وصل إلى العاصمة السورية دمشق، أمس الأحد، نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف، على رأس وفد وصفته وسائل إعلام النظام، بأنه "رفيع المستوى"، في زيارة هي الخامسة له إلى سورية منذ تعيينه رئيساً للجانب الروسي في اللجنة الاقتصادية المشتركة مع النظام، خلفاً لنائب رئيس الوزراء السابق ديمتري روغوزين.
وبحسب سفير النظام لدى موسكو رياض حداد، فإن الوفد يضم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي تعد زيارته إلى دمشق الأولى منذ عام 2012. وقال حداد، بحسب وسائل إعلام النظام، إن زيارة الوفد الروسي "تكتسي أهمية خاصة، نظراً للملفات السياسية والاقتصادية التي سيتم بحثها، ومن بينها مكافحة الإرهاب ونتائج عمل لجنة مناقشة تعديل الدستور السوري، ومواجهة الحصار الاقتصادي وقانون قيصر" الأميركي، لافتاً إلى أن "هذه المرة الأولى التي تجتمع فيها هذه المستويات في زيارة تهدف إلى إجراء مناقشات شاملة حول الملفات المتعلقة بالوضع في سورية".
ولم يعط حداد تفاصيل أكثر عن تركيبة الوفد الروسي، إلا أن صحيفة "الوطن"، التابعة للنظام، أكدت أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف سيكون في عداد هذا الوفد، الذي يضم المستويات المعنية بالملف السوري على الصعد الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والاقتصادية.
ويظهر من خلال إسناد رئاسة الوفد إلى رئيس اللجنة الاقتصادية المشتركة مع النظام، الأهمية التي توليها روسيا للجانب الاقتصادي، باعتباره في صدارة أولويات علاقاتها مع دمشق، ولا سيما أن بوريسوف أبرم أهم العقود مع النظام السوري، ومن بينها استئجار ميناء طرطوس لمدة 50 سنة، والاستحواذ على الشركة العامة للأسمدة بمعاملها الثلاثة في حمص، إضافة إلى اتفاقيات التنقيب عن النفط والغاز، وخريطة طريق للتعاون في مجال الصناعة.
يبقى همّ روسيا الرئيسي منع انهيار النظام بشكل مفاجئ
وأشار الخبير بالشؤون الروسية محمود الحمزة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "ترؤس الوفد من قبل شخصية مثل يوري بوريسوف هي رسالة واضحة بأن لدى روسيا قضايا مهمة بالشأن الاقتصادي تريد بحثها مع النظام، وتتعلق بعقود اقتصادية، وأيضاً عسكرية". وتشير تركيبة الوفد الروسي إلى أن هناك ملفات سياسية سيتم بحثها مع النظام السوري، على أن يتم المساومة عليها مقابل عقود اقتصادية جديدة تعزز سيطرة موسكو على المقدرات السورية، حيث من المرجح أن يستخدم الجانب الروسي بعض الضغوط الغربية "الرخوة" على النظام، ولا سيما مسألة انخراطه في العملية السياسية، ورقة لابتزازه مقابل عقود اقتصادية جديدة ثمناً لتوفير غطاء سياسي وعسكري له. ويرجح أن تتركز المباحثات على بحث إمكانية عرض المشاريع المشتركة بينهما، وزيادة حصة روسيا في الاقتصاد السوري، وتخفيف تبعات قانون "قيصر" الأميركي، والحزمة الرابعة من العقوبات الأميركية المزمع إعلانها قريباً.
وعلى الرغم من أن روسيا استحوذت على أكبر ما يمكن من الثروات السورية، لكن همها الرئيسي الآن هو منع انهيار النظام بشكل مفاجئ، ومنحه أسباب البقاء في المدة القريبة من خلال تفاهمات مع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، الذي تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري والتي تسيطر على معظم ثروات البلاد، لأنه من دون تلك الثروات والمحاصيل الاستراتيجية فإن النظام قد يسقط بشكل مفاجئ وغير محسوب وهو ما لا تريده موسكو.
وقبيل زيارة الوفد إلى دمشق، أعلن في موسكو عن اتفاقية لمنح روسيا أراضي ومساحة بحرية إضافية في سورية بهدف توسيع قاعدة حميميم الجوية، بمساحة تقدر بـ 8 هكتارات في محافظة اللاذقية، تضاف إلى العقود التي وقّعها بوريسوف، وتندرج جميعها في إطار اتفاقيات تعاون شاملة أسس لها سلفه ديمتري روغوزين صاحب التصريح الشهير الذي قال فيه إن "سورية بلد غنيّ بلا حدود، وتوجد فيها ثروات باطنية، وهي ذات موقع جغرافيّ فريد، وللشركات الروسية حقّ تطوير مشاريع اقتصادية ضخمة في سورية، ولا سيما في ظل وجود العسكريين الروس الذين سيبقون في سورية للحفاظ على السلام والاستقرار".
من جانبها، ركزت صحيفة "الوطن" على الجانب السياسي لزيارة الوفد الروسي إلى دمشق، خصوصاً وجود لافروف في الوفد للمرة الأولى منذ عام 2012، حيث أعادت نقل تصريحاته التي أدلى بها خلال لقائه المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون، قبل يومين، وهو ما يحمل رسالة طمأنة للنظام تشير إلى احتمال عودة قنوات الاتصال الدبلوماسي بينه وبين الجانب الروسي، بعد سيطرة الجانب العسكري والاقتصادي على العلاقات بين الجانبين طيلة ثمانية أعوام.
يضم الوفد مسؤولين عن ملفات سياسية واقتصادية وعسكرية
ورأى المحلل السياسي سامر خليوي أن الوفد الروسي "لديه مهام ورسائل خاصة، كونه يضم المسؤولين عن الملفات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والعسكرية"، موضحاً أن "أبرز هذه المهام هي ابتزاز (رئيس النظام بشار) الأسد وتحقيق المكاسب والمصالح الروسية في كافة القطاعات، واستغلال ما تبقى من ثروات في سورية، وتأمين المصالح الاستراتيجية الروسية قبل التوصل إلى أي حل سياسي، وذلك عبر استغلال ضعف الأسد وارتباط وجوده بدعم موسكو، حيث لا يستطيع أن يرفض المطالب والأوامر الروسية". وأضاف خليوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الرسائل التي يريد أن يوصلها الوفد الروسي للولايات المتحدة الأميركية والغرب وإيران وباقي الدول مفادها بأن روسيا لن تتخلى عن النظام، وأنها تعمل على تأمين تواجدها المستقبلي بسورية في كافة المجالات، ومن يريد التفاوض حول سورية عليه الاتفاق مع روسيا وليس الأسد". وأشار إلى أن موسكو "توحي للأمم المتحدة بأن روسيا تعمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 من خلال اللجنة الدستورية، وهي التي تضبط سير اللجنة من خلال تحكمها بوفد الأسد الذي يعطل دائماً اجتماعات اللجنة الدستورية كسباً للوقت، وصولاً إلى منتصف العام المقبل موعد الاستحقاق الرئاسي في سورية، كي يتم التجديد للأسد بحجج واهية ومكشوفة من الآن، ما لم تلتفت الأمم المتحدة وأميركا والغرب لذلك".