عانت الثلاثينية الروسية يكاتيرينا فويتسيخوفسكايا من مضايقات محصلي الديون التي وصلت إلى درجة الاتصالات بالهاتف الأرضي بها وبوالدتها وتهديدهما بعد تعثر الشركة التي كانت تعمل بها وعجزها عن سداد أقساط سلفة حصلت عليها من مكتب ائتماني صغير في مدينة سانت بطرسبورغ.
تسرد يكاتيرينا تجربتها المريرة، قائلة لـ"العربي الجديد"،: "حصلت على سلفة قدرها 30 ألف روبل (500 دولار) لمدة ستة أشهر من مكتب "أموال إلى المنزل" الإئتماني، وبعد بضع دفعات تعثرت عن سدادها، بدأ المكتب بإرسال رسائل نصية أولا، ثم تهديدي عبر الهاتف الأرضي، وصولا إلى قذف نافذة والدتي بحجر والاتصال بها وتهديدها"، ما أدي إلى توتر بينها وبين والدتها، طردتها إثره من المنزل، ولكن ما لبثت أن "ساعدتني في نهاية المطاف لتسوية الديون أمام المكتب" كما تقول.
35 % فائدة شهرية
بعد تعثرها عن السداد، فوجئت يكاتيرينا باحتساب فوائد جنونية وغرامات، لترتفع مديونيتها إلى 114 ألف روبل (1900 دولار)، أي نحو أربعة أضعاف المبلغ الأساسي للسلفة. ومع ذلك، تمكنت يكاتيرينا في نهاية المطاف من التوصل إلى تسوية مع المكتب بدفع 43 ألف روبل (700 دولار) بزيادة نسبتها 50 في المائة مقارنة بالمبلغ الأساسي.
يكاتيرينا واحدة من بين 8.3 ملايين شخص حصلوا على سلف خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2017 بزيادة نسبتها 78 في المائة مقارنة بالعام الماضي وفق البيانات التي كشف عنها نائب رئيسة المصرف المركزي الروسي فلاديمير تشيستيوخين في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويكشف بحث على شبكة الإنترنت أجراه معد التحقيق عن عشرات المواقع التي يمكن من خلالها الحصول على سلف "أونلاين" دون الذهاب حتى إلى المكتب الائتماني، كما تنتشر إعلانات "الأموال السريعة" في شوارع موسكو، وعلى الأخص في المدن الصغيرة التي تعتبر أقل رخاء من العاصمة.
ويقدم أحد هذه المواقع بعنوان "غرين ماني" عرضا للحصول على سلفة لتغطية النفقات العاجلة خلال نصف ساعة فقط، لكن بفائدة جنونية تبلغ حوالي 35 في المائة شهريا، كما أنه يقدم عرضا "خاصا" للمقترضين "المسؤولين" لمنحهم سلفة لمدة 180 يوما وأكد موظف الاستعلامات بأحد المكاتب الائتمانية لمعد التحقيق إمكانية الحصول على سلفة بموجب الجواز الداخلي وحده، "إذ يلجأ ملايين من الروس الذين لا يعملون في وظيفة ثابتة ولا يستطيعون إثبات مصدر دخلهم حتى يحصلوا على بطاقة ائتمانية من المصارف الرسمية إلى تلك المكاتب التي لا تشترط تقديم أي مستندات باستثناء أوراق الهوية ورقم البطاقة المصرفية لتحويل المبلغ وحتى تقدم خدمة توصيله إلى المنزل" كما يقول.
وفي أحيان كثيرة، يجد المقترضون المتعثرون أنفسهم معرضين للابتزاز، إما دفع أضعاف المبلغ الأساسي، وإما استعانة المكتب الائتماني بمحصلين قانونيين أو غير قانونيين لإجبارهم على سداد المديونية، كما يقدرونها. وفق ما أوضحه نشطاء مدافعون عن حقوقهم لـ"العربي الجديد".
وبين الحين والآخر، تتسرب إلى الإعلام قصص مروعة لإقدام ضحايا الديون والمحصلين على الانتحار، وإصابتهم بوعكات صحية، وحتى الالتحاق بتنظيم "داعش" الإرهابي، مثلما حدث مع الضابط الروسي السابق، دينيس خيساموف، بعد تراكم ديونه أمام البنك على أثر عجزه عن سداد قيمة أقساط سيارته، وفق رواية والده التي تناولتها صحيفة "كوميرسانت" الروسية نهاية العام الماضي.
