29 سبتمبر 2017
يحدث في لبنان
لم يكن قرار البلديات اللبنانية في مدينة زحلة وبرج حمود وحلبا والغازية والناعمة منع السوريين اللاجئين في لبنان من التجول قراراً خجولاً، ولا خفيّاً، بل كان علنياً عبر يافطات معلقة واضحة للناس. ولأول مرة، ربما، اجتمعت الطوائف الكبرى على قرار موحّد، فسكان هذه المناطق ينتمون إلى الطوائف المسيحية والشيعية والسنية، مع الدروز في الناعمة والأرمن في برج حمود. سوف تسجل اليافطات التي تمنع السوريين من التجول بعد الثامنة مساء وإلى السادسة صباحاً في كتاب التاريخ للأجيال المقبلة، تعلمهم درساً مهماً في توحيد المجتمع، المنقسم طائفياً، في كيفية وقوف الطوائف الملوثة بدماء بعضها، في لحظة نادرة، لمواجهة مخاطر وجود غرباء جدد، قد يهددون سلامها الداخلي وعيشها المشترك، ويخرّبون ليلها الرومانسي، بوجودهم الفظّ غير المرغوب فيه.
أعطى النظام السوري الذي استباح حياة السوريين، وأغرقهم بالدماء والتدمير والاعتقال والتشريد، الآخرين في بلدان اللجوء المجاورة المبرّر لاستباحة إنسانيتهم، بلا أي شعور بالذنب، فصار السوريون دريئة لكل الممارسات العنصرية والامتهان.
وأنا أنظر إلى تلك اليافطات المهينة والعنصرية، لا أرى سوى ذروة السخرية في ذريعة الحفاظ على أمن السوريين وسلامتهم التي استخدمت لإصدار هذه القرارات، ولا أرى غير الاحتقار الشديد لعقول اللبنانيين الذين يدركون الكذب والنفاق وراء هذه القرارات المشينة بحق اللبنانيين أنفسهم الذين تصدّوا لهذه الحملة الجديدة من حملات العنصرية ضد اللاجئين على أرضهم.
أعادتني هذه القرارات إلى ما يقارب خمسين عاماً إلى الوراء، حين تعرّض اللاجئون الفلسطينيون في لبنان إلى حملة شبيهة، وربما أشدّ قسوة وامتهاناً لإنسانيتهم، وكانت حملة رسمية بقرارات من الدولة اللبنانية نفسها. كنا، منذ تأسيس المخيمات وإلى عام 1969، حين وُقعت اتفاقية القاهرة بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممنوعين من التجوّل بعد الثامنة مساء وإلى السادسة صباحاً، وكنا ممنوعين من السهر في بيوتنا. كان أفراد "المكتب الثاني" (المخابرات اللبنانية) يجولون بين البيوت، ويدقون على الشبابيك، إذا ما رأوا أضواءً منبعثة من شقوقها، ويأمروننا بإطفاء الضوء والنوم! كان محظوراً علينا أن يمشي ثلاثة أشخاص معاً في النهار، بين أزقة المخيم وشوارعه، فاجتماع أكثر من شخصين كان مخالفاً للقوانين، وقد يعرّض الأشخاص إلى العقوبة بتهمة أمنية. وكان على الفلسطيني، في مخيم عين الحلوة، مثلاً، الذي يريد زيارة قريب له في مخيم برج الشمالي أن يبلغ مكتب المخابرات اللبنانية في عين الحلوة، فيخضع إلى تحقيق تفصيلي لسبب الزيارة، ويُلزم بتقديم معلومات عن القريب، ثم يحصل على تصريح لمغادرة المخيم، يسلمه إلى مكتب المخابرات في البرج الشمالي الذي يحقق، مرة أخرى، في أسباب الزيارة، ويدقق بملف القريب هناك، قبل أن يصل الى بيت قريبه.
كانت المخيمات الفلسطينية، قبل وجود المقاومة، غيتوات صارخة القسوة، فائضة الأسى والكبت، والضغوط والعنصرية تمارس من أفراد مخفر الدرك ومكتب المخابرات، وكان باستطاعة دركي واحد أن يغلق المخيم، وأن يعتقل أي لاجئ بأي تهمة، وأن يفرض دفع ضريبة مالية قيمتها خمس ليرات، وكانت مبلغاً كبيراً في ذلك الوقت، لسبب غير منطقي، بأن تكون امرأة مثلاً قد تخلصت من المياه المستعملة أمام بيتها، لأنه لا وجود للمجاري، لا داخل البيوت، ولا بين الأزقة في تلك الأيام. كان الدركي إذا دخل إلى مقهى في المخيم على الرواد الوقوف في حضوره إلى أن يغادر المقهى.
