وقعت في فخٍ ما. لقد عَلِقت، وها أنت الآن مصاب بالاكتئاب ومُرْمى وفاقد لكل أنواع الإرادة، حتى إرادة الحياة. شكل هذا الفخ يختلف من مرة لأخرى، لكن الشعور فيه يبقى ثابتًا ولا يتغير: شعور أن تجد نفسك في مواقف وتفاعلات لا تريد أن تكون فيها أو تعيشها. ربما تكون هذه المواقف كئيبة وغير سارة، بل والأشد من ذلك أن تكون غير منتهية ولا ترى لها أفقاً، أنت نفسك لا تجد لنفسك مخرجًا أو زر إيقاف تشغيل ينهي هذا المشهد من حياتك أبدًا.
لكن بغض النظر عن الوضع، هناك دائمًا وسيلة للخروج حتى لو لم تكن ما تريده تمامًا. وحتى إذا كان من المستحيل فعليًا الخروج من الوضع نفسه (إذا كانت المشكلة مرضًا مستعصيًا مثلًا)، فلا يزال هناك مخرج من البؤس لأن محله قلبك وعقلك، وليس الوضع نفسه.
يقع واجب معرفة التفاصيل اللازمة للخروج من الموقف الصعب على مسؤوليتك وحدك، لأنه لا توجد وصفة واحدة وجاهزة للخروج من كل المآزق. لكن وبعيدًا عن التفاصيل الخارجية، يبقى هناك شيء واحد يحتاجه الجميع وهو الإلهام الداخلي لاعتماد إطار تمكين العقل واتخاذ الإجراءات اللازمة. نقترح هنا 12 فيلمًا (لتشاهدوها خلال 12 شهرًا من السنة)، وإن شاهدتموها في سياقها المناسب لوضعكم سوف تساعدكم على الاستمرار. تشكل هذه الأفلام معًا دورة أسطورية كاملة للحياة بدءًا من الشعور بالفخ إلى الشعور بالحرية.
المرحلة الأولى: القَبول والمواجهة
المصفوفة (1999) The Matrix
إذا حاولت تتبع جذور شعورك بالاختناق والمحاصرة قليلًا، فستنجد أنك نوعًا ما أن لك يداً فيه. نعم، هناك عوامل خارجية لا يمكنك السيطرة عليها ولكنها حدثت في سياق سعيك لتحقيق رغبات معينة. شعورك بالألم الشديد والإحباط هو أن هذا الشعور يمنعك من الوصول والحصول على تلك الرغبات.
من بين الطرق الكثيرة التي يمكن بها تفسير فيلم "المصفوفة"، فإن أحدها هو أنها تمثل المجموع الكلي لتكييفنا الاجتماعي والثقافي الذي استغل احتياجاتنا الحيوانية الطبيعية الأساسية (للأغذية والملابس والجنس والمأوى والسلامة) وحوّرها وشوهها إلى أشكال مظلمة ومفرطة من (الجشع والحسد والخوف و... إلخ) التي تشكل الأساس لمعظم المعاناة في هذا العالم. إذًا، فنحن مكيّفون للاعتقاد أن الأشياء التي نريدها ستجعلنا سعداء، لكنها نادرًا ما تفعل ذلك على المدى الطويل. يريد وكلاء المصفوفة منك أن تستمر في شراء هذا الوهم المصنع لأنه يساعدهم على الحصول على ما يريدون.
عندما يقتلك الملل من نفس الدورة التي تعيشها كل يوم من السعي وراء الأشياء والكسب والرضا الوجيز ومن ثمّ العودة إلى المزيد من المعاناة، فإنك قد تكون قادرًا على الرؤية من خلال رغباتك إلى ما وراءها؛ بمعنى أن تكون قادرًا على معرفة كيفية تشكل هذه الرغبات لديك بالمقام الأول.
وأن تكون لديك رغبة، فهذا يعني أنك إنسان، إذًا، فالأمر ليس مرتبطًا بنبذ جميع الرغبات، وإنما بالسعي وراء تلك التي تستحق أن تشبعها. ولنقل فرضًا إن "الحرية" هي ببساطة الشعور الداخلي بالراحة وراحة البال بغض النظر عن الوضع الذي أنت فيهِ، وهو ما يعني أنه كلما قلّت رغباتك، صار تحقيق الحرية أكثر سهولة.