اقــرأ أيضاً
قانون جديد وأحكام صارمة
دفعت تجاوزات المحصلين بالسلطات الروسية إلى إصدار قانون جديد ينظم عمل وكالات التحصيل ويحدد كيفية ومواعيد التواصل مع المدين، وتتضمن المادة الخامسة من قانون "حماية الحقوق والمصالح المشروعة للأشخاص الطبيعيين عند ممارسة نشاط تحصيل الديون المتأخرة" رقم 230 لعام 2016، قيودا إضافية على أساليب التحصيل، بما فيها منع توظيف أشخاص سبقت إدانتهم في قضايا جنائية لهذا الغرض.
لكن سفيتلانا مارتشينكو من حركة "أنتي كولليكتور" المعنية بالدفاع عن حقوق المقترضين المتعثرين، تعتبر أن القانون الفدرالي رقم 230 في حد ذاته لم يغير الوضع كثيرا، مقرة في الوقت نفسه بتحسنه نتيجة لصدور أحكام بالسجن بحق عدد من المحصلين المنتهكين.
وتقول مارتشينكو في حديث لـ"العربي الجديد": "يمنع القانون الجديد الاتصال بالمدين بعد الساعة العاشرة مساء في أيام العمل، وبعد الساعة التاسعة في أيام العطلة، وهو بند لا يغير الوضع كثيرا ولا يحمي المقترضين، كما أن هناك مكاتب ائتمانية تلتف على القانون من خلال تحرير ملحق للاتفاقية يتعارض تماما مع نص القانون، وتربط صرف السلفة بالتوقيع عليه".
ومع ذلك، تؤكد مارتشينكو أن حالات التجاوزات الجسيمة من قبل المحصلين باتت فردية بعد صدور أحكام بالسجن بحق عدد من المحصلين. ومن بين آخر أحكام من هذا النوع، حكم بالسجن لمدة خمسة أعوام مع وقف التنفيذ، بحق محصل في مدينة تشيليابينسك الروسية بتهمة "الابتزاز والتهديد باللجوء إلى العنف وإلحاق أضرار مادية" للمقترضين، كما تم إلزامه بدفع تعويض قدره 200 ألف روبل (3300 دولار) لأحد الضحايا. وفي مدينة أوليانوفسك الروسية صدر حكم بالسجن ثماني سنوات بحق محصل ألقى بزجاجة حارقة إلى نافذة منزل، مما أسفر عن إصابة طفل بحروق.
وحول دوافع المواطنين للاستعانة بالمكاتب الائتمانية الصغيرة، تضيف الناشطة المعنية بحقوقهم: "أغلب عملائها سبق لهم الإخلال بالتزاماتهم أمام البنوك، ما أفسد سجلهم الائتماني، لن تتعامل المصارف معهم مرة أخرى، ولا يبقى أمامهم خيار سوى المكاتب الصغيرة".
ويؤكد كبير المحليين بمجموعة شركات "تيلي تريد" للتداول، مارك غرويخمان، هو الآخر أن لجوء المواطنين إلى خدمات "الأموال السريعة" لا يعني أنهم يثقون بها أكثر من ثقتهم بالمصارف. ويقول غرويخمان في حديث لـ"العربي الجديد": "خدمات الاقتراض أونلاين لها حصتها في السوق، وهي تتميز بالسرعة والراحة في الحصول على سلفة دون التوجه إلى المكتب، ولكنْ لها جانبها السلبي، وهو أسعار الفائدة العالية جدا".
ويضيف في ذات السياق: "إذا كانت هناك إمكانية لاستخدام بطاقة ائتمان، فسيفضلها المرء على الاستدانة عبر خدمات (أونلاين). لكن المشكلة تكمن في أن صعوبة الحصول على بطاقة ائتمان أكبر منها مقارنة بالسلفة أونلاين. لذلك تزداد شعبيتها في ظروف تراكم القروض لدى الناس وتدني مداخيلهم التي تمنعهم من الحصول على قرض من مصرف".
ويشير إلى أن 8.4 في المائة من مقترضي السلف السريعة في عام 2017 كان هدفهم هو سداد أقساط قروضهم السابقة خشية من فرض غرامات عليهم وإفساد سجلهم الائتماني.
اقــرأ أيضاً
مفارقة الغنى والفقر
ثمة مفارقة في أن عملاء وكالات التحصيل ليسوا دائما من الفقراء، إذ أظهرت دراسة أجراها المركز التحليلي لخدمات الاستدانة أونلاين "روبوت زايمر" ارتفاعا في عدد حائزي أجهزة آيفون بين المقترضين. وأظهر المسح الذي أجراه المركز أن نسبة أصحاب أجهزة آيفون بين المقترضين تبلغ نحو 20.5 في المائة، ويليهم أصحاب أجهزة "سامسونغ" بنسبة 19.73 في المائة.
