ربما تأخر الروائي يوسف فاضل في العودة إلى موضوع الاعتقال الذي يعلم عنه الكثير، فقد عاش تجربة الاعتقال بين سنتي 1974 و1975 ضمن ما عُرف بـ "سنوات الرصاص"، وانتظر زمناً طويلاً حتى يكتب عن هذه التجربة في أعماله الأخيرة.
لكنه عندما عاد إلى هذه التجربة كتب نصّاً قوياً بعنوان "طائر أزرق يُحلّق معي"، العمل الذي فاز عنه بجائزة المغرب للكتاب سنة 2014، وكان ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية. إضافة إلى الرواية، يكتب يوسف فاضل المسرح، والسيناريو.
سألناه عن العلاقة التي تجمع بين هذه الحقول التي يشتغل داخلها؛ هل هو تعلّق بالتنوّع أم أنه انسياق وراء رغبة تمليها الكتابة نفسها؟ يجيب في لقائه بـ "العربي الجديد" قائلاً: "في الحقيقة، ليس هناك نية وتخطيط للسياق الذي آلت إليه كتاباتي. كانت رغبتي في البداية أن أصبح تشكيلياً، فقد أردت دراسة الفن التشكيلي، غير أني لم أتمم الدراسة في معهد الفنون الجميلة، ثم تحوّلت إلى المسرح حيث اشتغلت كثيراً ضمن مسرح الهواة ممثلاً، مع كتابة بعض النصوص القصيرة".
يضيف "كانت لدي رغبة دفينة في أن أصبح روائياً منذ الصغر، منذ كنا نستعير روايات نجيب محفوظ وغيره من الكتاب ونقرؤها بنهم. أما السينما فلم أكن أعتقد يوما أن ألج ميدانها، فالدخول إليها كان فقط باقتراح من المخرج المغربي محمد الركاب الذي طلب مني تحويل نصّي المسرحي "حلاق درب الفقراء" إلى سيناريو، ولم أفكر بعد ذلك أن أكتب السيناريو حتى جاء التعاون مع المخرج داوود أولاد السيد بعد عشرة أعوام، فالطريق إلى السينما كان مشتتاً وخاضعاً لصُدفٍ وليس لتخطيط دقيق، لذلك فأنا أعتبر نفسي روائياً ومسرحياً، وهو العمل الذي أمارسه باستمرار ورغبتي كلها منساقة وراء هذا الهدف".
تعود رواية "طائر أزرق نادر يحلّق معي" إلى مرحلة مهمة من تاريخ المغرب السياسي، لكنها رغم موضوعها تحتمي بقدر كبير من الخيال. يقول صاحب "حشيش": "إن حكايات المعتقلين موجودة وبكثرة، فكل من مر بهذه التجربة القاسية دوّنها وحكى فيها تجربته بطرق سردية جميلة. وحتى إن أردتُ محاكاتها، فلن أستطيع ذلك، لأن كتّابها يحكون عن تجارب شخصية مريرة، فالرواية لم تحاول تحريك هذه الحكايات نفسها ومُجاراة سرديّتها، بل كان السؤال عن الإضافة التي يمكن أن يضيفها العمل الروائي لهذه الشهادات".
يتابع الفاضل قائلاً: "إذا أردتُ كتابة هذه الشهادات نفسها، فليس هناك داع لذلك لأنها موجودة سلفاً، وعلى الكاتب دائماً أن يبحث بعمق عن الجوانب التي لم يصلها غيره حين يتخيّر مواضيعه".
ويرى فاضل أن "الرواية هي بناء يأخذ فيه الشكل أهمية قصوى، والصعوبة التي يلقاها الروائي هي إيجاد الشكل الذي يلائم موضوعه، فلكل شكل موضوعه والعمل الصعب هو أن تجد الوعاء المناسب لموضوعك".
"لم يكن هناك إحساس بأنني بصدد كتابة نص ناجح. كنت فقط أكتب رواية جديدة كما هي عادتي عند الانتهاء من نص أشرع في كتابة نص آخر" هكذا يصف الكاتب المغربي الإحساس الذي صاحب ولادة روايته. يضيف: "ربما شعرت برياح النجاح أثناء كتابة رواية "قط أبيض يسير معي"، لكن النجاح حصل مع "طائر أزرق". صحيح أنني أتمنى النجاح لما أكتبه ولكن لا أفكر في ذلك أثناء الكتابة، ولا يمكنك أن تتدخل في مصير عملك الإبداعي، فهناك أشياء ليس بإمكان الروائي أن يتدخل فيها ولا أن يخضعها لمنطقه الخاص كالانتشار والتسويق".
منذ سنوات، أصبحت الرواية المغربية مقروءة في الشرق، بحيث أصبحت عناوين نصوص وأسماء كتاب متداولة أكثر من الماضي. يرى صاحب "ملك اليهود" أن الحراك الذي تعرفه الرواية المغربية والإقبال عليها في المشرق يعود إلى العلاقة الجديدة للكتّاب المغاربة مع الناشر العربي.
يبيّن أن "الكتّاب صاروا يبعثون بنصوصهم إلى الناشر العربي، وهذا الناشر يثق في هذه النصوص، يختار من مخطوطات كثيرة ما يلائمه، بالإضافة إلى أن كتّاباً كثراً غيّروا دفة الكتابة إلى الرواية ، لأن القرّاء الآن يميلون إلى الحكي. كثير من الشعراء اتجه لكتابة الرواية بعدما عُرفوا في خانة الشعر والنقد، كما أن الرواية اليوم اقتحمت حدود الشعر واحتلت مساحات كانت له في الماضي".
يكشف محدّثنا أن "أغلب الكتّاب مرّوا من تجربة النشر داخل المغرب، فاصطدموا عموماً بمحدوديتها، وأغلب هؤلاء يطبعون مؤلفاتهم على نفقتهم الخاصة، فدور النشر الكبيرة قليلة في المغرب، وسوق الكتاب راكد، وهناك مشكل قراءة حيث ترسّخ إلى المشاهدة السهلة على حساب القراءة. في مقابل ذلك يرى أن "الطبع في المشرق يوفر الانتشار، ويمكّن الكاتب من جغرافية قراء واسعة".
ليوسف فاضل تجربة إخراج أيضاً، حيث قام بإخراج فيلم "أكادير إكسبريس"، الذي شارك في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وسينزل القاعات في بداية السنة المقبلة. يقول عن هذا العمل: "هي أول تجربة إخراجية، حاولت أن أقترب من هذا المجال، وأن أقف خلف الكاميرا، وأجدها تجربة مفيدة حتى لمساري الروائي".