كرة القدم ليست كما السابق.. كرة القدم أصبحت لعبة أموال من يحصل على صافي أرباح أكبر في نهاية كل عام، هو الأوفر حظاً في المنافسة.. الاتحادات القارية والعالمية أصبحت منظمات اقتصادية واضحة تحت غطاء رياضي، الأندية باتت مؤسسات وشركات ربحية لها أصولها ومستنداتها وقوائمها، واللاعبون صاروا كالسلع تُشترى وتُباع بأغلى الأثمان أو أرخصها.
دخلت كرة القدم عصر الاحتراف فأصبح الانتماء فيها عملة نادرة... لاعبون كُثر تركوا فرقهم التي صنعت لهم أسماء ونجومية وشعبية، فقط من أجل دخل مادي أكبر، أو بحثاً عن ألقاب أكثر يستطيعون عبرها أن يرسموا المجد الشخصي لهم مستقبلا.
لست هنا بصدد كتابة كلمات هجاء لمن بدّل فريقه من أجل راتب أعلى أو بطولات أكثر أو مجد شخصي أكبر، فهذا في الأخير حق مشروع لأي شخص يزاول كرة القدم ما دام في حدود عدلها ونزاهتها.. ولكن أيضا وجب على كل متابع رياضي أن يحترم كل لاعب لم يكترث لهذا كله بناءً على نفس طيبة يملكها تُقدّر معنى "الوفاء"، لأن كرة القدم أساسها تقديم ثقافة محترمة يُستفاد منها، وقيم عظيمة تغرسها في نفوس متابعيها ومبادئ في الحياة جميلة تقدمها لعاشقيها.
الوفاء في كرة القدم ليس كلمة تقال وحسب، ليس كلمة تقال للاعب عمّر في فريقه فقط، ليس كلمة تقال للاعب جلس في فريقه مدة طويلة معينة وفريقه حينها فريق بطولات وألقاب، ليس كلمة تقال للاعب يقبّل قميص فريقه بعد كل هدف، وفريقه يعطيه من الألقاب والأموال ما يتمنى، ليست كلمة تقال للاعب لم يتعرض فريقه لسنوات ظلام كئيبة مرّت به.
لن أضرب أمثلة كثيرة في مقالي هذا لأن الأوفياء كُثر، وكرة القدم ما زالت بخير، وتقدّم لنا أشخاصا يستحقون منا كل احترام وتقدير على تضحياتهم لفرقهم رغم كل الإغراءات الموجودة من بطولات أو أموال في فرق غير فرقهم... لكن بما أني إيطالي الهوى، فسأضرب أمثلة بلاعبين إيطاليين كبار شاهدتهم في بلاد الساق والقدم، في البلاد التي أحببت كرة القدم العالمية بسببها.. وقِس على ذلك.
أن تكون بطلاً للعالم مع بلادك في 2006، وفجأة يهبط فريقك إلى الدرجة الأدنى من دون أن يكون لك يد في ذلك ثم تقرر أن تبقى معه، ولا تتركه في محنته، فأنت بلا شك تستحق منا كل احترام وثناء، كل احترام يا أليكس، وكل ثناء يا بوفون.. أن تملك كل هذه القيمة الكبيرة والموهبة الربانية العظيمة التي يتمناها أي فريق كبير مادةً وبطولاتٍ، لكنك تصر على البقاء مع فريقك الذي أظهرك للعالم كله رغم بطولاته الشحيحة في فترتك، فأنت بلا شك تستحق أن تُرفع لك القبعة تقديرا، أن تُرفع لك القبعة يا توتي.
لابد أن يعي الكل، أن كل لاعب معمّر في فريقه، ليس بالضرورة "وفياً"، وكذلك ليس كل من قبّل قميص فريقه أو بكى لأجل هدف سجله أو بطولة رفعها معه... الشدائد والمحن للفرق هي التي تُظهر معدن الوفاء، وليس سنوات الفرح والسعادة.
بوفون وأليكس وتوتي.. نذكرهم باحترام لأجل خصلة حسنة في كرة القدم فعلوها، ليس معناه أن غيرهم ليسوا محترمين ممن تنقلوا بين الفرق أو فرقهم لم تمر بمحن واضحة.. كرة القدم ثقافتها جميلة، ولديها من المبادئ الجميلة ما يجب أن نتطرق إليه بين الحين والآخر، ولكي نزيد رصيد محبتها في نفوسنا.
لمتابعة الكاتب
https://twitter.com/ITALY_00