وأظهرت دراسة أخرى أجرتها شركة "ماني مان" أيضا زيادة أعداد المتقدمين بطلبات الاقتراض بواسطة أجهزة آيفون، بما فيها آخر موديل آيفون إكس، ما يعكس توجها نحو زيادة عدد المقترضين بين الطبقة الوسطى في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها روسيا، ويزيد من ضرورة تنظيم عمل المكاتب الائتمانية ووكالات التحصيل، لمنع الانتهاكات. ويرجع الخبير المالي غرويخمان هذا التوجه إلى ارتفاع نسبة المقترضين الذين يحصلون على سلف استهلاكية بفوائد أقل بعد أن حولتهم المصارف إلى المكاتب الائتمانية التابعة لها لعدم استيفائهم شروط البنوك.
وكالات التحصيل ترد
يعتبر مدير عام مركز تطوير أعمال التحصيل (غير حكومي)، دميتري جدانوخين، أن كثرة شكاوى المواطنين من وكالات التحصيل والمكاتب الائتمانية الصغيرة، تعود إلى مجموعة من العوامل، وفي مقدمتها اعتقاد الناس أن الدولة ملزمة بحمايتهم، وعيوب المكاتب الائتمانية ووكالات التحصيل نفسها، وموقف الإعلام المتحيز لصالح المقترض.
ويقول جدانوخين، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في تخصص القانون، في حديث لـ"العربي الجديد": "لا تزال لدى الناس العقلية السوفييتية بأن الدولة يتعين عليها تسوية كافة المسائل وحمايتهم حتى إذا كانت مشكلاتهم ناجمة عن أعمالهم هم".
ومع ذلك، لا يعفي جدانوخين وكالات التحصيل من مسؤوليتها عما آلت إليه الأمور، قائلا: "تطورت المكاتب الائتمانية الصغيرة ووكالات التحصيل بشكل "قبيح"، وهناك كيانات كثيرة شبه إجرامية". ويخلص إلى أن الطرفين يتحملان المسؤولية عن ذلك، محملا وسائل الإعلام مسؤولية خاصة لإظهارها الجوانب السلبية فقط للمكاتب الائتمانية والمحصلين من دون التطرق إلى نشاطهم اليومي المفيد.
وحول تغيير الوضع بعد إصدار القانون الجديد، يضيف: "بعد إصدار القانون رقم 230، تغير الوضع بشكل مفاجئ للمشرعين، إذ إن حالات الانتهاك الصارخ للقانون الجنائي مثل الضرب، أُضيفت إليها الانتهاكات المتعلقة بتجاوز عدد مرات الاتصال المسموح بها، لكن بالفعل لم يؤثر القانون الجديد على من كان مستعدا لارتكاب انتهاكات عند تحصيل الديون".
تسرد يكاتيرينا تجربتها المريرة، قائلة لـ"العربي الجديد"،: "حصلت على سلفة قدرها 30 ألف روبل (500 دولار) لمدة ستة أشهر من مكتب "أموال إلى المنزل" الإئتماني، وبعد بضع دفعات تعثرت عن سدادها، بدأ المكتب بإرسال رسائل نصية أولا، ثم تهديدي عبر الهاتف الأرضي، وصولا إلى قذف نافذة والدتي بحجر والاتصال بها وتهديدها"، ما أدي إلى توتر بينها وبين والدتها، طردتها إثره من المنزل، ولكن ما لبثت أن "ساعدتني في نهاية المطاف لتسوية الديون أمام المكتب" كما تقول.
35 % فائدة شهرية
بعد تعثرها عن السداد، فوجئت يكاتيرينا باحتساب فوائد جنونية وغرامات، لترتفع مديونيتها إلى 114 ألف روبل (1900 دولار)، أي نحو أربعة أضعاف المبلغ الأساسي للسلفة. ومع ذلك، تمكنت يكاتيرينا في نهاية المطاف من التوصل إلى تسوية مع المكتب بدفع 43 ألف روبل (700 دولار) بزيادة نسبتها 50 في المائة مقارنة بالمبلغ الأساسي.
يكاتيرينا واحدة من بين 8.3 ملايين شخص حصلوا على سلف خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2017 بزيادة نسبتها 78 في المائة مقارنة بالعام الماضي وفق البيانات التي كشف عنها نائب رئيسة المصرف المركزي الروسي فلاديمير تشيستيوخين في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويكشف بحث على شبكة الإنترنت أجراه معد التحقيق عن عشرات المواقع التي يمكن من خلالها الحصول على سلف "أونلاين" دون الذهاب حتى إلى المكتب الائتماني، كما تنتشر إعلانات "الأموال السريعة" في شوارع موسكو، وعلى الأخص في المدن الصغيرة التي تعتبر أقل رخاء من العاصمة.
