2014 مشروع تعديل على مستوى القانون والمصدر الجنائيين، يهدف إلى اعتماد نظام تسجيل السمع البصري لعمليات التحقيق.
* زار وزير الخارجية المصري، سامح شكري، المغرب أخيراً، بعد توتر العلاقات بين البلدين. كيف تصفون هذه العلاقات اليوم؟
أعتقد أن هنالك إرادة للتعاون على أساس من الاحترام، وتجاوز كل ما أدى في الماضي إلى الإساءة للشعب المغربي ولرموزه وقضاياه. نعتز بالموقف المصري المساعد للوحدة الترابية للمملكة المغربية، وبالمواقف التي صدرت دعماً لبلادنا. وأعتقد أن هذه السنة ستشهد تطورات إيجابية من أجل ترجمة علاقات التعاون في مشاريع ملموسة.
* يحاول المغرب منذ عشرات السنين إعداد تعديلات في مشروع قانون مدونة الإعلام. هل ستحمي التعديلات الجديدة الصحافيين، خصوصاً بعد توقيف بعض الصحافيين الفرنسيين منذ أيام؟
اختار المغرب سياسة الانفتاح على الإعلام الأجنبي، وتضاعفت الاستثمارات في هذا المجال، وزادت بنسبة عشر مرات في ظرف ثلاث سنوات. ففي العام 2011 بلغ حجم الاستثمار الأجنبي حوالي 11.1 مليون دولار، ووصل إلى 101 مليون دولار في العام 2014. وارتفع عدد رخص التصوير المسلّمة، ووصلت إلى أكثر من 1300 رخصة تصوير. بات الانفتاح ومعالجة المواضيع الشائكة هي أساس التوجّه العام.
بالنسبة إلى الصحافيين الفرنسيين، تُعتبر قضيتهم منفصلة عن كل ما سبق، ففي العام الماضي، لم يتم رفض منح أي رخصة تصوير، فلماذا يقبل الصحافيون الفرنسيون بتقديم طلبات الحصول على رخصة تصوير في باريس، ويرفضون القيام بذلك في الرباط؟ وللدلالة على الانفتاح الإعلامي في المغرب، فقد استأنف مكتب قناة "الجزيرة" نشاطه، وكذلك قناتا "بي بي سي"، و"سكاي نيوز" العربية، كما قامت القنوات الأجنبية، مثل "فرانس 2" و"آر تي" بأنشطة في المغرب. ولم تسجل أي حالة من حالات مصادرة الصحف لأسباب سياسية، مع العلم أن صحفاً مثل "لوموند"، و"لوكانار أنشينيه"، و"لومانيتيه"، و"ليكسبريس"، و"لوبوان"، أثارت مواضيع نقدية جداً، وهي مستمرة.
* ماذا عن قانون مدونة الصحافة؟
هذا القانون هو أحد الإصلاحات الكبرى، المطروحة في بلادنا من أجل تطبيق أحكام الدستور الجديد. ولهذا تتم الآن صياغة المسودة السادسة، بعد المذكرات التي قُدّمت من قبل الهيئات الوطنية والدولية على المشروع، الذي أعلن عنه في أكتوبر الماضي، ونتج من حوار مفصل مع العديد من الهيئات في السنوات الثلاث الماضية.
نعتز جداً بهذه الشراكة مع الهيئات في المغرب، وبالتفاعل الإيجابي الذي عبّرت عنه عدد من المنظمات، التي أشادت بكون مشروع المدونة، حمل بوادر إيجابية. ويلغي المشروع العقوبات السائدة في قانون الصحافة، ولا يعتبر جريمة القذف جناية تفضي إلى السجن، ويُرسي استقلالية الصحافيين والصحافة عبر مجلس وطني مستقل ومنتخب من الصحافيين لتدبير شؤونهم، ويعترف قانونياً بالصحافة الإلكترونية، ويقرّ الحماية القضائية لسرية المصادر، إلا في الحالات المتعلقة بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي والحياة الخاصة للأفراد، مثل ما هو موجود في كل دول العالم، لكن ذلك يتم وفق مقررات قضائية لا بقرار من الإدارة.
كما يطلب المشروع إقرار آلية وطنية لمحاربة ومناهضة الاعتداء على الصحافيين، أثناء قيامهم بعملهم، وأيضاً ما يتعلق بوضع معايير قانونية صارمة، تضمن شفافية وحيادية وتعددية الدعم المالي الموجه للصحف من السلطات العمومية، حتى لا يكون مدخلاً للمس باستقلالية هذه المؤسسات الصحافية. كما يوسّع القرار الحماية القضائية عن طريق جعل قرارات منع أو حجز الصحف بيد القضاء، وهذا تحول جوهري.
اقرأ أيضاً: عودة الحوار الليبي... وراس جدير مهدّد