وفتحت هذه النتائج باب الجدال واسعاً في الداخل اليساري، وبات رئيس الوزراء، مانويل فالس، المسؤول المباشر عن الحملة الانتخابية للحزب الاشتراكي، أسير الهجمات "الاشتراكية"، إلى درجة اضطراره لسحب مشروع القانون الجديد المتعلق بالمشروعات المتوسطة والصغرى. مع العلم أن فالس عمل على "التنكّر" لأي هزيمة اشتراكية انتخابياً، بحجة أن "الجبهة الوطنية" لم يعد يتصدر المشهد السياسي الفرنسي.
وتلقّى فالس انتقادات لاذعة، وأبرزها من القيادية الاشتراكية مارتين أوبري، ووزيرة العدل كريستيان توبيرا، ووزير الاقتصاد السابق أرنو مونتبورغ، الذين اتهموه بقيادة "تخلّي الحكومة عن برنامجها اليساري، باسم البراغماتية وانقيادها إلى قاموس اليمين منذ عشر سنوات".
كذلك انتقد مونتبورغ سياسة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ووصفها بـ"العبثية"، واعتبر أنها "تخنق الاقتصاد وهي المسؤولة عن ارتفاع نسبة البطالة". وقارن في سخرية بين وضعية الحزب الاشتراكي الحالية ونظيره اليوناني باسوك، الذي انهار في غضون عامين، بعد فوزه في الانتخابات التشريعية اليونانية في العام 2009.
اقرأ أيضاً: انتخابات الأقاليم الفرنسية: الكلّ رابح... في اليمين
أما أوبري فرأت أن "حملة فالس الانتخابية، كرَّسها لإظهار الخوف من حزب الجبهة الوطنية". وعابت عليه انتقاده المستمر لـ"متمردّي" الحزب واتهامهم بـ"الماضوية وتحميلهم مسؤولية الهزيمة"، التي رأت فيها "تصويتاً احتجاجياً في وجه السياسة الوطنية".
وهدّدت أوبري بأنه في حال تجاهلت السلطة السياسية دعواتها إلى تغيير السياسة المتبعة، وضرورة انجاز إصلاحات رمزية تطبع ولاية هولاند، فإنها ستتقدم في مؤتمر الحزب في بواتييه (5 ـ 7 يونيو/حزيران) بورقتها السياسية الخاصة. وهو ما جعل هولاند يتحرك لتهدئة غضبها.
وتُنتظر حالياً نتائج الاتصالات في أوساط الحزب الاشتراكي، حيث يبدو أن الهزيمة كانت قاسية عليه، لدرجة أن فالس بات في حيرة بين قراره وقف مشروع "قانون (وزير الاقتصاد إيمانويل) ماكرون الثاني" حول المشاريع والاستثمارات ولقائه الفاشل مع نواب حزبه، وبين "أخلاقية" الاستقالة بعد الهزيمة، التي يرفضها بدعوى أنه لا يريد توتير أوضاع فرنسا أكثر.
أما اليمين الذي خرج منتصراً في هذا الاستحقاق الانتخابي، فقد فوجئ باستدعاء الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، مرة أخرى، أمام القضاء، بسبب تجاوزات مالية، حدثت أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة في العام 2012، وخرج بعد الاستدعاء آملاً الحصول على البراءة.
ومن المتوقع استمرار الضجيج في الداخل اليميني، حتى يومي 20 و27 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حين يحلّ موعد الانتخابات الداخلية لمعرفة من سيكون المرشح اليميني الأوفر حظّاً لهزيمة مرشح اليسار، فرانسوا هولاند، على الأرجح، ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان. ولم يتردد المرشح اليميني ألان جوبيه، من الآن، من التحذير من أي تلاعب قد يشوب الانتخابات الداخلية لحزبه، "الاتحاد من أجل حركة شعبية".
أما لوبان فلا تنقصها المتاعب، التي ظهرت آخرها في تصريحات والدها، مؤسس "الجبهة الوطنية" ورئيسه الشرفي، جان ماري لوبان، الذي كرّر فيها اعتباره "المحرقة اليهودية في ألمانيا تفصيلاً صغيراً في تاريخ الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)".
وإذا كان الكثير من المراقبين السياسيين يعتبرون تصريحات لوبان الأب في غير سياق الرئيسة الحالية، التي تبحث جاهدة عن تحسين صورة حزبها في فرنسا وأوروبا والعالم، فلأن الشواهد تدل على ذلك، إذ لم تتوقف ماري لوبان عن محاولات المصالحة مع اليهود، فزارت إسرائيل، ونالت مديحاً خاصاً من رئيس "المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية" في فرنسا، روجيه كوكرمان، في الوقت الذي اتهم فيه الرجل الشباب الفرنسيين من الأصول الإسلامية بكل مظاهر العنف في فرنسا. وكرّست لها أيضاً مجلة "كوزور" الفرنسية الصهيونية الشهرية في عدد أبريل/ نيسان الحالي لقاءً مطولاً، وهو ما يعتبر اعترافاً بها في المشهد السياسي الفرنسي.
اقرأ أيضاً: فرنسا: الهزيمة التاريخية لليسار لا تعبّد طريق اليمين للرئاسة