يتيمة الأحزان تقية بنت حميد الدين
قبل عدة سنوات قرأت كتابا لتقية بنت حميد الدين، ابنة الإمام يحيى وزوجة ابن الوزير، حكت فيه عن حياتها، طفولتها تعليمها زواجها وأخيرا هروبها من اليمن. تكلمت عن فضائل آل بيتها، عن تواضع أبيها الإمام وشاعرية إخوانها، عن حرص والدها على تعليمها علوم الدين واللغات وغيرها.
تكلمت عن زوجها الخائن، الذي حاول أن ينقلب على حكم أبيها وكيف باءت محاولاته بالفشل، ثم تكلمت عن ثورة 26 سبتمبر، وعن المأساة التي تعرضت لها هي وآل بيتها بسبب الثوار، وأغدقت في وصف معاناة الهرب من محافظة لأخرى ومن بلد لآخر.
تأثرت كثيرا وأنا أقرأ الكتاب، لقد كانت لغتها جزلة، وقصتها مؤثرة جدا، لوهلة شعرت بالأسى لما مرت به وتعاطفت كثيرا معها، لكني عندما أنهيت الكتاب وتذكرت قصص والدي الثائر وقصص الكثيرين غيره عن تلك الفترة، بل حتى ما ذكرته في سيرتها من حرص أبيها على تعليمها وجلب معلمات أجنبيات خصيصا لهذا الغرض، شعرت بالاستياء من الطريقة التي حاولت بها النفاذ إلى قلوب الناس واستعطافهم بقص مأساتها الشخصية، عوضا عن دس رأسها في الرمال حرجا من والدها وإخوانها وفترة حكمهم، التي تعمدوا فيها تجهيل الشعب وتجويعه ليظل راكعا لهم، بينما يعيشون هم حياتهم الارستقراطية التي تليق بهم.
في مأساتها التي صورت الثوار كمجرمين اغتصبوا حق آل البيت في الحكم، لم تحاول أن تذكر أو حتى أن تعرض كيف كان يعيش اليمن في جهل ومرض وفقر بسبب حكم أسرتها، لكن الرواية خانتها، فقد كان من الضرورة شرح وعورة الطريق وصعوبة الاتصال والمواصلات، فيما كان العلم قد وصل إلى الفضاء، لكنه لم يكن قد وصل إلى اليمن بعد.
بعد نجاحهم في الهرب ووصولها إلى لندن زارتها إحداهن، وعندما رأت القصر الذي تعيش فيه قالت الآن أصبحت فعلا بنت ملك، كدلالة على تواضع عيشهم وزهدهم عندما كانوا في اليمن.
من حقها كتابة سيرتها الذاتية كشخصية معروفة، ومن حقها استجداء العطف من الناس، فذلك كل ما تبقى لهم، لكني لو كنت مكانها، لعشت أيامي الأخيرة دون أن أحاول لفت الانتباه لوجودي.
كيف استطاعت وهي تعيش في الجانب الآخر من العالم، حيث العلم للجميع والصحة للجميع، والوطن.. الوطن أيضا للجميع، كيف طاوعها قلبها أن لا تبكي على حال بلادها التي تقبع تحت وطأة الجهل والمرض بسببهم هم.
كتبت هذه السطور قبل أعوام وتمنيت ألا أنشرها أبدا، شعور خفي بالتعاطف معها أو ربما احترامي لأقرباء لها أعرفهم هو ما جعلني أترك هذه المدونة جانبا.
كنت أيضا أؤمن بأن شوكتهم لن تقوى أبدا وتاريخهم صفحة طواها الزمن، لكنني اليوم وأنا أعيش الشتات الذي تحدثت عنه في بلاد تتمتع بذات الحقوق والحريات، أعيش حزنا آخر، حزنا على بلد لم يخرج من نفق الكهنوت حتى عاد إلى وكر الإمامة من أبشع جحورها.
سؤال لا يكاد يفارق الكثير منا، كيف لمن ذاق طعم الحرية أن يرتضي العبودية لغيره؟ كيف لمن ذاق طعم الحزن أن يزرعه في كل بيت ويحصده مرارا وتكرارا؟
هل ندمت تقية يوما لما يحدث لشعبها؟ هل أيقنت أنهم كانوا يستحقون حياة أفضل من تلك التي سرقها أبوها وأخوها من بعده؟.. لا نعلم. ربما كانت طيبة جدا وبسيطة وقريبة ممن يعرفها ويحبها، لكن هل كانت قريبة من اليمن أم أنها لم تهب ولاءها إلا للمملكة المتوكلية؟
ماذا لو كانت المملكة نموذجا مصغرا لبيت الإمام؟ هل كان زوجها أقرب الناس إليها خانها؟ هل كان الشعب سيثور على حاكمه؟ هل كان اليمني سيضطر لأن يكون عاملا في المملكة المجاورة أو مهاجرا في أطراف الأرض يبحث عن قوت لأولاده؟
هل وهل وهل.. أسئلة لا حصر لها، يرد عليها الحوثي كل يوم بالحرب والدمار.