05 يونيو 2017
ولاية على المرأة وقوانين ذكورية
يكاد ينقضي عام كامل، منذ انطلاق وسم #سعوديات_نطلب_إسقاط_الولايه، على موقع "تويتر". لأكثر من ثلاثمائة يوم، أصرّت مجموعة من الفتيات والناشطات السعوديات على تكرار مطلبهن بإنهاء ولاية الرجل عليهن، مع تغيير الوسم يومياً، بإضافة عدد الأيام، منذ بدء الحملة الأطول في تاريخ "تويتر" السعودي. أخيرا، صدر أمر سامٍ من العاهل السعودي، بتمكين المرأة من الحصول على الخدمات الحكومية، من دون اشتراط موافقة ولي أمرها، ما لم يتوفر سند نظاميّ لهذا الاشتراط. تلقت المطالِبات بإسقاط الولاية هذا الأمر السامي بإيجابية، لكنهن يعرفن أن مطلبهن لم يتحقق بشكل كامل، خصوصا أن عدة جهاتٍ لديها سند نظامي للمطالبة بموافقة ولي الأمر، كما أن الأبوية مهيمنةٌ في المؤسسات، وتصيغ قواعدها وقوانينها.
في السعودية، كما في دولٍ أخرى كثيرة، وإنْ تفاوتت الدرجات، تتشكل كل طبقةٍ اجتماعية من طبقتين مميزتين: الرجال والنساء. ومهما علا تصنيف المرأة الطبقي، وتمايزت عن مثيلاتها من النساء من الناحية المادية، فإنها تظل تحت هيمنة الرجل، بل إن تصنيفها الطبقي، وما تتمتع به من امتيازاتٍ مقارنةً بغيرها من النساء، مرتبط بعلاقتها برجلٍ ما: أب أو زوج، فكل النساء تقريباً يتشاركن غياب الاستقلالية، وسيطرة الرجال عليهن، نتيجة الهيمنة الاقتصادية للرجل في النظام الأبوي، عبر سيطرته على آلية توزيع المال داخل الأسرة.
تصف الباحثة والمؤرخة الأميركية، غيردا ليرنر، الهيمنة الأبوية بأنها علاقة مجموعةٍ مهيمنة، تُعتبر متفوقةً، مع مجموعةٍ خاضعة، تُعَدُّ متدنيةً، تُلَطَّف فيها الهيمنة من خلال التزاماتٍ وحقوق متبادلة، إذ تقايض المجموعة الخاضعة استسلامها للهيمنة بالحصول على حماية المجموعة المهيمنة (الذكور)، فأساس الأبوية عقدٌ غير مكتوب، يمنح من خلاله الذكر الحماية والدعم الاقتصادي للمرأة، مقابل خضوعها في جميع المسائل. تفيد ليرنر بأن الأبناء الذكور في الأسرة الأبوية يخضعون مؤقتاً لهيمنة الأب، إذ تنتهي حين يصبحون هم آباءً وأرباب أسر، وربما قبل ذلك، فيما يستمر خضوع البنات والزوجات مدى الحياة، ولا يمكن للبنات سوى استبدال هيمنة الأب بهيمنة الزوج.
تكتسب الهيمنة الأبوية في السعودية صلابةً إضافية، بفعل تمسّك الدولة بالأعراف القبلية الأبوية، والبعد الديني السلفي، في تشييد بنية المؤسسات، ما يجعل خضوع المرأة السعودية أكبر، واختناقها بقيود الوصاية الأبوية أعلى بدرجاتٍ من غيرها. في الماضي، لعبت عوامل، مثل الفصل المبالغ فيه بين الجنسين، وتأخر تعليم المرأة، وحصر مجالات عملها في أضيق الحدود، وغيرها من الأمور، في تعزيز النظام الأبوي. وعندما أرادت الدولة، في السنوات الأخيرة، تحسين وضع المرأة، حدث خرقٌ ما، لكنه لم يُغيِّر بنية النظام الأبوي وانحيازاته. حتى مجتمعات الدول الصناعية الغربية التي تطوَّرت فيها علاقات الملكية داخل الأسرة، على خطوط أكثر تساوياً من غيرها من المجتمعات، تؤكد غيردا ليرنر أنها لم تغادر فكرة الهيمنة الاقتصادية والجنسية للذكور، ولم تؤثر التغيرات داخل الأسرة على الهيمنة الذكورية في الفضاء العام والمؤسسات، وهذا سببٌ لاحتجاجٍ متواصلٍ من الحركات النسوية في الغرب.