الفرق بين مأساة السوريين في لبنان اليوم ومأساة الفلسطينيين أمس هو في الأمل في العودة القريبة للسوريين إلى سورية، بعد زوال نظام الطاغية الذي رمى بهم إلى هذا المصير البائس، وقسوة الانتظار المرير لدى الفلسطينيين الذي طال فوق الاحتمال للعودة إلى فلسطين.
أعطى النظام السوري الذي استباح حياة السوريين، وأغرقهم بالدماء والتدمير والاعتقال والتشريد، الآخرين في بلدان اللجوء المجاورة المبرّر لاستباحة إنسانيتهم، بلا أي شعور بالذنب، فصار السوريون دريئة لكل الممارسات العنصرية والامتهان.
وأنا أنظر إلى تلك اليافطات المهينة والعنصرية، لا أرى سوى ذروة السخرية في ذريعة الحفاظ على أمن السوريين وسلامتهم التي استخدمت لإصدار هذه القرارات، ولا أرى غير الاحتقار الشديد لعقول اللبنانيين الذين يدركون الكذب والنفاق وراء هذه القرارات المشينة بحق اللبنانيين أنفسهم الذين تصدّوا لهذه الحملة الجديدة من حملات العنصرية ضد اللاجئين على أرضهم.
أعادتني هذه القرارات إلى ما يقارب خمسين عاماً إلى الوراء، حين تعرّض اللاجئون الفلسطينيون في لبنان إلى حملة شبيهة، وربما أشدّ قسوة وامتهاناً لإنسانيتهم، وكانت حملة رسمية بقرارات من الدولة اللبنانية نفسها. كنا، منذ تأسيس المخيمات وإلى عام 1969، حين وُقعت اتفاقية القاهرة بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممنوعين من التجوّل بعد الثامنة مساء وإلى السادسة صباحاً، وكنا ممنوعين من السهر في بيوتنا. كان أفراد "المكتب الثاني" (المخابرات اللبنانية) يجولون بين البيوت، ويدقون على الشبابيك، إذا ما رأوا أضواءً منبعثة من شقوقها، ويأمروننا بإطفاء الضوء والنوم! كان محظوراً علينا أن يمشي ثلاثة أشخاص معاً في النهار، بين أزقة المخيم وشوارعه، فاجتماع أكثر من شخصين كان مخالفاً للقوانين، وقد يعرّض الأشخاص إلى العقوبة بتهمة أمنية. وكان على الفلسطيني، في مخيم عين الحلوة، مثلاً، الذي يريد زيارة قريب له في مخيم برج الشمالي أن يبلغ مكتب المخابرات اللبنانية في عين الحلوة، فيخضع إلى تحقيق تفصيلي لسبب الزيارة، ويُلزم بتقديم معلومات عن القريب، ثم يحصل على تصريح لمغادرة المخيم، يسلمه إلى مكتب المخابرات في البرج الشمالي الذي يحقق، مرة أخرى، في أسباب الزيارة، ويدقق بملف القريب هناك، قبل أن يصل الى بيت قريبه.
كانت المخيمات الفلسطينية، قبل وجود المقاومة، غيتوات صارخة القسوة، فائضة الأسى والكبت، والضغوط والعنصرية تمارس من أفراد مخفر الدرك ومكتب المخابرات، وكان باستطاعة دركي واحد أن يغلق المخيم، وأن يعتقل أي لاجئ بأي تهمة، وأن يفرض دفع ضريبة مالية قيمتها خمس ليرات، وكانت مبلغاً كبيراً في ذلك الوقت، لسبب غير منطقي، بأن تكون امرأة مثلاً قد تخلصت من المياه المستعملة أمام بيتها، لأنه لا وجود للمجاري، لا داخل البيوت، ولا بين الأزقة في تلك الأيام. كان الدركي إذا دخل إلى مقهى في المخيم على الرواد الوقوف في حضوره إلى أن يغادر المقهى.
الفرق بين مأساة السوريين في لبنان اليوم ومأساة الفلسطينيين أمس هو في الأمل في العودة القريبة للسوريين إلى سورية، بعد زوال نظام الطاغية الذي رمى بهم إلى هذا المصير البائس، وقسوة الانتظار المرير لدى الفلسطينيين الذي طال فوق الاحتمال للعودة إلى فلسطين.