في المجمل:
- في نهاية الأمر، سنجد أننا حبيسو رغباتنا. وكلما زادت رغباتنا، زادت مشاكلنا.
- قم بتفحص رغباتك، وركّز فقط على المهم منها. حرر عقلك من الرغبات المستحيلة.
مكعب (1997) Cube
مفتاح الفهم والخروج من المكعب، هو أن تكون الصورة الأصلية والحقيقية للأحمق. وفي الحياة الواقعية، فإن شخصية مثل شخصية كازان في الفيلم، لن تكون قادرة على الاستمرار في الحياة بشكل طبيعي وجيد. وهنا نرى استعارة من الأساطير، يمثل الأحمق فيها شكلًا من أشكال الحكمة.
فالإفراط في التفكير أثناء شعورك بالحصار والاختناق في أي وضع غير مرغوب فيه؛ يزيد من صعوبة تحمله ويخلق المزيد من المشاكل والصراعات. هذا لا يعني أنك يجب ألا تفكر في الطرق العملية للخروج بنفسك من هذه المواقف. لا تعذب نفسك بأفكار لا تخدم غرض الخروج، وفي معظم الحالات، فإن 90% من الأفكار التي تدخل عقلك خلال أي يومٍ، لا تخدم هذا الغرض.
لسوء الحظ، فواحدة من الخصائص المشتركة للأشخاص الأذكياء في العالم الحديث هو أنهم يفرطون في التفكير حيال أي شيء. وكما قال أحد المرشدين يومًا ما: "لكي تخرج من الجحيم، حيًا، فإن عليكَ أن تعيشه ببساطة الأحمق". وما يقصده هذا المرشد، هو أن تروض عقلك وتعرف كيف تستخدمه بل وتطفئه في بعض الأحيان، لا أن تكون غبيًا كاملًا. لقد كان يتحدث عن ترويض العقل لا يهدأ. وكما أحد الشخصيات في فيلم المكعب: "لا تفكر حتى في اللاشيء فهو ليس أمامك وهذا هو التحدي الحقيقي. يجب عليكم إنقاذ أنفسكم من أنفسكم".
في المجمل:
- أن تكون بسيطًا، لا يعني أن تكون غنيًا، ولكن يعني قدرتك على أن تكون جاهزًا لمواجهة الحياة والحصول على حريتك.
- وجّه عقلك للتركيز على الحلول، لا على حجم المشكلة.
الجاذبية (2013) Gravity
على النقيض تمامًا من الفضاء المغلق لفيلم المكعب، يحاصَر هنا البطلان في فراغٍ ويأسٍ كبيرين لا حصر لهما، واليأس الذي جلبه العقل بالإفراط في التحليل وخاصةً لأن البطلة فرضت أحكام ذات قيمة ذاتية على الأحداث الصعبة والمؤلمة في حياتها. العيش في عالم الفكر الدماغي كما فعلت ساندرا بولوك في الفيلم أنسى البطلة النعيم الطبيعي لجود الاحتياجات البدائية للهواء والغذاء والصحة والسلامة والبقاء على قيد الحياة نفسها.
أولئك الذين يشعرون أنهم محبطون ومحاصرون ولا يستطيعون الخروج من اليأس والذين يريدون حقًا اختبار صحة هذا اليأس (للمشاكل الشديدة التي تتطلب أحياناً سبل علاج شديدة ومتطرفة) فإن عليهم أن يضعوا أنفسهم في مواقف يكونون فيها أمام اختبار حقيقي للبقاء على قيد الحياة ليعرفوا ما إذا كان الخوف والإرادة للحياة كافية لاغتنام فرصة البقاء، أم سيرمون بأنفسهم للموت. فإذا اختاروا الموت، فهم في حالة يأس عميقة لا شفاء منها. ولكن إذا اختاروا الحياة، فإن الجسم في تلك الحالة يكون بحكمته العظيمة يريد الحياة، ولكن العقل يعاني ليدرك هذه الحقيقة. جسمك يريد الحياة وعقلك يعاني مشاكل في استيعاب هذه الحقيقة.
