يوم الطبيعة: ختام احتفالات النوروز في إيران

02 ابريل 2015
إيرانيون يقضون وقتهم في الطبيعة (Getty)
+ الخط -

بدأ أول أيام العام الإيراني الجديد في 21 مارس/آذار الفائت، وبدأت قبله بيومين أول طقوس عيد النوروز، وهي كلمة تعني بالعربية "يوم جديد".

الاحتفالات الإيرانية بقدوم الربيع والذي يتزامن مع بدء عامهم الجديد، تبدأ في آخر يوم أربعاء من كل سنة، حيث يشعلون النار والمفرقعات النارية استعداداً لاستقبال العيد، وإحياءً لطقس "أربعاء النار" أو "الأربعاء الأحمر"، فقد كان الإيرانيون القدامى يعتقدون بأن إشعالهم النار يطهرهم من الذنوب.

وبعد احتفالات دامت اثني عشر يوماً، كلّ يوم منها يدلّ على شهر من أشهر السنة الاثني عشر، ينتهي العيد في اليوم الثالث عشر، بإحياء تقليد قديم تناقلته الأجيال في إيران، ويسمّى حالياً بـ "يوم الطبيعة".

الثالث عشر من شهر فروردين، وهو الشهر الأول من العام الإيراني، يسمى بالفارسية بـ "سيزده به در"، سيزده تعني بالعربية ثلاثة عشر، و "به" تعني باتجاه أو إلى، أما "در" فترمز لكلمتي "دره" و "دشت" ومعناهما الوادي والسهل، فيدل معنى الجملة على طقوس هذا اليوم، إذ يخرج الإيرانيون من بيوتهم في اليوم الثالث عشر، ويتوجهون إلى الأماكن المفتوحة كالوديان والسهول والحدائق.

كثيرون في إيران اليوم يعتقدون أن الخروج من المنزل ضروري جداً، دحراً للنحس إلى خارجه، وجلب الحظ من الطبيعة طيلة أيام العام الجديد الذي سيستقبلونه بالعودة إلى عملهم ومشاغلهم في اليوم التالي لما يسمى: اصطلاحاً بيوم الطبيعة.

المؤرّخون في إيران يعتقدون أن مفهوم النحس هذا جديد على الثقافة الإيرانية، فيوم الطبيعة لم يرتبط بالنحس في إيران القديمة، ولكنهم يقولون أن الإيرانيين تأثروا بثقافات أجنبية أخرى، والتي تعتبر أن عدد "13" لا يجلب الحظ مثلاً، ورغم اختلاف المفهوم ولو نسبياً، احتفظ الإيرانيون بجزء كبير من تقاليد وطقوس إحياء هذا اليوم. كان الإيرانيون في القديم يحتفلون على مدى اثني عشر يوماً، وفي اليوم الثالث عشر كانوا يرقصون ويفرحون ويخرجون إلى الطبيعة، وكان لهذا الطقس معنى خاص، كما تنقل الروايات والقصص.


في التقويم الإيراني، لكل يوم من الشهر اسم خاص، فاليوم الأول على سبيل المثال يسمى "أورمزد"، أمّا اليوم الثالث عشر فيسمى " تير روز" وهو المتعلق بالإله "تير"، والذي يقرأ باللغة الأفستائية القديمة أو لغة "الابستاق" المعتمدة زمن الزردشتيين "تيشتر" أو "تيشتريه"، وكلّها تعني إله المطر.

يتعلّق اليوم الثالث عشر من الشهر الأول بهذا الإله، الذي يخوض معركته مع الجفاف، كما تنقل الأساطير الإيرانية القديمة، فكان الإيرانيون يتضرعون ويصلّون لنصرة هذا الإله طالبين الرحمة الإلهية طيلة أيام العام الجديد، وكانوا يتمنون سقوط الأمطار أيضاً، مردّدين اسم الإله تير خلال هذا اليوم. بعدها يخرجون للأماكن المفتوحة لاستكمال الطقوس، فإن هطل المطر يفرح هؤلاء لانتصار الخير، كونه سيعيد الحياة إلى حقولهم، وحتى إن لم يهطل، يخرجون إلى الأماكن الطبيعية المفتوحة للرقص والاحتفال.