إسقاط الولاية على المرأة لن ينهي الهيمنة الأبوية، نظراً للاختلال العميق في علاقات القوة الاقتصادية لمصلحة الذكور، لكنه مفتاحٌ أساسيٌّ لتغييرٍ لا يستهان به في واقع المرأة السعودية، يفتح نافذةً لتوسيع مساحة استقلالها عن هيمنة الذكور، ويقدّم لها فرصة تحسين موقعها داخل الأسرة والمؤسسات. إسقاط الولاية يعني، بالضرورة، أن تتم المرأة معاملاتها، وتحصل على الخدمات اللازمة، وتتعلم وتعمل وتسافر، من دون الحاجة لإذن ولي أمرها، وهذا يعني ألا يوجد أي قانون أو سند نظامي يطلب موافقة ولي الأمر.
لكن قضية إسقاط الولاية لا تتوقف عند إنهاء اشتراط موافقة الولي لتقديم الخدمات للمرأة، إذ تحتاج البنية الأبوية للأنظمة والقوانين إلى تعديل أساسي، يمنع الولي من الالتفاف على عدم طلب موافقته، من خلال رفع دعوى قضائية ضد المرأة، لسببٍ آخر يخترعه، مثل دعوى العقوق في حالة الأب، ودعوى "النشوز" في حالة الزوج. في قصة مريم العتيبي إشارةٌ مهمةٌ لمسألة الالتفاف هذه، فالفتاة تعرّضت للتعنيف من أخيها، ورفعت قضية ضده، ثم تراجعت بطلبٍ من أبيها، لكنها واجهت تهديداتٍ جديدة من الأخ، فرفعت قضية "قذفٍ وذم" ضده، ولم تستجب لطلب أبيها وتتراجع، ما دفع والدها إلى رفع دعوى عقوقٍ ضدها، ليتم اعتقالها. حصل هذا في ظل وجود نظامٍ للحماية من الإيذاء، لم يحمِ الفتاة من أوليائها الذين استغلوا الهيمنة الأبوية على القوانين والأحكام القضائية لصالحهم.
يمرّ إسقاط الولاية عبر إصلاحات أساسية في قوانين الأسرة والأحكام القضائية المتعلقة بها. ومن دون ذلك، ستبقى المرأة أسيرة ولي أمرها، فإذا كان متفهماً يمكنها أن تجد مساحات للحركة، وإن لم يكن كذلك، عليها أن تتعايش مع القيود التي يفرضها نظام الولاية، وفي الحالتين هي معتمدة بشكل واضح على رأي الرجل، وطريقة تفكيره حيال المرأة وحقوقها.
المشوار طويل أمام المرأة السعودية في مواجهة الهيمنة الأبوية، غير أن إسقاط الولاية، ومزيداً من حضور النساء في سوق العمل، ستكون خطواتٍ كبيرة في هذا المشوار الطويل، وستترك آثاراً إيجابيةً على شاباتٍ لسن قادراتٍ على تحمل العيش تحت هذه الوصاية.
في السعودية، كما في دولٍ أخرى كثيرة، وإنْ تفاوتت الدرجات، تتشكل كل طبقةٍ اجتماعية من طبقتين مميزتين: الرجال والنساء. ومهما علا تصنيف المرأة الطبقي، وتمايزت عن مثيلاتها من النساء من الناحية المادية، فإنها تظل تحت هيمنة الرجل، بل إن تصنيفها الطبقي، وما تتمتع به من امتيازاتٍ مقارنةً بغيرها من النساء، مرتبط بعلاقتها برجلٍ ما: أب أو زوج، فكل النساء تقريباً يتشاركن غياب الاستقلالية، وسيطرة الرجال عليهن، نتيجة الهيمنة الاقتصادية للرجل في النظام الأبوي، عبر سيطرته على آلية توزيع المال داخل الأسرة.
تصف الباحثة والمؤرخة الأميركية، غيردا ليرنر، الهيمنة الأبوية بأنها علاقة مجموعةٍ مهيمنة، تُعتبر متفوقةً، مع مجموعةٍ خاضعة، تُعَدُّ متدنيةً، تُلَطَّف فيها الهيمنة من خلال التزاماتٍ وحقوق متبادلة، إذ تقايض المجموعة الخاضعة استسلامها للهيمنة بالحصول على حماية المجموعة المهيمنة (الذكور)، فأساس الأبوية عقدٌ غير مكتوب، يمنح من خلاله الذكر الحماية والدعم الاقتصادي للمرأة، مقابل خضوعها في جميع المسائل. تفيد ليرنر بأن الأبناء الذكور في الأسرة الأبوية يخضعون مؤقتاً لهيمنة الأب، إذ تنتهي حين يصبحون هم آباءً وأرباب أسر، وربما قبل ذلك، فيما يستمر خضوع البنات والزوجات مدى الحياة، ولا يمكن للبنات سوى استبدال هيمنة الأب بهيمنة الزوج.
