تقف هذه الزاوية، مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه.
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
مشغول جدّاً بما يحدث في الجزائر، منبهرٌ بالمسيرات الضخمة التي تخرج كل يوم جمعة، مسرور جداً بالتنظيم والحيوية والاختلاط والإبداع في الهتافات والشعارات. أحاول أن أشارك في هذه الثورة، ولو من بعيد، عبر مقالاتي في الصحافة، وبعض التدخّلات في المنابر الإعلامية في فرنسا ومتابعة ما يُكتب ويُقال حول الحدث الجزائري.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
آخر عمل أصدرته كان كتاباً بالفرنسية بعنوان "أوروبا أمام المد الإسلامي.. حضارة تحتضر"، وقد حاولت أن أناقش فيه الصعوبات التي تعترض أوروبا في مواجهة التطرُّف الديني، كما سعيتُ فيه إلى فضح تساهل بعض السياسيين ورجال الإعلام في أوروبا مع الإسلاميين لأهداف انتخابية بالأساس. أمّا إصداري القادم فهو كتاب يذهب في اتجاه آخر، حيث يتمحور حول موضوع ما بعد الإنسانية ونهاية الإنسان الكلاسيكي.
■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
عموماً، يمكنني القول نعم. أشعر بأنني قلتُ ما كان يجب أن أقوله في التوقيت المناسب، وخاصة في أول كتبي بالعربية وهو كتاب "فصل الكلام في مواجهة أهل الظلام". أشعر بأنني قمت بواجبي المتواضع كمواطن جزائري، ثمّ كأُممي تجاه الخطر الأصولي الداهم، ولن أكون مرتاحاً حتى تقلب الإنسانية جمعاء صفحة الأصولية.
■ لو قيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
سأختار المسار نفسه، لأنني أنا الذي اخترت مسار حياتي وفي بعض المرات غامرت بكل شيء من أجل حريتي، سواء على المستوى الشخصي أو المهني. لا يعني هذا أنني حقّقت كل ما كنت أريد، لكنني أشعر أنني حقّقت الأهم، والأهم بالنسبة إليّ هو الاستقلالية الفكرية والاجتماعية. ربما يكون الشيء الوحيد الذي يصعب عليّ تقبّله وجدانياً هو العيش خارج الجزائر، أعتقد أن ذلك هو الشيء الوحيد الذي لم أختره في حياتي.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
أكثر ما أتمنّاه هو الحد من الفقر في العالم، ولو كان ذلك باعتماد دخل معيّن يحفظ كرامة الإنسان في كل مكان من الأرض. أتمنّى أن تُنتهج أيضاً سياسة عالمية للحد من التزايد السكاني والاهتمام بالبيئة، كما أدعو إلى الضغط الدولي الجدّي على الحكومات التي تقمع مواطنيها، وبالطبع آمل أن تتحقّق المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، وتعميم منع عقوبة الإعدام والتعذيب بكل أشكاله. أتمنّى إرساء أنظمة ديمقراطية في كل بلدان العالم بلا استثناء، وتجريم الحرب بشكل صريح وحازم.
■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
أودّ لقاء الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين لأسأله سؤالاً واحداً: أنت الذي كنت تقول بأن الجزائر فوق كل اعتبار، كيف لم تنتبه إلى خطر وزيرك عبد العزيز بوتفليقة واحتقاره للجزائريين. انهض ولاحظ ما فعله صديقك بالجزائر من تخريب ودمار! هناك شخصية أخرى تمنّيت أن التقي بها، وإن كانت خيالية، هي شخصية زوربا، وأعني زوربا الحقيقي، كما أبدعه الكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكيس في الرواية، وليس الشخصية السينمائية.
■ كتاب تعود إليه دائماً؟
أحبّ كتاب "مساوئ أن يكون الإنسان قد وُلد" لـ إميل سيوران. هذا الكتاب على جدّيته في طرح مسألة الوجود الإنساني وجدواه، والذي يراه بعضهم سوداوياً، أجد فيه متعة كبيرة ومرَحاً ونكتة فلسفية لا نظير لها لدى الفلاسفة، القدامى منهم أو المعاصرين. مما أذكر من شذراته: "من الصباح إلى المساء لا نصنع سوى الماضي"، و"الأمل هو الشكل الطبيعي للهذيان".
■ ماذا تقرأ الآن؟
أقرأ في كتاب بعنوان "الذكاء الاصطناعي أو رهان العصر.. تشريح مناهضة راديكالية للإنسانوية"، لـ إريك سادان وهو فيلسوف وشاعر فرنسي معروف بكتاباته في نقد التقنيات الجديدة. وكالعادة، أقرأ رواية في الوقت نفسه هي آخر رواية للكاتب الفرنسي ميشال ويلبيك بعنوان "سيروتونين".
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
في هذه الأيام أنتقل بين اليوناني ميكيس تيودوراكيس والإيطالي إينيو موريكوني. الأول أحببته مع الموسيقى التي وضعها لفيلم زوربا ولا أزال إلى اليوم أحمل له نفس الحب، أما الثاني فقد عشقته منذ الصغر؛ حيث كنت مولعاً بأفلام الوسترن وأبهرتني موسيقاه، ومنذ ذلك الوقت أتمتع بأعماله.
بطاقة
باحث ومترجم جزائري مقيم في فرنسا منذ 26 سنة. وُلد في كدية العرائس (ولاية بومرداس، شرق الجزائر العاصمة). من مؤلّفاته بالعربية: "أسفار العقل"، و"المعنى والغضب"، و"الفيلسوف إذا سُئل". وبالفرنسية: "الأصولية: كيف حفر الغرب قبره"، و"الأصولية كما فسّرتها لابنتي". كما شارك في مؤلّفات جماعية منها: "جدل التعليم الديني" و"الإسلام في أوروبا".