اقرأ أيضا:
أوباما وبيريز يهنئان الشعب الإيراني في عيد النيروز

تعود هذه الطقوس بغالبيتها للزردشتية وهي الديانة القديمة التي كان يعتنقها الإيرانيون قبل دخول الإسلام في عهد الساسانيين إلى بلادهم، والزردشتيون اليوم، أقليّة ومازالوا يحتفظون بطقوس يوم الطبيعة، فيأخذون معهم سفرة النوروز وما تبقى من حلويات ومكسرات لديهم.
يواظب الإيرانيون على أكل الخضار في هذا اليوم، وتناول حساء تقليدي معروف ويسمى "آش رشته" ويحتوي على كمية كبيرة من الحبوب والخضروات، والجميع يحضرون معهم إلى الطبيعة أهم جزء في سفرة "السينات" السبع، والتي تفرش مع بدء الاحتفالات بالعيد، وعليها سبعة أشياء تبدأ كلها بالفارسية بحرف السين، وترمز كل واحدة لمعنى معين يرتبط كذلك بالأساطير الإيرانية القديمة.

ما يحضره الإيرانيون هو "سبزه" وهي عبارة عن نبتة قمح أو عدس تزرع في المنازل قبل مدة، فتنبت ساقها الخضراء الطويلة، وتوضع على سفرة "السينات" السبع لترمز لتجدد الحياة، وفي يوم الطبيعة يحملونها معهم ليتركونها خارجاً، ومنهم من يرميها في القنوات الجارية أو مياه الأنهار، وهذا أيضاً تقليد متوارث، حيث كانت "السبزه" تُرمى في قنوات المياه ويركض صاحبها خلفها ليرى أين ستعلق، فتدله بالتالي على أن المياه لا تجري بذاك الاتجاه، فيقوم بفتح القناة لري المناطق التي لا تصلها المياه. وكل هذه التقاليد تُشير إلى أهمية عناصر الطبيعة بالنسبة لحياة الإيرانيين القدامى.

بعض الشباب يقومون بربط سيقان نبتة "السبزه" أو يربطون العشب النابت في الحدائق والأماكن المفتوحة، ويدل ذلك على ربط حياتهم بالطبيعة وأُمنياتهم بأن يكون عامهم الجديد مليئاً بالفرح والسعادة. بعضهم يربطها طلباً للزواج، وهذا مرتبط أيضاً بأساطير قديمة تنقل أن "كيومرث"، وهو أول البشر حسب كتاب الزردشتيين المقدس قد زوج ابناً وبنتاً له في هذا اليوم فتعرّف الجميع على مفهوم الزواج للمرة الأولى.

احتفظ الإيرانيون بالعديد من تلك التقاليد حتى يومنا هذا، ومع وصول القاجاريين للحكم في القرن الثامن عشر، دخل مفهوم "النحس" ليوم الطبيعة، فيذكر المؤرخون أن الإيرانيين باتوا يخرجون من بيوتهم إلى الطبيعة خوفاً من هبوط سقف منازلهم عليهم، حيث من المفترض أن ينتهي هذا اليوم بسعادة تستمر طيلة أيام العام الجديد.

أكراد إيران والعالم يحتفلون أيضاً بهذا اليوم ولكن على طريقتهم، فيرمون ثلاثة عشر حجراً، ويطلبون من الله خلال قيامهم بهذا الأمر إبعاد النحس وسوء الطالع عنهم.
عند الأكراد، يعتبر النوروز عيداً قومياً ومناسبة رسمية يحتفلون به في جميع أنحاء العالم.

وخلاله يتم إشعال شعلة نوروز في كل المدن الكردية، والتي تسمى شعلة "كاوة الحداد"، لكنه يحمل لدى الأكراد صفة خاصة، مرتبطة بقضية التحرر من الظلم. ولكن مهما اختلفت الطقوس وتعددت، إلا أن الاحتفاظ بجزء كبير منها أمر واضح، ويسعى الإيرانيون للتأكيد عليها عاماً تلو الآخر، لينهوا تقاليد العيد في يوم الطبيعة، ويبدأ عامهم الجديد عملياً في اليوم التالي.

اقرأ أيضا:
"سمنو": حلوى ربيع الإيرانيين ونذور عامهم الجديد
الإيرانيون في استقبال عيد النوروز
المساهمون