اقرأ أيضاً: الردّ السعودي على "حرب" حزب الله بدأ.. فكيف ينتهي؟
يحمّل أحد النواب في تيار المستقبل، رئيس الحكومة اللبنانية المسؤولية في عدم تفادي القرار السعودي، "إذ كان عليه زيارة المملكة على رأس وفد وزاري بعد ما قام به وزير الخارجية جبران باسيل في القاهرة وجدة في اجتماعي وزراء الخارجية العرب ومنظمة المؤتمر الإسلامي (رفض لبنان التوقيع على البيان الختامي الذي يتضامن مع السعودية ويدين إيران وأدواتها)، وخصوصاً أن سلام تعرض لخديعة من قبل باسيل ولم يعترض على ذلك لمنع تفجير الوضع السياسي في البلد"، بحسب النائب المستقبلي.
من هنا، لم يكن القرار السعودي مفاجئاً. مُهد له إعلامياً وسياسياً في الأشهر الماضية. شكلت العقوبات السعودية بحق عدد من مسؤولي حزب الله مؤشراً لما سيأتي. أعلن السعوديون عبر هذه العقوبات أنهم لم يعودوا في وارد محاباة "الخصوصية اللبنانية". ثم جاءت مبادرة سعد الحريري لانتخاب رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، كمبادرة أخيرة قبل البدء في سلسلة من الإجراءات السعودية تحت عنوان "المواجهة" في لبنان.
للإجراء السعودي هذا مقدمات. من أبرز هذه المقدمات، لقاءات قام بها عدد من الضباط السعوديين مع نظرائهم اللبنانيين منذ أشهر. نتيجة هذه اللقاءات كانت سلبية. شعر السعوديون، بأن الجيش بات "ورقة بيد حزب الله" كما يقول أحد المطلعين على هذه اللقاءات. ولهذا الإجراء السعودي خطوات لاحقة. فمصادر الدبلوماسية السعودية في لبنان، تتحدث عن اتخاذ إجراءات أمنية مشددة، تحسباً لردة فعل من حزب الله على خطوات السعودية، في لبنان حالياً، وفي سورية مستقبلاً. برأيهم، سيكون لبنان ساحة يستعملها حزب الله للردّ، وعبر وسائل مختلفة.
ومن الضروري الإشارة إلى أن هذا القرار يأتي في سياق العقوبات الاقتصادية والإجراءات المصرفية بحق الحزب والتي تقودها الولايات المتحدة، بعد إدانة الحزب بالتورط في عمليات تبييض أموال وتجارة المخدرات في أوروبا وأميركا الشمالية.
لكن، كيف تُمكن قراءة هذا القرار السعودي؟
أولاً: هذا القرار هو إعلان رسمي سعودي عن أن لبنان تحوّل إلى "محميّة إيرانية"، وأن التعامل معه يكون على هذا الأساس. وجاء ردّ الفعل على هذه الهيمنة بوقف المساعدات الماليّة للجيش والمؤسسات الأمنيّة، وهي الأجهزة التي من المفترض أنها تتولى حماية الأمن والاستقرار اللبناني في ظلّ تعطّل العمليّة السياسيّة والانتخابية، وفشل انتخاب رئيس للجمهوريّة منذ مايو/أيار 2014. وبالتالي فإن السعوديّة تُعلن بهذا الإجراء أنها لم تعد تتحمّل مسؤوليّة الأمن والاستقرار فيه، ولا عدمه. هي تُرسل بذلك رسائل للدول الغربيّة، التي يعنيها أمن لبنان، انطلاقاً من رغبتها في الحفاظ على اللاجئين السوريين في لبنان، بأن هذه الدول عليها أن تُفكّر بطريقة مختلفة من اليوم فصاعداً. فالسعوديّون شاهدوا بأم الأعين، كيف أن انتشار الجيش في الشريط الحدودي من عرسال إلى رأس بعلبك عند الحدود اللبنانيّة السورية، يجري بتنسيق عالٍ، مع حزب الله. وشاهدوا، كيف يقوم البريطانيون والأميركيون والفرنسيون، بالعمل مع هذه القوات المنتشرة، و"المحاصرة" من قبل حزب الله، من دون أن يُثير هذا الأمر ريبة هذه الدول. وبالتالي، فإن السعوديّة تُعلن انتقال "معركتها" مع حزب الله، الذي يُجاهر في قتاله لها في سورية وفي اليمن، إلى الداخل اللبناني، وليس فقط خارج الحدود اللبنانيّة.
