12 اغسطس 2019
يحدث في فنزويلا
عزيز أشيبان
كاتب مغربي، يعرّف عن نفسه بالقول "نوعية اهتماماتك ومخاوفك تحدّد هويتك".
تزداد الضغوط على الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، بانقسام الشارع الفنزويلي إلى مؤيدين ومعارضين بقيادة خوان غوايدو، وتواتر سحب الاعترافات الخارجية بشرعية رئاسته. يصارع الرئيس مادورو في آن واحد تكالب المعارضتين الداخلية والخارجية على شرعية حكمه ويواجه حصارا على جميع المستويات: حصار مالي وعزلة دولية وحصار داخلي تنتهجه أطراف تصنّف بالمعارضة، وتتلقى كل الدعم من الخارج وحصار جغرافي تكرّسه دول الجوار المتمثلة في كولومبيا والبرازيل، واللتان ترحبان بإسقاط حكم مادورو، وتبديان كامل الاستعداد لتقديم كل المساعدات اللوجيستيكية والمعنوية لتحقيق ذلك.
للصراع الداخلي - الخارجي جذور تعود إلى أحداث تاريخية كفيلة بالفهم النسبي لتجليات الصراع، وآليات اشتغال عناصره، ويشترك فيه معطيات ذات أبعاد إيديولوجية وسوسيو اقتصادية، إضافة إلى أخرى تخص الشرعية.
مؤكّد أنّ فنزويلا تعيش تحت وطأة أزمة اقتصادية أنتجت اختناقا اجتماعيا بتفشّي الفقر والتضخم، وارتفاع نسبة المديونية الخارجية، وهروب الرساميل والمستثمرين، ولجوء مواطنين كثيرين إلى مغادرة البلاد، والاستقرار في دول الجوار. قد تصنّف ضمن تبعات حصار مالي وحشي، يرمي إلى تضييق الخناق على النظام والإجهاز على مقومات تحقيق أي انفراج اقتصادي بعدم الاستفادة من عائدات النفط، في بلد يتوفر على أعلى احتياطي في العالم، لإرغام النظام على الخضوع لإملاءات الإدارة الأميركية. كما أنّ الدين الخارجي وصل إلى مستويات كارثية، لم تستطع الإدارة الفنزويلية الالتزام بأداء مستحقات الديون، وطالبت بإعادة جدولتها، ما يهدد الوضعية المالية للمنطقة، وعجّل بانقلاب الدول الأوروبية عليها.
نجد تفسيرات لاستفحال الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في اختيارات السياسات الحكومية، خصوصا بعد تبني المشروع البوليفاري منذ 1999 في عهد الرئيس الراحل، هوغو تشافيز، والذي ركز على محاربة الليبرالية المتوحشة وتسخير مداخيل النفط في التخفيف من معاناة الطبقة المحرومة وتقليص الفوارق الاجتماعية. ربما اكتسى المشروع البوليفاري طابعا ثوريا مبالغا فيه، أكثر منه واقعيا، ولم يستطع النظام تحويله إلى مخطط عملي فعال يراعي الوضعية المحلية الصعبة والظرفية الاقتصادية الدولية.
من زاوية أخرى، ينخرط الصراع في فنزويلا ضمن الصراع الأزلي بين الفكر الرأسمالي المتوحش وغريمه الاشتراكي، إذ تمثل فنزويلا أحد أقطاب الممانعة لتوسّع الهيمنة الرأسمالية في القارة الأميركية، وأبدت العداء لليبرالية المتوحشة منذ عقود، وراهنت على وقف الزحف وهزم أطماع الشركات الأجنبية.