وفي أي حالة سيئة، فإن الوضع في حد ذاته ليس السجن الحقيقي. بل العقل هو السجن الحقيقي الوحيد. وهو ما جعل لدينا العديد من الفلاسفة والكتاب والصوفيين الذين عاشوا في غرف صغيرة وتعرضوا في بعض الأحيان لبعض التعذيب ولكن الأمر قادهم لإيجاد السلام الداخلي وكتابة الأعمال الأدبية الجميلة والخالدة والملهمة للآخرين في عالم يقدم لنا كل يومٍ ما يزيدنا فوق يأسنا يأساً. هؤلاء الفلاسفة والكتاب هم الأحرار ونحن السجناء.
في المجمل:
- إن العقل الذي يعاني يخلق أسباباً لليأس، لكن الجسم بحكم طبيعته يريد العيش.
- حول تركيزك من العقل إلى الجسم، ولو كان هذا صعبًا، فافعل هذا: احبس أنفاسك لأطول فترة ممكنة ثم خذ نفساً. لا تشرب الماء لمدة يوم ثم اشرب. راقب التحول في المنظور، حيث ستتعلم بعدها أن تقدر الأشياء الصغيرة التي ما زلت تملكها.
المنبوذ (2000) Cast Away
في بعض الأحيان، قد لا ترغب في الخروج من مربع راحتك، ولكن في بعض الظروف، لا يكون لديك أي خيار إلا أن تفعل ذلك. يصور لك فيلم المنبوذ بشكل جميل معنى أن تنقلب حياتك رأسًا على عقب دون أي تنبيه مسبق وأن يُؤخذ منك كل شيء عملت طوال حياتك للحصول عليهِ.
لكننا فعليًا، نحتاج في بعض الأحيان، أن تؤخذ أشياؤنا قسرًا بعيدًا عنّا لنتأكد أننا ما زلنا بحاجة لها. في بعض الحالات، نرى أننا لا نكون جيدين وحسب، بل وأفضل بدون هذه الأشياء التي أخذت منّا. وإذا كنت مستعدًا للسير على الطريق الأسطورية لهذا الفيلم فستعثر على هدية ومليون نعمة مخبأة داخل لعنة النبذ في نهاية الأمر.
فتشاك رجلٌ لديه كل ما يريده الناس لأنفسهم من منصبٍ، فهو صاحب سلطة في شركة محترمة وله علاقة حب مع امرأة، قرر أنه سيتزوجها. لكن لاحقًا تم تجريد تشاك من كل شيء دفعة واحدة. والآن لاحظ عنوان الفيلم، إنه ليس مكتوبًا "Castaway"، أي إنه سيصبح كذلك. وسيتم نبذه. فالمصطلح ليس اسمًا وإنما فعل. وعلى الرغم من أنه تم أخذ كل شيء منه إلا أن تشاك في البداية يرتبط بتلك الأشياء عاطفيًا. وفقط عندما نبذ تشاك تعلقه بهذه الأشياء استطاع أن يستمتع ولو لمرة واحدة في شيء أكثر أهمية من تلك الأشياء: هذا الشيء هو معركة البقاء!
وبمجرد أن قرر تشاك، أن يخوض معركة البقاء، واجهته الآن بعض المشاكل اللاحقة مثل التكرار الذي أمسى يعيشه كل يوم والملل والعزلة والتي أصبحت أشياء تهدد بقاءه لاحقًا إلا أن تشاك تمكن من تفعيل خيالهِ بإيجاده للشخصية الخيالية (ويلسون) ليمنع نفسه من الوصول للجنون وليدرب نفسه على الاستمرار في الحب والعطاء.
في المجمل:
- دعكَ من الأشياء التي تريد والتي لا يمكنك تحصيلها الآن.
- عندما يكون الملل والوحدة هما الأعداء، فإن الخيال هو صديقك وحليفك الوحيد في هذه الحرب. استخدم خيالك للتخفيف من معاناتك.
