يعتذر "القرني"... لكن عن ماذا؟
الداعية عائض القرني لا يعتذر عن الوهابية التقليدية ولا عن تشددها، فهو لم يكن من رموزها، بل هو يعتذر- كما قال- عن "الصحوة"، التي كان هو أحد روادها، وهي لمن لا يعرف، تيار ظهر نهاية الثمانينيات، واجتذب كثيراً من الشباب في حينه، وكان معارضاً للسلطتين، الدينية التقليدية، ممثلة في هيئة كبار العلماء، وللسلطة السياسية، التي طالبوها علناً بضرورة الإصلاح.
وهو تيار رغم وجود أفكار رجعية لدى بعض منتسبيه، إلا أنه يظل الجانب السياسي المشرق قليلاً، والأفضل حالاً، في المدرسة السلفية الوهابية. فشيوخ السلطة الدينية التقليدية الوهابية، أصحاب الفتاوى المتشددة اجتماعياً، والرجعية سياسياً، لم يعتذروا أصلاً عن شيء، مما تراجعوا عنه. فهؤلاء اكتفوا فقط بتحويل مؤشر الفتاوى المتشددة اجتماعياً، نحو الانفتاح الذي ترضاه السلطة، ولذا لم يصطدموا بها، بل نفذوا لها ما أرادت تواً.
أجازوا قيادة المرأة للسيارة الآن، بعد أن حرموها عقوداً. أجازوا الموسيقى والمسرح والسينما وحضر بعضهم الحفلات، وهم الذين حرموها أيضاً لعقود. تخففوا من فرضيات اللحية والنقاب الآن، بعد تشددهم في فرضها زماناً. فعلوا ذلك في كل الأمور الاجتماعية تقريباً بسلاسة يُحسدون عليها، ودون خجل.
لكن ظلت رؤاهم وفتاواهم السياسية رجعية كما هي، وهو ما أرادته السلطة، فظلوا على مواقفهم في وجوب طاعة ولي الأمر، وتحريم معارضته أو الخروج عليه، والكفر بالديمقراطية والحرية، وظهرت هذه الحالة في أوضح صورها في موقفهم المخزي مثلاً من قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي التي هزت ضمير العالم.. وهكذا.
في حين أن أصحاب الجانب الآخر، أي المحسوبين على تيار الصحوة، والذي ينتمي إليهم القرني -نظرياً على الأقل- دفعوا قديماً ثمن رفضهم لهذا التشدد في الفتاوى التي تخص أمور المجتمع، كما دفعوا ثمن رفضهم للرجعية التي تخص أمور السياسة، بزجهم في السجون والتضييق عليهم.
لكنهم ما زالوا يدفعون الآن أيضاً ثمن استمرار رفضهم لحالة الرجعية السياسية، وثمن مطالباتهم بالديمقراطية والحريات السياسية وحقوق الإنسان، باعتقال معظم رجالهم ورميهم مجدداً في السجون، لانتزاع تراجعهم وندمهم عن معارضة السلطة وعن رؤاهم الحداثية.
اعتقل معظم هؤلاء فقط بسبب مواقفهم، وهم بالعشرات وفق تقرير لوكالة "رويترز" نُشر في ديسمبر/كانون الأول 2017، وأبرزهم الدكتور سلمان العودة، الذي اعتقل، لأنه صمت عن تأييد حصار قطر، وهو صاحب رؤى حداثية سياسية، عبر عنها في آخر مؤلفاته "كتاب أسئلة الثورة"، الذي منعته السلطات السعودية من التداول.
ولأن اعتذار القرني يبدو سياسياً، جاء متصلاً بمدح وتأييد توجّه محمد بن سلمان، وهو توجه قائم على شقين، الشق الأول: حالة الانفتاح المجتمعي، بما يمنح المجتمع حرية في حضور حفلات مسرح وموسيقى وارتياد وافتتاح دور سينما، ويمنح المرأة حرية العمل وقيادة السيارة وهكذا.
وفي مقابل ذلك يكون الشق الثاني، المبني على استمرار الرجعية السياسية، أي حرمان المجتمع من حرية التعبير أو المشاركة أو المحاسبة للسلطة أو رقابتها، ومعارضة وشيطنة من يفكر أو يطالب بهذا.