ويقدم أحد هذه المواقع بعنوان "غرين ماني" عرضا للحصول على سلفة لتغطية النفقات العاجلة خلال نصف ساعة فقط، لكن بفائدة جنونية تبلغ حوالي 35 في المائة شهريا، كما أنه يقدم عرضا "خاصا" للمقترضين "المسؤولين" لمنحهم سلفة لمدة 180 يوما وأكد موظف الاستعلامات بأحد المكاتب الائتمانية لمعد التحقيق إمكانية الحصول على سلفة بموجب الجواز الداخلي وحده، "إذ يلجأ ملايين من الروس الذين لا يعملون في وظيفة ثابتة ولا يستطيعون إثبات مصدر دخلهم حتى يحصلوا على بطاقة ائتمانية من المصارف الرسمية إلى تلك المكاتب التي لا تشترط تقديم أي مستندات باستثناء أوراق الهوية ورقم البطاقة المصرفية لتحويل المبلغ وحتى تقدم خدمة توصيله إلى المنزل" كما يقول.
وفي أحيان كثيرة، يجد المقترضون المتعثرون أنفسهم معرضين للابتزاز، إما دفع أضعاف المبلغ الأساسي، وإما استعانة المكتب الائتماني بمحصلين قانونيين أو غير قانونيين لإجبارهم على سداد المديونية، كما يقدرونها. وفق ما أوضحه نشطاء مدافعون عن حقوقهم لـ"العربي الجديد".
وبين الحين والآخر، تتسرب إلى الإعلام قصص مروعة لإقدام ضحايا الديون والمحصلين على الانتحار، وإصابتهم بوعكات صحية، وحتى الالتحاق بتنظيم "داعش" الإرهابي، مثلما حدث مع الضابط الروسي السابق، دينيس خيساموف، بعد تراكم ديونه أمام البنك على أثر عجزه عن سداد قيمة أقساط سيارته، وفق رواية والده التي تناولتها صحيفة "كوميرسانت" الروسية نهاية العام الماضي.
قانون جديد وأحكام صارمة
دفعت تجاوزات المحصلين بالسلطات الروسية إلى إصدار قانون جديد ينظم عمل وكالات التحصيل ويحدد كيفية ومواعيد التواصل مع المدين، وتتضمن المادة الخامسة من قانون "حماية الحقوق والمصالح المشروعة للأشخاص الطبيعيين عند ممارسة نشاط تحصيل الديون المتأخرة" رقم 230 لعام 2016، قيودا إضافية على أساليب التحصيل، بما فيها منع توظيف أشخاص سبقت إدانتهم في قضايا جنائية لهذا الغرض.
لكن سفيتلانا مارتشينكو من حركة "أنتي كولليكتور" المعنية بالدفاع عن حقوق المقترضين المتعثرين، تعتبر أن القانون الفدرالي رقم 230 في حد ذاته لم يغير الوضع كثيرا، مقرة في الوقت نفسه بتحسنه نتيجة لصدور أحكام بالسجن بحق عدد من المحصلين المنتهكين.
وتقول مارتشينكو في حديث لـ"العربي الجديد": "يمنع القانون الجديد الاتصال بالمدين بعد الساعة العاشرة مساء في أيام العمل، وبعد الساعة التاسعة في أيام العطلة، وهو بند لا يغير الوضع كثيرا ولا يحمي المقترضين، كما أن هناك مكاتب ائتمانية تلتف على القانون من خلال تحرير ملحق للاتفاقية يتعارض تماما مع نص القانون، وتربط صرف السلفة بالتوقيع عليه".
ومع ذلك، تؤكد مارتشينكو أن حالات التجاوزات الجسيمة من قبل المحصلين باتت فردية بعد صدور أحكام بالسجن بحق عدد من المحصلين. ومن بين آخر أحكام من هذا النوع، حكم بالسجن لمدة خمسة أعوام مع وقف التنفيذ، بحق محصل في مدينة تشيليابينسك الروسية بتهمة "الابتزاز والتهديد باللجوء إلى العنف وإلحاق أضرار مادية" للمقترضين، كما تم إلزامه بدفع تعويض قدره 200 ألف روبل (3300 دولار) لأحد الضحايا. وفي مدينة أوليانوفسك الروسية صدر حكم بالسجن ثماني سنوات بحق محصل ألقى بزجاجة حارقة إلى نافذة منزل، مما أسفر عن إصابة طفل بحروق.