ثمة حقيقة اليوم، أن الرأسمالية تتجه نحو الإجهاز على جميع أقطاب المقاومة، خصوصا مع حالة الانحسار التي تعيشها، ويبقى همها الوحيد البحث عن منافذ لتصريف المنتجات والتوسع واجتثاث مبدأ التعدد وتسخير كل شيء في خدمة أهدافها بتقنين عملية التنميط. لذلك هناك دائما نزعةُ من النظام نحو تصنيف كل ما يقع من تشنجاتٍ محليةٍ بالمؤامرات أو الدسائس الأميركية، لذلك هناك دوما ظهور دوري لما تسمّى المعارضة الداخلية التي تحركها قوى إمبريالية خارجية، بحثا عن منافذ الاختراق كالطعن في شرعية النظام القائم.
من النافل القول، أن المفهوم الكلاسيكي للسيادة استوفى صلاحيته وراهنيته، وصار يوظف من القوى الخارجية التي تدّعي الوقوف مع احترام اختيارات الشعب وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير للاستئثار بخيرات الشعوب ونهب ثرواتها، فصارت بذلك الشرعية تستجدى من الخارج المشرف على تعيين تراتبية النخب الحاكمة وتحديد أجندة عملها.
تقف المؤسسة العسكرية إلى الآن إلى جانب الرئيس مادورو الذي نجا من محاولة اغتيال سابقة، وتعتبر صمام الأمان بالبلد والعنصر الأكثر أهمية، لأن الجيش الفنزويلي وطني تاريخي له مواقف مشرفة، حافظت على وحدة البلد واستقراره، وهو بمثابة جيش متماسك يتكون من أكثر من مائتي ألف جندي، بالإضافة إلى مليشيات مدنية مسلحة، تضم أكثر من أربعمائة ألف شخص، فهل سيكون التدخل العسكري الإمبريالي المباشر مجديا أم هو مجرد تهديد من ترامب الذي يتبع خطاب التهديد والوعيد في مناطق مختلفة؟
يبدو أنّ السيناريو نفسه يسري على مناطق مختلفة، ولو أنّ عملية إسقاطه غير مجدية لاختلاف الخصائص الجغرافية والمعطيات والاعتبارات الجيوسياسية، إلا أنّ واقع روح المقاومة والممانعة، ورفض الخضوع حاضر وبقوة في جميع الحالات.
أخيرا، سنرى إلى ما ستؤول إليه الأمور في فنزويلا، وهل ستحسم المعركة بالتدخل العسكري أم باستدامة الحصار الاقتصادي أم بتفوق المعارضة الداخلية؟
للصراع الداخلي - الخارجي جذور تعود إلى أحداث تاريخية كفيلة بالفهم النسبي لتجليات الصراع، وآليات اشتغال عناصره، ويشترك فيه معطيات ذات أبعاد إيديولوجية وسوسيو اقتصادية، إضافة إلى أخرى تخص الشرعية.
مؤكّد أنّ فنزويلا تعيش تحت وطأة أزمة اقتصادية أنتجت اختناقا اجتماعيا بتفشّي الفقر والتضخم، وارتفاع نسبة المديونية الخارجية، وهروب الرساميل والمستثمرين، ولجوء مواطنين كثيرين إلى مغادرة البلاد، والاستقرار في دول الجوار. قد تصنّف ضمن تبعات حصار مالي وحشي، يرمي إلى تضييق الخناق على النظام والإجهاز على مقومات تحقيق أي انفراج اقتصادي بعدم الاستفادة من عائدات النفط، في بلد يتوفر على أعلى احتياطي في العالم، لإرغام النظام على الخضوع لإملاءات الإدارة الأميركية. كما أنّ الدين الخارجي وصل إلى مستويات كارثية، لم تستطع الإدارة الفنزويلية الالتزام بأداء مستحقات الديون، وطالبت بإعادة جدولتها، ما يهدد الوضعية المالية للمنطقة، وعجّل بانقلاب الدول الأوروبية عليها.
