بعد الهزيمة الساحقة لجيوش دول الطوق العربي في يونيو/ حزيران 1967، وتهرّب الأطراف المهزومة من المسؤولية، ادّعت الأنظمة أن المؤامرة كانت أكبر من إمكانية مقاومتها، فالقوى العظمى من هزمهم، وليس إسرائيل فحسب!
المثقفون المنشقون عن هيمنة السلطات، حمّلوا الأنظمة وحدها كامل المسؤولية، فهي وجيوشها من هُزم، وليس الشعب، لكن ردة فعل الشعب على الهزيمة، لم تكن برهاناً على براءته. ففي مصر، وعقب إعلان جمال عبد الناصر لتنحيه، خرجت الحشود الشعبية تطالبه بالعودة عن القرار، والاستمرار بقيادتها، وهو ما حدث حتى لحظة وفاته.
وفي سورية، تابع النظام البعثي حكمه، وكأنّ شيئاً لم يكن، إلى أن انقلب وزير دفاع الهزيمة، على الجناح المنافس، وتسلّم الحكم منفرداً.
لم تخرج المظاهرات الشعبية حينها ضد الأنظمة لتحاول إسقاطها، فقد كانت الدول العربية مهزومة من إسرائيل، وكانت شعوب هذه الدول مهزومة من أنظمتها. لكن مع ذلك، راجت السخرية من الجيوش العربية، ومن الفرد العربي أيضاً، وانقلب المزاج العام من النظام العروبي، الذي عززته الخطابات الناصرية والمزاودات الشعاراتية البعثية، إلى تبخيس قيمة العرب.
ومع دفن الناصرية بوفاة صاحبها، وانقلاب خلفه على إرثه، وتشبث الديكتاتوريات العربية المتنوعة بالحكم، طال الاستنقاع السياسي، وتخللته الحروب الأهلية في لبنان والسودان والجزائر، وبهت الوهج العاطفي للقضية الفلسطينية مع اتفاق أوسلو وما تلاه، واحتلت القوات الأميركية العراق الذي سبق وغزا الكويت، وتدهورت الأحوال المعيشية للشعوب العربية.. فطبع كل ذلك الحال العربية بالبؤس وانقطاع الأمل، وسادت المشاعر السلبية، وجرى الخلط بين الشعوب وحكامها.
لكن، وفي لحظة تنتمي إلى هذا الموات، أحرق البوعزيزي نفسه، ليبدو كل شيء جديداً، فقد خرج الشعب إلى الشارع مقارعاً الأنظمة، ومطالباً بإسقاطها.
ومع عودة الروح للشارع العربي، عاد اعتبار الفرد بكونه قيمة إيجابية، وانعكس الأمر على التفاعل بين الشعوب، فشخصت العيون نحو ميدان التحرير في القاهرة، ورددت الألسن هتافات الثورة السورية وأغانيها. بدا وكأن زمناً عربياً مختلفاً يشق طريقه، ويعد بالكرامة والمساواة.
في سورية، استعصى النظام على السقوط، وعجز بالمقابل عن هزيمة الثورة، لتتحول الثورة إلى حرب، لم يتردد النظام فيها عن تدمير البشر والحجر، ولم تتأخر الكتائب المقاتلة له عن انتهاج أساليبه، لتشهد البلاد أكبر هجرة جماعية في تاريخها.
وقد ترافق الاستعصاء السوري، مع إعادة النظامين القديمين في مصر وتونس، إنتاج أنفسهما، وصعود تنظيم داعش المخيف، وتبنيه لعمليات إرهابية في قلب أوروبا، فعاد الإحباط واليأس بشكل مضاعف إلى المشهد العربي.
وفي الحالة السورية تحديداً، كان البؤس المعمم، دافعاً لإعلان فشل الثورة من جانب كثيرين، بل وحتى فشل مشروع الدولة السورية نفسه! وبدت صور المظاهرات السلمية الحاشدة، مع ما صاحبها من أهازيج وفنون تعبيرية، وكأنها ومضات لذاكرة أحداث قديمة لا تستعاد.
لكن، وكما يفيق الشخص من "الكوما" ليفاجئ الجميع، شهدت المناطق السورية غير الخاضعة لسيطرة النظام أو داعش، في الأيام الأولى للهدنة، خروج الناس في مظاهرات تحمل رسائل متعددة، أهمها أن سكان هذه الأرض لم يهاجروا جميعهم، وأنهم باقون رغم القصف والحصار والتسلط، وأنهم ما زالوا يؤمنون بالحرية رغم أثمانها. بدت الفصائل المهيمنة غير راضية عن هذا الحراك، بل تخشاه، لكن إذا كانت مظاهرات مارس/ آذار 2011 إعلاناً برغبة بالتحرر، فإن مظاهرات 2016 تبشر بأن خمس سنوات من القتل والتدمير، لم تلغ وجود هذا الشعب وحيويته.قد يكون الكلام عن شيء يُبنى عليه لتغيير موازين القوى عاطفياً، ولكن الأكيد أن هذه المظاهرات تحمل وعوداً، شبيهة بتلك التي أطلقها آذار/مارس الأول.