127 ساعة (2010) 127 Hours
لم يحقق تشاك من فيلم المنبوذ حريته عندما تخلى عن حبه للناس في حياتهِ، بل عندما توقف عن تعقلهِ بهم عندما كان على الجزيرة على من أجل تحقيق البقاء. أما آرون، بطل الحياة الواقعية في فيلم 127 ساعة، من الناحية الأخرى، لديه مشكلة عكسية: فهو مستقل جداً عن الناس إلى درجة الغرور الذاتي. ويعتقد أنه البطل الوحيد القادر على إنجاز كل شيء بنفسه دون الحاجة إلى الناس قطعًا.
يسرد فيلم 127 ساعة بشكل أساسيّ رحلة رجل محاصر بينه وبين ذاتهِ المنغلقة. ويتحصل هذا الرجل على الحرية أخيرًا عندما يدرك أن حبنا للبشر الآخرين وصلاتنا معهم هي الأشياء الوحيدة التي تهم، وهو ما يدفعه لاتخاذ القرار المتطرف بقطع هذا الجزء (يده) من نفسه حرفيًا ومجازيًا، الجزء الذي قاده لأن يعلق بين الصخور في المقام الأول.
السعر الآخر لحرية آرون هو أنه الاعتراف بالضعف وطلب المساعدة، وفي اللحظة التي يفعل فيها البطل ذلك، سواء حرفيًا أو مجازيًا – تعد من أكثر اللقطات المؤثرة في الفيلم.
تذكر فقط: إذا كان آرون قادرًا على البقاء على القيد لخمسة أيام عالقًا في وادٍ ما مع قليل من الطعام والماء واضطر لقطع ذراعه في الناهية ليكون حرًا، فمهما كان وضعك فصدقني، يمكنك أن تكون حرًا بقدر آرون وأكثر، فعلى الأقل، أنت لست مضطرًا لتقطع طرفًا من أطرافك. أليس كذلك؟
في المجمل:
- طلب المساعدة ليس ضعفًا، وإنما قوة.
غير قابل للكسر (2000) Unbreakable
ديفيد هو البطل الوحيد في هذه القائمة (باستثناء مِيلْفِين من فيلم As good as it gets) الذي ليس محاصرًا جسديًا أو عالقًا في أي فخٍ فيزيائي. لكنه محاصر روحيًا: فقد أبعد عن زوجته وهو عالق في وظيفة بخيلة ويشعر طوال الوقت بالحزن وأنه قد خسر كل شيء.
وتكون نقطة التحول في الفيلم، عندما يجد ديفيد الغرض من حياتهِ وعلى الرغم من أن الفيلم يصور هذا الغرض كنوع من المصير الفطري، إلا أنني أفسره ببساطة على أنه يمثل أي عدد من الأغراض المحتملة التي تكون دائمًا موجودة في حياتنا. ولو جلسنا ننتظر من هذه الأغراض أن تحقق نفسها بنفسها وأن تأتينا وتجدنا، فلن يختلف حالنا عن حال ديفيد في أول الفيلم.
بدلًا من ذلك، من خلال الاختيار الواعي، يجب علينا أن نعرف الغرض من وجودنا، بل نخترعه إذا لزم الأمر. وأفضل غرض في الحياة، هو ذلك الذي لا يرتبط بأي نوع معين من العمل، ولكن يكون على شكل مبادئ مرنة نوعًا ما والتي تتفق مع أي عمل. وفي حالة ديفيد، فهذا الغرض هو حماية الناس، وهو ما يمكن القيام به في أي عدد من المهن المحتملة.
أصبح الأمر كما لو أن وظيفة ديفيد التي كانت بلا معنى قد أصبحت فجأة مليئة بالمعنى فوجد ديفيد لنفسهِ غرضًا ليعيش من أجلهِ. ويمكنك التوفيق الآن بين الغرض من حياتك وبين وظيفتك الحالية دون الحاجة إلى تغييرها (إلا إذا كنت تريد حقًا).
في المجمل:
- في هذه اللحظة بالذات، هناك العديد من الأشياء التي يمكنها أن تعطي معنى لحياتك ولنضالك فيها. اختر ما تعيش من أجله!
