وتعرّض ظريف لضغوطات كبيرة، في الداخل خلال الأشهر الماضية، فكان مضطراً للدفاع عن نفسه أمام البرلمان المحافظ بغالبيته بسبب سياسات الانفتاح على الولايات المتحدة، ولكن لا يخفى على أحد أنه نال الدعم المطلوب من صنّاع القرار في الداخل، فأوصى به مستشار المرشد للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، الذي قال إن ظريف قادر على قيادة دفة مهمة النووي الصعبة بكل مصاعبها وتحدياتها. وهذا ما حدث على الرغم من أن ظريف غامر بتجربته، فكان من الممكن أن يفشل، وأن يحرق نفسه تماماً في الداخل، لكن مع هذا النجاح تحوّل من كبش فداء إلى أسطورة.
وضع ظريف في تشكيلة الوفد الإيراني المفاوض، أعضاء أدرك، منذ عامين، أنهم قادرون على تحقيق ما تريده البلاد، فاختار كلاً من عباس عراقجي، ومجيد تخت روانجي، فضلاً عن حميد بعيدي نجاد وأعضاء آخرين تميزوا كلهم بالصفات نفسها تقريباً، وتوزعت الأدوار فيما بينهم.
اقرأ أيضاً: إيران ترسم خطوط ما بعد الاتفاق النووي
عباس عراقجي هو سفير إيران السابق في اليابان، عمل متحدثاً باسم الخارجية الإيرانية المحافظة، في الأشهر الأخيرة من رئاسة محمود أحمدي نجاد، وعيّنه ظريف فور توليه منصبه رئيساً للدائرة الحقوقية والدولية التابعة للخارجية. عراقجي من عائلة متدينة أفرادها تجار معروفون بغالبيتهم، وهو نال الدكتوراه في العلاقات الدولية من بريطانيا، وكان صريحاً بالتأكيد المتكرر على تغيير سياسة إيران وخطابها إزاء العالم، منذ أن بات عضواً رئيسياً في الوفد، فقاد بعدها المحادثات، التي عُقدت على مستوى مساعدي وزراء الخارجية، جولات عدة.
أما مجيد تخت روانجي، فعيّنه ظريف بدلاً من علي أصغر خاجي في الوفد المفاوض، كما عيّنه في منصب مستشاره للشؤون الأوروبية والأميركية. هو خريج الولايات المتحدة الأميركية أيضاً، وكان قنصلاً في الوفد الإيراني في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وهو متخصص في الاقتصاد السياسي، وعمل سفيراً في عواصم أوروبية، وكان يتقاسم العمل مع عراقجي في مفاوضات نواب وزراء الخارجية، التي ركّزت على صياغة البنود كتابياً في الاتفاق المعلن عنه، وهي البنود التي كانت ترتبط بالقضايا السياسية في غالبيتها.
من جهته، يُعتبر حميد بعيدي نجاد من أبرز الدبلوماسيين الإيرانيين، وقاد مفاوضات الخبراء، فتم تعيينه رئيساً لوفد الخبراء الإيرانيين الذي كان معنياً بالحوار حول التفاصيل، ولا سيما تلك المتعلقة بالقضايا الحقوقية النظرية المختصة بالعقوبات. بعيدي نجاد، كان رئيس دائرة نزع السلاح في الخارجية الإيرانية، وكان أحد أعضاء الوفد الممثل لإيران في الأمم المتحدة، وهو كذلك خريج الاقتصاد من جامعة "وود بيري" الأميركية، وكان معنياً بكل القضايا المرتبطة بالشأن الاقتصادي في هذه المفاوضات.
ومن بين كل هؤلاء لا يمكن نسيان دور رئيس هيئة الطاقة الذرية الحالي، علي أكبر صالحي، الذي ترأس المفاوضات الفنية والتقنية والتي خاضها بشكل مباشر وجولات مع الوفد الأميركي برئاسة وزير الطاقة الأميركي ارنست مونيز. صالحي اختص في الشؤون التقنية والمتعلقة بالمفاعلات النووية وآلية عملها، فهو مهندس نووي ملم باللغتين العربية والإنجليزية بشكل جيد، وهو، أيضاً، خريج الولايات المتحدة الأميركية، وعلى الرغم من أنه تولى حقيبة الخارجية الإيرانية في عهد الرئيس، محمود أحمدي نجاد، لكنه عاد إلى مكانه الطبيعي فور تولي روحاني كرسي الرئاسة في إيران.
صالحي متخصص في الهندسة النووية، وكان رئيس جامعة "صنعتي شريف" وهي من أبرز الجامعات الإيرانية المعروفة بالتخصصات التقنية والعلوم الفيزيائية والنووية، وأيضاً كان ممثل إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وله علاقاته الواسعة مع أعضاء الوكالة، كما أنه خبير في مسألة هندسة وبناء المفاعلات، لذا استطاع حل القضايا المتعلقة بمفاعل آراك النووي الذي يعمل بالماء الثقيل فضلاً عن منشأتي فردو ونتانز للتخصيب. لهذا الدبلوماسي المهذب، كما هو معروف عنه في إيران، ارتباطات قوية بالحوزة العلمية في قم، فهو متحدر من عائلة رجال دين معروفين، وهذا ما جعله قادراً على أن يكون جزءاً من المفاوضات النووية الإيرانية الأميركية المباشرة من دون التعرض للضغط نفسه الذي تعرض له ظريف، على الرغم من أنه قائد هذا الملف.
ومن الممكن القول، إن طهران استطاعت بهذه التشكيلة أن توزع الأدوار بين الأعضاء، والتوزيع لم يكن للمهام السياسية والفنية والتقنية وحسب، وإنما كان توزيعاً لتفريق عوامل الضغط في الداخل الإيراني على الأعضاء أنفسهم، الذين قادوا مهمة حساسة للغاية كان من الممكن أن تفشل في النهاية.
ولدى هؤلاء الأعضاء حنكة في التعامل مع الغرب، فمعظم المناصب التي تولوها سابقاً تتعلق بمهام دبلوماسية أكثر منها نووية، فصالحي هو الأكثر خبرة على الصعيد التقني النووي، ولكن هذا الملف كان يحتاج إلى ترميم العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية أولاً، ومع بقية أعضاء دول الست الكبرى ثانياً، ولا سيما أن الملف النووي تعقّد كثيراً، خلال السنوات الثماني، من عهد الرئيس المحافظ المتوجس من الغرب، محمود أحمدي نجاد، إذ ترأس المفاوضات آنذاك المتشدد سعيد جليلي الذي كان أميناً لمجلس الأمن القومي، إلا أن مقتضيات المرحلة الفعلية تطلبت تغيير المعادلات وتجهيز الأمور لكل السيناريوهات.
اقرأ أيضاً: خامنئي يتعهد بالتصدي للولايات المتحدة رغم الاتفاق النووي