يحدث في لبنان..
تفاقمت أزمة اليمن، إلى حد أنه بدأ يتداخل فيها المحلي بالإقليمي بالمذهبي. بهذه الأبعاد، صارت مشروعاً متعدد الأبعاد التي بلغ كل منها درجة من التوتر، أخطر من البعد الآخر. وفي الأيام الأخيرة، دخل العامل اللبناني على خط هذه المواجهة، فزادها تعقيداً، مع كل ما ينطوي عليها ذلك من رفع وتيرة الاستقطاب الذي يحول دون استعادة اللحمة الوطنية.
فمن جهة، خاطب السيد حسن نصرالله خصومه بلغة حادة تصل إلى تغذية الاستفزاز المتبادل غير المطلوب ولا المرغوب. فالكلمة ينبغي الالتزام بحرمتها ومسؤوليتها، خصوصاً في ظرف يسوده التشنج من كل صوب، وبما يعطل الرؤية ويقود إلى الانسداد. فوقف إمكانية الحوار واستبدالها بمفردات الجزم والتهويل من شأنه أن يحول الأزمة بين السعودية وإيران إلى زيادة التأزم اللبناني، في مرحلةٍ بالكاد تقوى فيها آلة الحكم في لبنان على تسيير الأمور، فلا كان في الوسع انتخاب رئيس جمهورية بعد عام من شغور المركز، والحكومة تحاول ضبط الانفلات بقدر المستطاع، ومجلس النواب يجدد لنفسه بدون القيام بمهامه بالشكل المتوقع والمطلوب. ولا يحتمل هذا الوضع اللبناني التراشق بالوكالة، لأن من شأن ذلك أن يزيد من منسوب الاحتقان المتراكم أصلاً، والذي لا يحتاج إلى رفعه، من خلال نقل الأزمة اليمنية إلى ساحته. يكفي ظلّ الأزمة السورية وانعكاساتها الكارثية.
كذلك هي الحال بالنسبة لرد رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، على خطاب السيد حسن نصرالله، حيث طفح، هو الآخر، بمفردات من شأنها إجهاض إمكانية استئناف الحوار المطلوب في لبنان. فمثل هذا الكلام يؤدي إلى تجويف وإضعاف احتمالات التلاقي على القواسم المشتركة التي تعتبر أولوية وشرطاً أساسياً في عملية التقارب وضمان الحد الأدنى من الديمقراطية وإن كانت ممارسة هذه الأخيرة صعبة في ظلّ النظام الطائفي. فلبنان، في خضم ما يجري في محيطه، من واجبه أن يعزز مناعته، ليس فقط لحماية نفسه، بل أيضاً ليكون بمثابة خميرة لما يجب أن يكون عليه الوضع العربي، لا مرآة لهذا الوضع المتدحرج بسرعة نحو الهاوية. وتعزيز المناعة لا يستقيم في ظل ما سمعناه، أخيراً، من تحويل ساحة لبنان إلى مسرح مبارزة بين أنصار إيران والسعودية، خصوصاً أن الرد على خطاب السيد جاء، هو الآخر، مشحوناً بأقصى درجات التأزيم.
الأولى بالقيادات اللبنانية أن تبتعد عن دور المتحدث باسم الخلافات الإقليمية ودولها، والتي نرجو أن تكون مؤقتة، حتى يستطيع أن يستأنف لبنان دوره العربي، وألا يكون منبراً بالوكالة عن الخلافات الإقليمية ودولها. يكفي العرب إسرائيل عدواً شرساً يتطلب كل الجهود التي لا يستقيم هدرها في تأجيج مثل هذه النزاعات التي من شأنها تقويض عوامل المجابهة للمشروع الصهيوني، خصوصاً أن فلسطين لا بد أن تبقى الرابط والمحور للالتزام العربي الذي يؤدي إلى تصحيح تحديات عديدة وحالات تناحر وظلامية سائدة. فمن شأن هذه المجابهة رفع مستوى الخطاب القومي العربي وتصويبه، من خلال الالتزام بالقضية الفلسطينية، فعندما هبط هذا الالتزام غرقنا في نزاعاتنا الطائفية والمذهبية والإقليمية.
الآن، لا مفر من إعطاء الأولوية الفورية لوحدة اليمن والمصالحة الوطنية التي لا بديل عنها للخروج من الأزمة، وقطع الطريق عليها، لكي لا تتحول إلى نزاع إقليمي، لا يهدد اليمن وحده بالتفكيك، بل سائر المنطقة. إغفال هذه الأزمة من شأنه أن يجعل منها عدوى تنتقل بسرعة إلى المحيط، كما جرى في العراق وسورية وليبيا وغيرها بكل أسف. ويفترض ردع مثل هذه العدوى الإسراع في المعالجة الجذرية، من خلال الالتزام بهذه الأولويات، بحيث تكون بداية عملية التصويب والتصحيح في الوضع العربي، وعدم الاستقالة من الأمل والعمل القومي المستنير.