أفضل ما يمكن أن يحصل (1997) As good as it gets
مرة أخرى، مثل ديفيد في فيلم غير قابل للكسر، فالمشكلة مع ميلفين في فيلم أفضل ما يمكن حصوله مشكلة خارجية بقدر ما هي شعور بالوحدة العميقة والانفصال لديه.
من الطبيعي أن ننظر إلى الخارج من أجل "إصلاح" بعض الأشياء التي لا نريدها في حياتنا. لكن المهم هو ألا ننسى أن علينا أن نقوم بعمل من دواخلنا أيضًا. ومثل ميلفين، واحدة من أكثر اللحظات المحورية في حياتي وقعت قبل حوالى ثلاثة عشر عامًا عندما كنت أعيش وحيدًا في شقة صغيرة باردة في المناطق الريفية في اليابان بدون أي أصدقاء وتفاعل اجتماعي منعدم. كنت مكتئبًا للغاية، وأشعر بالمرارة والوحدة. ثم في يوم من الأيام أدركت سبب عدم امتلاكي أي أصدقاء، لم يكن بسبب حقيقة أنني كنت مختلفًا جدًا أو "غريبًا" وأن الناس لا يستطيعون فهمي. وإنما كان بسبب حقيقة أني لم أسمح لهم بالاقتراب مني. كنت وقتها قد وضعت حدودًا كثيرة وبنيت جدرانًا عالية تمنع الناس من الوصول إلي، وهو ما استغرقني بعض الوقت لأحول فعل العكس وبناء الجسور بدلًا من الجدران. التغييرات التي قمت بها منذ ذلك الحين قادتني إلى صداقات غنية ومجزية مع العديد من الناس الرائعين.
في المجمل:
- قبل أن تنظر للخارج محاولًا إصلاح الأشياء، تذكر إصلاح الأشياء في داخلك أولًا.
المرحلة الثانية: التخطيط والهرب
الولد الكبير (2003) Oldboy
بمجرد أن ترى ما وراء رغباتك (The Matrix) وأن تدع الأشياء التي لا يمكنك الحصول عليها لـ (Cast Away) وأن تتخذ البساطة كآلية تكيف (Cube) وأن ترتبط بغريزة جسمك البدائية للبقاء على قيد الحياة (Gravity) وأن تعترف أن حب الآخرين أحد الأسباب الأساسية للحياة كما في (127 Hours) وأن ترى كيف لميولك الداخلية أن تحول حصارك واختناقك إلى أفضل ما يمكن أن يحصل (As Good As it Gets)، عندها فقط تكون أنت جاهزًا لتنتزع حريتك. ولكن الصبر الذي لا نهاية له هو المفتاح لأن التغيير لا يأتي بسرعة. حتى إن مجرد التخطيط والإعداد وحدهما سيستغرقان كثيراً من الوقت.
فيلم الولد الكبير، ليس فيلمًا ملهمًا أو فيلمًا يترك فيك شعورًا جيدًا، بل على العكس تمامًا، هو فيلم مثير للقلق والتوتر. ولكن ليست كل الدروس المفيدة تأتي على شكل أفلام جيدة.
ينفق داي سو من فيلم الولد الكبير خمس عشرة سنة من عمرهِ محبوسًا في غرفة بمثابة سجن دون أي اتصال مع العالم الخارجي على الإطلاق، اللهم من بعض الأخبار التي تصله عبر التلفاز لديهِ. ومدفوعًا بالرغبة في الانتقام، والتي ينظر إليها كعامل تحفيز قوي غير سيئ إذا استخدمت بحكمة، استمر داي سو بالتدريب على فنون القتال دون انقطاع طوال فترة حبسهِ، وهو ما أهّله ليكون مقاتلًا قويًا جدًا فور خروجه من سجنهِ.