وحول دوافع المواطنين للاستعانة بالمكاتب الائتمانية الصغيرة، تضيف الناشطة المعنية بحقوقهم: "أغلب عملائها سبق لهم الإخلال بالتزاماتهم أمام البنوك، ما أفسد سجلهم الائتماني، لن تتعامل المصارف معهم مرة أخرى، ولا يبقى أمامهم خيار سوى المكاتب الصغيرة".
ويؤكد كبير المحليين بمجموعة شركات "تيلي تريد" للتداول، مارك غرويخمان، هو الآخر أن لجوء المواطنين إلى خدمات "الأموال السريعة" لا يعني أنهم يثقون بها أكثر من ثقتهم بالمصارف. ويقول غرويخمان في حديث لـ"العربي الجديد": "خدمات الاقتراض أونلاين لها حصتها في السوق، وهي تتميز بالسرعة والراحة في الحصول على سلفة دون التوجه إلى المكتب، ولكنْ لها جانبها السلبي، وهو أسعار الفائدة العالية جدا".
ويضيف في ذات السياق: "إذا كانت هناك إمكانية لاستخدام بطاقة ائتمان، فسيفضلها المرء على الاستدانة عبر خدمات (أونلاين). لكن المشكلة تكمن في أن صعوبة الحصول على بطاقة ائتمان أكبر منها مقارنة بالسلفة أونلاين. لذلك تزداد شعبيتها في ظروف تراكم القروض لدى الناس وتدني مداخيلهم التي تمنعهم من الحصول على قرض من مصرف".
ويشير إلى أن 8.4 في المائة من مقترضي السلف السريعة في عام 2017 كان هدفهم هو سداد أقساط قروضهم السابقة خشية من فرض غرامات عليهم وإفساد سجلهم الائتماني.
مفارقة الغنى والفقر
ثمة مفارقة في أن عملاء وكالات التحصيل ليسوا دائما من الفقراء، إذ أظهرت دراسة أجراها المركز التحليلي لخدمات الاستدانة أونلاين "روبوت زايمر" ارتفاعا في عدد حائزي أجهزة آيفون بين المقترضين. وأظهر المسح الذي أجراه المركز أن نسبة أصحاب أجهزة آيفون بين المقترضين تبلغ نحو 20.5 في المائة، ويليهم أصحاب أجهزة "سامسونغ" بنسبة 19.73 في المائة.
وأظهرت دراسة أخرى أجرتها شركة "ماني مان" أيضا زيادة أعداد المتقدمين بطلبات الاقتراض بواسطة أجهزة آيفون، بما فيها آخر موديل آيفون إكس، ما يعكس توجها نحو زيادة عدد المقترضين بين الطبقة الوسطى في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها روسيا، ويزيد من ضرورة تنظيم عمل المكاتب الائتمانية ووكالات التحصيل، لمنع الانتهاكات. ويرجع الخبير المالي غرويخمان هذا التوجه إلى ارتفاع نسبة المقترضين الذين يحصلون على سلف استهلاكية بفوائد أقل بعد أن حولتهم المصارف إلى المكاتب الائتمانية التابعة لها لعدم استيفائهم شروط البنوك.
وكالات التحصيل ترد
يعتبر مدير عام مركز تطوير أعمال التحصيل (غير حكومي)، دميتري جدانوخين، أن كثرة شكاوى المواطنين من وكالات التحصيل والمكاتب الائتمانية الصغيرة، تعود إلى مجموعة من العوامل، وفي مقدمتها اعتقاد الناس أن الدولة ملزمة بحمايتهم، وعيوب المكاتب الائتمانية ووكالات التحصيل نفسها، وموقف الإعلام المتحيز لصالح المقترض.
ويقول جدانوخين، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في تخصص القانون، في حديث لـ"العربي الجديد": "لا تزال لدى الناس العقلية السوفييتية بأن الدولة يتعين عليها تسوية كافة المسائل وحمايتهم حتى إذا كانت مشكلاتهم ناجمة عن أعمالهم هم".
وحول تغيير الوضع بعد إصدار القانون الجديد، يضيف: "بعد إصدار القانون رقم 230، تغير الوضع بشكل مفاجئ للمشرعين، إذ إن حالات الانتهاك الصارخ للقانون الجنائي مثل الضرب، أُضيفت إليها الانتهاكات المتعلقة بتجاوز عدد مرات الاتصال المسموح بها، لكن بالفعل لم يؤثر القانون الجديد على من كان مستعدا لارتكاب انتهاكات عند تحصيل الديون".