كان يُفترض في الحكومة الجزائريّة، أن تكون على وشك تحقيق برنامجها الذي أعلنت عنه في عام 2000، والقاضي ببناء مليونَي وحدة سكنية مع مراعاة رواتب الموظفين، بالإضافة إلى تحقيق صيغة السكن الاجتماعي (أي تقديم مساكن مجانيّة) للذين لا يتعدى دخلهم الشهري مائتي دولار أميركي، وصيغة السكن التساهمي (التي تتقاسمها الحكومة والمستفيد). وعلى الرغم من هذه الجهود، تبقى أزمة السكن الأكثر تداولاً بين الجزائريّين.
مخاوف كبيرة باتت تطغى على الشارع، في ظل احتمال أن يؤدي تدني أسعار النفط إلى تخلي الحكومة عن هذا المشروع، هي التي بدأت بالتلويح بسياسة تقشفية. عشوائيات كثيرة في عدد من المدن أزيلت واستبدلت بأحياء جديدة شكّلت بديلاً حقيقياً لتلك العشوائيات. وتبقى هناك أحياء قديمة تعود إلى الحقبة الفرنسية، لم تعد قادرة على استيعاب طبيعة الأسرة الجزائريّة لناحية عدد الأفراد، علماً أن شقق هذه الأحياء صُمِّمت للأسر الفرنسية الصغيرة. ومنها حيّ السيلوك في قسنطينة، الذي أنشئ في عام 1958، في إطار الزيارة التاريخية للرئيس الفرنسي الراحل، شارل ديغول للمدينة، والتي أعلن خلالها عن مجموعة إصلاحات هدفت إلى ثني الجزائريين عن مساندة ثورة التحرير التي كانت قد انطلقت قبل ثلاث سنوات.
معظم الأسر الجزائرية التي سكنت الحي خلفاً لتلك الفرنسيّة بعد انتخابات تقرير المصير، لم تغادره، على الرغم من أن بعضها بات في أربعة أجيال. النسبة الأكبر من هذه البيوت تتكون من غرفة نوم واحدة وصالة استقبال ومطبخ صغير. يُذكر أنه منذ إنشائه، لم يرمّم الحي إلا قبل أشهر، في إطار الاستعداد لتظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015".
واقعٌ يشي بوجود مشكلة حقيقية في النوم. كيف لأسرة ممتدة أن تعيش في شقة صغيرة؟ لا يخاف هؤلاء وسائل الإعلام، بل يرون أنها طريقهم إلى الخلاص بعدما تلاشت كل آمالهم في الترحيل، علماً أن قسنطينة كانت إحدى أكثر المحافظات التي استفادت من مساكن جديدة.
في هذا السياق، يقول سامي، وهو طالب في جامعة الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلامية القريبة من حي السيلوك الذي يقيم فيه منذ ولادته في عام 1995، "أعاني من نقص في النوم على مدار العام، الأمر الذي يجعلني سريع الغضب". يضيف: "لطالما رغبت في دراسة الرياضيات وليس العلوم الإسلامية. على الأقل، كنت عرفت كيف أحشر ثلاثة عشر شخصاً في خمسين متراً، أي جدّاي وأبواي وشقيقاتي وأشقائي. وإذا حدث أن اجتمعنا كلّنا، نكون في غنى عن استخدام المدفأة في الشتاء. أما في الصيف، فلا يمكن البقاء في المنزل من دون جهاز تكييف أو نختنق".
يتابع ضاحكاً: "نهتم كثيراً بصلة الأرحام ليس طلباً للأجر فقط، بل بحثاً عن سرير للنوم أيضاً. نذهب إليهم ولا نستقبلهم. أين نستقبلهم؟". يضيف: "أنا وجدّي لا نغادر المسجد. هو ينام بعد الصلاة، فيما أراجع أنا دروسي وأحفظ القرآن". يضايقه أنه لم يستضف صديقاً في البيت يوماً، "على الأقل أولئك الذين استضافوني في بيوتهم". ويشير إلى أنه حتى حين نجح في شهادة الثانوية العامة وانتقل إلى الجامعة، دعاهم إلى مطعم للاحتفال. لا يذكر عدد المرات التي رأى فيها وجه شقيقه نذير لأنهما يتناوبان على النوم. ويشرح أن الفتيات والجدة ينمن في غرفة النوم الوحيدة، والوالدان في المطبخ، فيما الأشقاء الخمسة في غرفة الاستقبال حيث معظم أثاث البيت.
سامي ممتن لشقيقه نذير لأنه وافق على السهر ليلاً، "علماً أنني لا أطيق الأمر بحكم طبيعتي". ويشرح أن "ثمّة أشقاء يتناوبون على النوم خلال فترات بعيدة أحياناً. في الصيف، يكون البقاء خارج البيت ممتعاً، إلا أن الأمر ليس كذلك في الشتاء". ويسأل: "هل رأيت السيلوك قبل طلائه؟ كانت جدرانه الخارجية سوداء بسبب النيران التي يشعلها الشباب للتدفئة، وهم ينتظرون أن يحين دورهم في النوم. لا أستطيع تفسير ذلك الإحساس الذي ينتابني لدى مروري به (شقيقه) فجراً وهو يجالس أصدقاءه في انتظار خروجي. في كل صلواتي، أدعو الله أن نحصل على مسكن أكبر".
ويشير سامي إلى أن شقيقه فاروق يقترب الآن من الخامسة والثلاثين من عمره. وفي الوقت الذي يحق له أن يحظى بزوجة وبيت مستقل، يحلم بسرير. يضيف أنه "في الوقت الذي يحق فيه لأمي أن يكون لديها أحفاد، تحلم بتزويج بناتها وأولادها. هذا القفص الذي نقيم فيه يقلل فرص زواج شقيقاتي"، مردفاً، إن البيت بمثابة رمز للفقر.
أيعقل أنكم عجزتم جميعاً عن شراء بيت؟ يجيب سامي "ليس لجدي راتب تقاعدي، كذلك والدتي وأخواتي لا يعملن. ينسحب الأمر على أشقائي باستثناء العمل في مواسم معينة". يضيف: "أبي وحده يتقاضى راتباً تقاعدياً من شركة سكك الحديد. وبطبيعة الحال، راتبه لا يكفي للتكفل بهذا الجيش، لناحية تأمين الطعام والملبس والغاز والإنارة وغيرها". ويلفت إلى أن "ليس أمامي إلا حلاً واحداً، وهو أن أصبح أستاذاً جامعياً، وأحصل على سكن وظيفي".
اقرأ أيضاً: 4 ملايين جزائري يخافون انهيار منازلهم على رؤوسهم