نجد تفسيرات لاستفحال الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في اختيارات السياسات الحكومية، خصوصا بعد تبني المشروع البوليفاري منذ 1999 في عهد الرئيس الراحل، هوغو تشافيز، والذي ركز على محاربة الليبرالية المتوحشة وتسخير مداخيل النفط في التخفيف من معاناة الطبقة المحرومة وتقليص الفوارق الاجتماعية. ربما اكتسى المشروع البوليفاري طابعا ثوريا مبالغا فيه، أكثر منه واقعيا، ولم يستطع النظام تحويله إلى مخطط عملي فعال يراعي الوضعية المحلية الصعبة والظرفية الاقتصادية الدولية.
من زاوية أخرى، ينخرط الصراع في فنزويلا ضمن الصراع الأزلي بين الفكر الرأسمالي المتوحش وغريمه الاشتراكي، إذ تمثل فنزويلا أحد أقطاب الممانعة لتوسّع الهيمنة الرأسمالية في القارة الأميركية، وأبدت العداء لليبرالية المتوحشة منذ عقود، وراهنت على وقف الزحف وهزم أطماع الشركات الأجنبية.
ثمة حقيقة اليوم، أن الرأسمالية تتجه نحو الإجهاز على جميع أقطاب المقاومة، خصوصا مع حالة الانحسار التي تعيشها، ويبقى همها الوحيد البحث عن منافذ لتصريف المنتجات والتوسع واجتثاث مبدأ التعدد وتسخير كل شيء في خدمة أهدافها بتقنين عملية التنميط. لذلك هناك دائما نزعةُ من النظام نحو تصنيف كل ما يقع من تشنجاتٍ محليةٍ بالمؤامرات أو الدسائس الأميركية، لذلك هناك دوما ظهور دوري لما تسمّى المعارضة الداخلية التي تحركها قوى إمبريالية خارجية، بحثا عن منافذ الاختراق كالطعن في شرعية النظام القائم.
من النافل القول، أن المفهوم الكلاسيكي للسيادة استوفى صلاحيته وراهنيته، وصار يوظف من القوى الخارجية التي تدّعي الوقوف مع احترام اختيارات الشعب وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير للاستئثار بخيرات الشعوب ونهب ثرواتها، فصارت بذلك الشرعية تستجدى من الخارج المشرف على تعيين تراتبية النخب الحاكمة وتحديد أجندة عملها.
تقف المؤسسة العسكرية إلى الآن إلى جانب الرئيس مادورو الذي نجا من محاولة اغتيال سابقة، وتعتبر صمام الأمان بالبلد والعنصر الأكثر أهمية، لأن الجيش الفنزويلي وطني تاريخي له مواقف مشرفة، حافظت على وحدة البلد واستقراره، وهو بمثابة جيش متماسك يتكون من أكثر من مائتي ألف جندي، بالإضافة إلى مليشيات مدنية مسلحة، تضم أكثر من أربعمائة ألف شخص، فهل سيكون التدخل العسكري الإمبريالي المباشر مجديا أم هو مجرد تهديد من ترامب الذي يتبع خطاب التهديد والوعيد في مناطق مختلفة؟
يبدو أنّ السيناريو نفسه يسري على مناطق مختلفة، ولو أنّ عملية إسقاطه غير مجدية لاختلاف الخصائص الجغرافية والمعطيات والاعتبارات الجيوسياسية، إلا أنّ واقع روح المقاومة والممانعة، ورفض الخضوع حاضر وبقوة في جميع الحالات.
أخيرا، سنرى إلى ما ستؤول إليه الأمور في فنزويلا، وهل ستحسم المعركة بالتدخل العسكري أم باستدامة الحصار الاقتصادي أم بتفوق المعارضة الداخلية؟
عزيز أشيبان
كاتب مغربي، يعرّف عن نفسه بالقول "نوعية اهتماماتك ومخاوفك تحدّد هويتك".
عزيز أشيبان
مقالات أخرى
18 يوليو 2019
23 مايو 2019
16 ابريل 2019