اللافت، أن هذا الإجراء، تزامن مع عودة الحريري إلى لبنان، وهو يحمل حلولاً لأزمته المالية، ويسعى لإعادة ترتيب الوضع الداخلي لتيار المستقبل، إضافة إلى إعلانه المتكرر الرغبة في تحقيق تقدم في ملف الرئاسة. وكأن السعوديّة تقول بتزامن القرارين: "لقد انتقلت من مرحلة دعم الدولة اللبنانيّة إلى دعم الفريق السياسي القريب لي في لبنان".
ثانياً: يقول العارفون بخبايا القرار السعودي، إن أول ضحاياه لبنانياً، هو النائب ميشال عون. وبرأيهم، فإن هذا الإجراء ينهي حظوظ عون الرئاسية، "فمع تولي صهره، الوزير جبران باسيل، وزارة الخارجية تدهورت علاقات لبنان مع عدد من الدول العربية، فكيف إذا تولّى عون الرئاسة"، يقول أحد العارفين بالعقل السياسي السعودي. ويترافق هذا الكلام مع وجود مؤشرات لإمكانيّة ضمّ عدد من رجال الأعمال المسيحيين للوائح العقوبات الاقتصادية، بسبب ارتباطهم بـ"تبييض أموال حزب الله"، وهو ما سيترك أثراً على العلاقات الاقتصادية. كما أن هذا القرار، يضرب حظوظ قائد الجيش جان قهوجي الرئاسيّة.
ثالثاً: يربط العارفون بالعقل السياسي السعودي هذا الإجراء بوجود قرار سعودي لعدم ترك الساحة السورية. وهذا يفترض، عدم ترك "أداة إيران" الأبرز في سورية في حالة راحة في لبنان. سحب الدعم للمؤسسات الأمنية قد تليه إجراءات اقتصاديّة من نوع سحب الودائع، والإيعاز للمستثمرين السعوديين بالخروج التدريجي من قطاعات معينة، وقد سبق ذلك إغلاق البنك الأهلي السعودي فرعه في لبنان. كما أنه يحمل رسالة مبطنة إلى النظام المصري، بأن مرحلة "الضبابية" في السياسات الخارجية لم يعد مسموحاً بها، كما ينقل العارفون بالعقل السعودي.
في طبيعة الحال، جاء الرد اللبناني منقسماً. الأبرز بين هذه الردود، دعوة النائب مروان حمادة، وهو العائد من زيارة إلى السعودية، الحكومة إلى الاستقالة. كما كان لافتاً موقف رئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع، الذي حمّل حزب الله مسؤوليّة خسارة لبنان الدعم السعودي. واللافت أيضاً، هو تأخر صدور موقف رسمي للخارجيّة اللبنانيّة حتى أمس السبت، في ظلّ إعلان حزب الله أن الخطوة السعودية هي نتيجة أزمة مالية تُعاني منها السعوديّة، "وتحميل الحزب المسؤوليّة عن قرارها محاولة فاشلة في الشكل والمضمون". كما دافع بيان الحزب عن الخارجية اللبنانيّة رافضاً تحميلها مسؤولية القرار، الذي اعتبر أنه "يكشف زيف ادعاءات المملكة الباطلة في مكافحة الإرهاب".
من الواضح أن بيان حزب الله يسعى للتملّص من تحمّل مسؤوليّة القرار السعودي، وما سيليه، خصوصاً أن الحزب يُفترض أنه يعرف أن هناك خطوات تالية، وبالتالي هو لا يريد تحمّل مسؤوليتها ونتائجها. كذلك فإن الحزب، لا يُريد أن يوضع في الواجهة ويتحمّل مسؤوليّة الوضع الاقتصادي في البلد، وهو الأمر الذي تسعى السعوديّة لتحميله للحزب عبر القول إن لبنان "محميّة إيرانية".
اقرأ أيضاً لبنان: مواقف سياسية تحمّل "حزب الله" تبعات القرار السعودي