وطني كما تراه طفولتي

02 يناير 2015
+ الخط -

تترعرع طفولتي في وطني تونس، طفولتي هذه تمتلك ثلاث عيون، أولى وثانية بيولوجيتان، تبصران الأشياء كما هي، من دون تحوير أو تزويق، وعين ثالثة مستودعها الخيال والحُلم، تدرك الأشياء كما تتمنى وتحب أن تراها.
وطني أحبابي، أراه بعيني الأولى والثانية كما أتبصّره، أيضاً، بعيني الثالثة. وحصاد ما اخْتُزِن من رؤى العينين، الأولى والثانية، يتلخّص في:
مجال التعليم: تعليم يفتقر للنجاعة والتطوير، ينهك جسم وعقل طفولتي بكثرة التشعبّات وثقل الزّاد في المحامل البيداغوجيّة ووفرة الالتزامات، بنيته التحتية تشكو النواقص وبنيته التربوية البيداغوجية والإدارية تشكو التداخل وقلّة الفاعلية، وفضاءاته لا تسمح لخيالي العلمي بالتحليق.            
مجال البيئة: تعاني أوساطنا البيئية من الإهمال والإتلاف والتلوّث، مع قدرة عجيبة لأبناء وطني على إضاعة الفرص المتاحة التي يوفرها الوطن، إلاّ ما ندر من استثناءات، فوطني يحوز فضاءات طبيعية جذّابة وخلاّبة تبهر الزائر والسائح وتنعش القلب والروح، يتفنّن المواطن في إهمالها، أو استغلالها الاستغلال السيء.
مجال الصحة: تباشر عيْناي مؤسّسات صحيّة مكتظّة مع مساحة صغيرة، وأخرى شاسعة مع فائض كبير في عدد المريدين وفائض غير محسوب من الفوضى، مع نقص في الرّعاية ونقص كبير في الأدوية، وفي الإطار الطبي ومردوديّة عمليّة تقترب من الصفر، بحيث تصل إلى ثماني دقائق في اليوم.
مجال الثقافة: يفتقر وطني بعد الثّورة للحس الفنِّي، وهناك فقر إبداعي، فإلى حد الآن، لم تر عينا طفولتي الأولى والثانية مشروعاً ثقافيّاً يبعث فيَّ الاعتزاز بالحياة وبالثورة وبالأمل، وينعش الآمال التي ترعى شبابي القادم على مهل.
مجال النقل: إلى الآن، تنتظر طفولتي من يساعدها على الانتقال السلس والآمن بين مدن وطني وشوارعه.
أمّا عيني الثالثة، أحبابي، والتي تبصر الأشياء بشكل مختلف، وتختزن داخل فؤادي وخيالي صوراً لما تحبّ وترضى أن تشاهد وطني عليه، فهي تنحت داخل مدركاتي مؤسسات تربوية ناجعة وناجحة وبرامج مدرسيّة فاعلة وهادفة وأطراً تربويّة خبيرة بالتنمية البشرية، أكثر من خبرتها بتقديم المعلومة أو التعليمة المدرسيّة ومجموعة تلمذيّة من المتلَقِّين تعيش ديناميكية وتؤشّر إلى مستقبل مشرق ومتطوِّر لوطني الكبير. وفضاءات بيئيّة مرحة ومليئة بالبهجة والحيويّة تزوِّد طفولتنا بالحياة وبالنشاط، وتوسّع من مساحات خيالنا وأحلامنا، أمّا ما رأته عيني الثالثة في مؤسساتنا الصحيّة فهي مثلما توجد عند طفولة أوروبا واليابان وأميركا، وما تراه في مجاليْ الثقافة والنقل أن تُسهَّل وتُيَسَّر الدروب داخل مسالكهما، ويُمَكِّن طفولتنا من السياحة في مسارب وطنية، من دون اختلالات أو تصدّعات تزيل عنّا عند الحركة الخمول والصدأ عن مفاصلنا.
هذا، أحبابي، وطني كما أتمنَّى أن يكون، وأن يسلم من كلِّ ما يعكِّر صفو تجانس طفولته مع أحلامها.

 

14C0E7F0-79BE-47B6-876B-8E08FB48A945
14C0E7F0-79BE-47B6-876B-8E08FB48A945
دعاء العوني (تونس)
دعاء العوني (تونس)