تكتسب الهيمنة الأبوية في السعودية صلابةً إضافية، بفعل تمسّك الدولة بالأعراف القبلية الأبوية، والبعد الديني السلفي، في تشييد بنية المؤسسات، ما يجعل خضوع المرأة السعودية أكبر، واختناقها بقيود الوصاية الأبوية أعلى بدرجاتٍ من غيرها. في الماضي، لعبت عوامل، مثل الفصل المبالغ فيه بين الجنسين، وتأخر تعليم المرأة، وحصر مجالات عملها في أضيق الحدود، وغيرها من الأمور، في تعزيز النظام الأبوي. وعندما أرادت الدولة، في السنوات الأخيرة، تحسين وضع المرأة، حدث خرقٌ ما، لكنه لم يُغيِّر بنية النظام الأبوي وانحيازاته. حتى مجتمعات الدول الصناعية الغربية التي تطوَّرت فيها علاقات الملكية داخل الأسرة، على خطوط أكثر تساوياً من غيرها من المجتمعات، تؤكد غيردا ليرنر أنها لم تغادر فكرة الهيمنة الاقتصادية والجنسية للذكور، ولم تؤثر التغيرات داخل الأسرة على الهيمنة الذكورية في الفضاء العام والمؤسسات، وهذا سببٌ لاحتجاجٍ متواصلٍ من الحركات النسوية في الغرب.
إسقاط الولاية على المرأة لن ينهي الهيمنة الأبوية، نظراً للاختلال العميق في علاقات القوة الاقتصادية لمصلحة الذكور، لكنه مفتاحٌ أساسيٌّ لتغييرٍ لا يستهان به في واقع المرأة السعودية، يفتح نافذةً لتوسيع مساحة استقلالها عن هيمنة الذكور، ويقدّم لها فرصة تحسين موقعها داخل الأسرة والمؤسسات. إسقاط الولاية يعني، بالضرورة، أن تتم المرأة معاملاتها، وتحصل على الخدمات اللازمة، وتتعلم وتعمل وتسافر، من دون الحاجة لإذن ولي أمرها، وهذا يعني ألا يوجد أي قانون أو سند نظامي يطلب موافقة ولي الأمر.
لكن قضية إسقاط الولاية لا تتوقف عند إنهاء اشتراط موافقة الولي لتقديم الخدمات للمرأة، إذ تحتاج البنية الأبوية للأنظمة والقوانين إلى تعديل أساسي، يمنع الولي من الالتفاف على عدم طلب موافقته، من خلال رفع دعوى قضائية ضد المرأة، لسببٍ آخر يخترعه، مثل دعوى العقوق في حالة الأب، ودعوى "النشوز" في حالة الزوج. في قصة مريم العتيبي إشارةٌ مهمةٌ لمسألة الالتفاف هذه، فالفتاة تعرّضت للتعنيف من أخيها، ورفعت قضية ضده، ثم تراجعت بطلبٍ من أبيها، لكنها واجهت تهديداتٍ جديدة من الأخ، فرفعت قضية "قذفٍ وذم" ضده، ولم تستجب لطلب أبيها وتتراجع، ما دفع والدها إلى رفع دعوى عقوقٍ ضدها، ليتم اعتقالها. حصل هذا في ظل وجود نظامٍ للحماية من الإيذاء، لم يحمِ الفتاة من أوليائها الذين استغلوا الهيمنة الأبوية على القوانين والأحكام القضائية لصالحهم.
يمرّ إسقاط الولاية عبر إصلاحات أساسية في قوانين الأسرة والأحكام القضائية المتعلقة بها. ومن دون ذلك، ستبقى المرأة أسيرة ولي أمرها، فإذا كان متفهماً يمكنها أن تجد مساحات للحركة، وإن لم يكن كذلك، عليها أن تتعايش مع القيود التي يفرضها نظام الولاية، وفي الحالتين هي معتمدة بشكل واضح على رأي الرجل، وطريقة تفكيره حيال المرأة وحقوقها.
المشوار طويل أمام المرأة السعودية في مواجهة الهيمنة الأبوية، غير أن إسقاط الولاية، ومزيداً من حضور النساء في سوق العمل، ستكون خطواتٍ كبيرة في هذا المشوار الطويل، وستترك آثاراً إيجابيةً على شاباتٍ لسن قادراتٍ على تحمل العيش تحت هذه الوصاية.