ولو أردنا أن ننظر للأمر نظرة متجردة الآن، فإن البقاء في زنزانة لهذه الفترة مع عدم وجود اتصال بشري من المحتمل أن يؤدي إلى الجنون بالنسبة للمعظم، ولكنه كان بالنسبة لداي سو رمزًا فعالًا لقوة الصبر والتحضير وتوجيه المشاعر السلبية على نحو منتج. لا تسمح للغضب والإحباط بقتلك، بل حول هذه الطاقة السلبية في أي نشاط مثمرٍ.
نهوض فارس الظلام (2012) The Dark Knight Rises
ومثل داي سو من فيلم الولد الكبير، عمل بروس واين في فيلم نهوض فارس الظلام على توجيه الطاقة السلبية ليستغلها في نشاطٍ منتج، وبالنسبةِ له، كان هذا النشاط هو التعافي الجسدي والعاطفي، حتى يتمكن من القيام بقفزتهِ نحو الحرية خارج الحفرة التي كان فيها.
وكلما غرقت في حصارك واختناقك في موقفٍ ما في حياتك، كان الخروج من هذا الأمر أصعب فأصعب. وبالتالي، فلا يمكنك أن تنجح في مواجهة مثل هذه المواقف بأنصاف محاولات أو بقفزك إلى ثلاثة أهداف في نفس الوقت. وكلا الخطأين السابقين سيعززان الفشل والإحباط لديك؛ ما يعني أن عليك أن تصب كل جهودك في إناء واحد لتحقيق هدف واحد في كل محاولة لك. وبالتالي، فإن الخروج من حفرة اليأس يتطلب منك أن تركز كل جهودك على تحقيق نجاحٍ واحد على الأقل لا على أربعة أو خمسة ثم تفشل فيها جميعًا، ما سيؤدي لاحقًا إلى سقوط أعمق في حفرة اليأس.
وكما كان الأمر في فيلم (Gravity)، يمكنك أيضًا الاستفادة من مصدر قوي بشكل طبيعي من الطاقة بداخلك، مثل الخوف، وليس ذلك النوع من المخاوف الغامضة والوهمية التي تشكل أساس العصاب اليومي ولكن بعض المخاوف والخوف الحقيقي، الخوف البدائي من الألم الملموس، والفقدان وحتى من الموت.
في المجمل:
- لا يمكنك أن تقفز إلى عد اتجاهات مختلفة في نفس الوقت. حدد وجهتك.
- تخلص من التشتيت، ولا تضع طاقتك على الأمور غير المهمة. احتفظ بكل شيء سيساعدك لاحقًا على تحقيق تلك القفزة إلى خارج الحفرة.
حافة الغد (2014) Edge of Tomorrow
يمثل هذا الفيلم الرفيق الممتاز لفيلم نهوض فارس الظلام، لأنه في حين قفزة بروس واين نحو الحرية صُوّرت في مشهد قصير واحد، إلا أن قفزتك الواقع نحو الحرية لن تحدث في ثلاثين ثانية. بل ستستغرق كثيراً كثيراً كثيراً من الوقت، وسوف تنطوي على عملية كاملة من الخطوات من أجل القيام بهذه القفزة واحدة.
لقد رأينا أهمية الصبر والتحضير في فيلم الولد الكبير، ولكن حتى أثناء تنفيذ خطتك سيكون هناك نكسات لا نهاية لها. سوف تخطئ. وستكون هناك عقبات غير متوقعة. ولكن النكسات التي نمر بها عادة تشكل لنا آلية تغذية راجعة؛ لأنها غالبًا ما تشير إلى ما نقوم بهِ بشكل خاطئ وكيف يمكننا القيام بهِ للخروج بكفاءة أفضل. وهو ما يقود إلى الاستمرار في الوقوع في الخطأ وتطوير طرق المواجهة وملاحظة النتائج ثم تكرار العملية من جديد بشكل لا نهائي، وهو تمامًا ما حصل مع بطل فيلم حافة الغد وليام كيج (توم كروز).
في المجمل:
- اعتد على النكسات والتكرار، لأنهما كثيران في الحياة.
- لا تتوقف عن الوقوع في الخطأ والتطوير إلى أن تتحصل على حريتك التي تريد.