وهكذا نفهم هذا الاعتذار، باعتباره اعتذاراً من الداعية السعودي عن أي معارضة للسلطة لحساب تأييدها. وعن أي رؤى تقدمية حداثية سياسية لحساب الرؤى الرجعية، أي اعتذاراً عن الجانب المشرق قليلاً في السلفية لحساب الجانب الأكثر ظلامية فيها.
وهو تيار رغم وجود أفكار رجعية لدى بعض منتسبيه، إلا أنه يظل الجانب السياسي المشرق قليلاً، والأفضل حالاً، في المدرسة السلفية الوهابية. فشيوخ السلطة الدينية التقليدية الوهابية، أصحاب الفتاوى المتشددة اجتماعياً، والرجعية سياسياً، لم يعتذروا أصلاً عن شيء، مما تراجعوا عنه. فهؤلاء اكتفوا فقط بتحويل مؤشر الفتاوى المتشددة اجتماعياً، نحو الانفتاح الذي ترضاه السلطة، ولذا لم يصطدموا بها، بل نفذوا لها ما أرادت تواً.
أجازوا قيادة المرأة للسيارة الآن، بعد أن حرموها عقوداً. أجازوا الموسيقى والمسرح والسينما وحضر بعضهم الحفلات، وهم الذين حرموها أيضاً لعقود. تخففوا من فرضيات اللحية والنقاب الآن، بعد تشددهم في فرضها زماناً. فعلوا ذلك في كل الأمور الاجتماعية تقريباً بسلاسة يُحسدون عليها، ودون خجل.
لكن ظلت رؤاهم وفتاواهم السياسية رجعية كما هي، وهو ما أرادته السلطة، فظلوا على مواقفهم في وجوب طاعة ولي الأمر، وتحريم معارضته أو الخروج عليه، والكفر بالديمقراطية والحرية، وظهرت هذه الحالة في أوضح صورها في موقفهم المخزي مثلاً من قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي التي هزت ضمير العالم.. وهكذا.
في حين أن أصحاب الجانب الآخر، أي المحسوبين على تيار الصحوة، والذي ينتمي إليهم القرني -نظرياً على الأقل- دفعوا قديماً ثمن رفضهم لهذا التشدد في الفتاوى التي تخص أمور المجتمع، كما دفعوا ثمن رفضهم للرجعية التي تخص أمور السياسة، بزجهم في السجون والتضييق عليهم.
لكنهم ما زالوا يدفعون الآن أيضاً ثمن استمرار رفضهم لحالة الرجعية السياسية، وثمن مطالباتهم بالديمقراطية والحريات السياسية وحقوق الإنسان، باعتقال معظم رجالهم ورميهم مجدداً في السجون، لانتزاع تراجعهم وندمهم عن معارضة السلطة وعن رؤاهم الحداثية.
اعتقل معظم هؤلاء فقط بسبب مواقفهم، وهم بالعشرات وفق تقرير لوكالة "رويترز" نُشر في ديسمبر/كانون الأول 2017، وأبرزهم الدكتور سلمان العودة، الذي اعتقل، لأنه صمت عن تأييد حصار قطر، وهو صاحب رؤى حداثية سياسية، عبر عنها في آخر مؤلفاته "كتاب أسئلة الثورة"، الذي منعته السلطات السعودية من التداول.
ولأن اعتذار القرني يبدو سياسياً، جاء متصلاً بمدح وتأييد توجّه محمد بن سلمان، وهو توجه قائم على شقين، الشق الأول: حالة الانفتاح المجتمعي، بما يمنح المجتمع حرية في حضور حفلات مسرح وموسيقى وارتياد وافتتاح دور سينما، ويمنح المرأة حرية العمل وقيادة السيارة وهكذا.
وفي مقابل ذلك يكون الشق الثاني، المبني على استمرار الرجعية السياسية، أي حرمان المجتمع من حرية التعبير أو المشاركة أو المحاسبة للسلطة أو رقابتها، ومعارضة وشيطنة من يفكر أو يطالب بهذا.
وهكذا نفهم هذا الاعتذار، باعتباره اعتذاراً من الداعية السعودي عن أي معارضة للسلطة لحساب تأييدها. وعن أي رؤى تقدمية حداثية سياسية لحساب الرؤى الرجعية، أي اعتذاراً عن الجانب المشرق قليلاً في السلفية لحساب الجانب الأكثر ظلامية فيها.