اقرأ أيضاً: يا ليتنا لم نقم بالثورة
المثقفون المنشقون عن هيمنة السلطات، حمّلوا الأنظمة وحدها كامل المسؤولية، فهي وجيوشها من هُزم، وليس الشعب، لكن ردة فعل الشعب على الهزيمة، لم تكن برهاناً على براءته. ففي مصر، وعقب إعلان جمال عبد الناصر لتنحيه، خرجت الحشود الشعبية تطالبه بالعودة عن القرار، والاستمرار بقيادتها، وهو ما حدث حتى لحظة وفاته.
وفي سورية، تابع النظام البعثي حكمه، وكأنّ شيئاً لم يكن، إلى أن انقلب وزير دفاع الهزيمة، على الجناح المنافس، وتسلّم الحكم منفرداً.
لم تخرج المظاهرات الشعبية حينها ضد الأنظمة لتحاول إسقاطها، فقد كانت الدول العربية مهزومة من إسرائيل، وكانت شعوب هذه الدول مهزومة من أنظمتها. لكن مع ذلك، راجت السخرية من الجيوش العربية، ومن الفرد العربي أيضاً، وانقلب المزاج العام من النظام العروبي، الذي عززته الخطابات الناصرية والمزاودات الشعاراتية البعثية، إلى تبخيس قيمة العرب.
ومع دفن الناصرية بوفاة صاحبها، وانقلاب خلفه على إرثه، وتشبث الديكتاتوريات العربية المتنوعة بالحكم، طال الاستنقاع السياسي، وتخللته الحروب الأهلية في لبنان والسودان والجزائر، وبهت الوهج العاطفي للقضية الفلسطينية مع اتفاق أوسلو وما تلاه، واحتلت القوات الأميركية العراق الذي سبق وغزا الكويت، وتدهورت الأحوال المعيشية للشعوب العربية.. فطبع كل ذلك الحال العربية بالبؤس وانقطاع الأمل، وسادت المشاعر السلبية، وجرى الخلط بين الشعوب وحكامها.
لكن، وفي لحظة تنتمي إلى هذا الموات، أحرق البوعزيزي نفسه، ليبدو كل شيء جديداً، فقد خرج الشعب إلى الشارع مقارعاً الأنظمة، ومطالباً بإسقاطها.
ومع عودة الروح للشارع العربي، عاد اعتبار الفرد بكونه قيمة إيجابية، وانعكس الأمر على التفاعل بين الشعوب، فشخصت العيون نحو ميدان التحرير في القاهرة، ورددت الألسن هتافات الثورة السورية وأغانيها. بدا وكأن زمناً عربياً مختلفاً يشق طريقه، ويعد بالكرامة والمساواة.
في سورية، استعصى النظام على السقوط، وعجز بالمقابل عن هزيمة الثورة، لتتحول الثورة إلى حرب، لم يتردد النظام فيها عن تدمير البشر والحجر، ولم تتأخر الكتائب المقاتلة له عن انتهاج أساليبه، لتشهد البلاد أكبر هجرة جماعية في تاريخها.
وقد ترافق الاستعصاء السوري، مع إعادة النظامين القديمين في مصر وتونس، إنتاج أنفسهما، وصعود تنظيم داعش المخيف، وتبنيه لعمليات إرهابية في قلب أوروبا، فعاد الإحباط واليأس بشكل مضاعف إلى المشهد العربي.
وفي الحالة السورية تحديداً، كان البؤس المعمم، دافعاً لإعلان فشل الثورة من جانب كثيرين، بل وحتى فشل مشروع الدولة السورية نفسه! وبدت صور المظاهرات السلمية الحاشدة، مع ما صاحبها من أهازيج وفنون تعبيرية، وكأنها ومضات لذاكرة أحداث قديمة لا تستعاد.
لكن، وكما يفيق الشخص من "الكوما" ليفاجئ الجميع، شهدت المناطق السورية غير الخاضعة لسيطرة النظام أو داعش، في الأيام الأولى للهدنة، خروج الناس في مظاهرات تحمل رسائل متعددة، أهمها أن سكان هذه الأرض لم يهاجروا جميعهم، وأنهم باقون رغم القصف والحصار والتسلط، وأنهم ما زالوا يؤمنون بالحرية رغم أثمانها. بدت الفصائل المهيمنة غير راضية عن هذا الحراك، بل تخشاه، لكن إذا كانت مظاهرات مارس/ آذار 2011 إعلاناً برغبة بالتحرر، فإن مظاهرات 2016 تبشر بأن خمس سنوات من القتل والتدمير، لم تلغ وجود هذا الشعب وحيويته.قد يكون الكلام عن شيء يُبنى عليه لتغيير موازين القوى عاطفياً، ولكن الأكيد أن هذه المظاهرات تحمل وعوداً، شبيهة بتلك التي أطلقها آذار/مارس الأول.
اقرأ أيضاً: يا ليتنا لم نقم بالثورة