السَقْطة (2008) The Fall
لن أكون منصفًا أن أتحدث عن الحاجة إلى الصبر والمثابرة من دون أن أشارككم أحد الأسرار الشخصية التي تساعد على الحفاظ على كليهما: الخيال. فالعقل البشري سيف ذو حدين، فتارة تجده قادرًا على خلق بؤس لا حدود له لنفسه، ولكن عندما تستخدمه بشكل إيجابي عن طريق ممارسة الخيال الإبداعي، فإنه يمكن أيضًا يوفر فترات راحة من هذا البؤس المتواصل.
على سبيل المثال، لو فكرت في نفسي على أني مجرد كيس من الكيميائيات المليء بالأمراض والذي يعيش من دون وظيفة أو مالٍ أو أي مظهرٍ من مظاهر الحياة الاجتماعية، فسأشعر وقتها باكتئاب قاتل.
ولكن إذا تصورت نفسي كبطل أسطوري كبير مثل باتمان أو فرودو وأني أمام اختبار كبير لقوتي، فسأعيش الدور تمامًا. هل هناك أي حقيقة موضوعية لهذا البناء العقلي أم أنها مجرد خيال تم اختراعه ذاتيًا؟ من يهتم؟ فهدفي هنا هو الخروج من معاناتي وخيالي يساعدني على القيام بذلك. لا تقلل أبدًا من قوة الخيال الذاتي لأنه هو ما دفع التقاليد الإنسانية للفن والأدب والدين والفلسفة، وحتى العلم في بعض النواحي.
القيمة العظيمة الأخرى من فيلم السقطة هي أنه لطالما تجعل ألمك هو موضع تركيز حياتك، فإن حياتك ستكون بائسة بذات القدر. ولكن حوّل تركيزك ليكون موجه تجاه آلام الآخرين لترى كيف يعانون هم أيضًا. ربما كانوا يعانون حتى بسببك أو ربما سيعانون في المستقبل بسببك إذا لم تحقق ذاتك وتهتم بنفسك. عندها فقط، يتحول الألم من سم مشلول إلى محرك قوي يقودك لاتخاذ إجراءات ليس فقط من أجلك أنت، ولكن من أجل الآخرين أيضًا. وعند قيامك بهذا، سترى كيف أن مساعدة الأخيرة تعتبر شكلًا من أشكال مساعدة النفس.
في المجمل:
- خاسر لا أمل فيه أم بطل عظيم لا مثيل له؟ طالما أنك لا تتوقف عن المحاولة، فالفرق يبقى فقط خيالك.
- حوّل تركيزك من ألمك إلى ألم الآخرين، وسترى أن ألمك قد تحول إلى قوى دافعة للعمل.
الخلاص من شوشانك (1994) The Shawshank Redemption
لا أستطيع أن أكشف أحداث الفيلم، كي لا أحرقه على أولئك الذين لم يشاهدوه بعد، ولكن لحظة المفاجأة كبيرة في فيلم الخلاص من شوشانك يؤكد مرة أخرى على أهمية الصبر والهدوء المستمر مع مرور الوقت حتى يبدو الأمر كما لو أن العالم يتحرك من دونك.
وبراءة أندي هي أيضًا رمزية قوية لتلك الأشياء السيئة التي غالباً ما تحدث للناس الطيبين، ولكن الحزن المفرط على هذا الظلم الكوني ببساطة سيطيل الشعور بالجحيم الذي تعيشه. مجرد الحصول على العمل والحفاظ عليهِ، وذلك باستخدام جميع الطرق التي ناقشناها يساعدك للحفاظ على نفسك من الجنون.
وأيضًا تظهر أهمية الاتصال مع البشر، صداقة أندى مع ريد، هي واحدة من أفضل الطرق لزراعة الشجاعة والقدرة على الصمود التي يحتاجها الشخص لفترة طويلة. ولذلك تواصل مع الناس وافتخر بالاتصالات البشرية في أي شكل يمكنك الحصول عليه، لأنها لن تساعدك فقط في الحصول على ما تريد، ولكن وبعد تحصلك على حريتكَ سيكون من الجميل أن تجد من تحتفل معهم تلك اللحظة الشاعرية والعاطفية .
(المقال الأصلي)