وتركزت معارك الساعات الأخيرة في محوري الشمال والجنوب، واستُخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة، مع غياب شبه تام لسلاح الجو الأميركي عن أرض المعركة لليوم الثالث على التوالي. وهو ما يؤكد وجود خلافات واسعة بين واشنطن وبغداد حيال هوية المعركة، التي اكتسبت صفة طائفية، كما أن مشاركة الحرس الثوري الإيراني فيها، أشعل انتقادات سياسية واسعة داخل العراق وخارجه.
ووفقاً لمصادر عسكرية عراقية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن "المعارك ما تزال تتركز على المحورين الجنوبي والشمالي، وعلى بعد يتراوح بين 7 و9 كيلومترات من حدود الفلوجة، أغرق التنظيم خلالها ساحة المعركة بعدد كبير من الانتحاريين، الذين تمكنوا من الوصول إلى قطعات الجيش والمليشيات".
في هذا السياق، يقول العقيد محمد سعيد الهلالي من قيادة الفرقة العاشرة بالجيش العراقي المتواجدة بمحيط الفلوجة لـ"العربي الجديد"، إن "معارك الجمعة لم تسفر عن تقدم واسع، والمعارك تجري بين الجانبين في مساحة لا يتجاوز عرضها كيلومتراً واحداً، وعلى طول 29 كيلومتراً من محوري الجنوب والشمال للمدينة". ويضيف الهلالي أن "المعارك استنزاف لداعش بالدرجة الأولى، ولم يعد موعد إحراز النصر واقتحام المدينة مهم، لتحديده أمام وسائل الإعلام. لكن الأهم هو الاستمرار حتى إنهاك التنظيم والحرص على عدم وصول أي إمداد له".
خلال ذلك، ارتفعت حصيلة الضحايا المدنيين جراء القصف الجوي والصاروخي إلى 269 مدنياً، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقاً لمدير طوارئ مستشفى الفلوجة العام داخل المدينة علي الدليمي. كما يشير إلى أن "الحصيلة ارتفعت بسبب القصف الصاروخي على قرى حول الفلوجة، ما تزال تحت يد التنظيم، وتسعى القوات المهاجمة للسيطرة عليها مثل الصقلاوية والأزركية".
من جهة أخرى، أغلقت مستشفى الكاظمية في بغداد جناحي العلاج الطبيعي والتوليد، وتم تخصيص المستشفى بالكامل لقوات الجيش و"الحشد" الذين يسقطون في معارك الفلوجة، ما يشير إلى حجم وشدة المعارك الدائرة هناك، والإصرار على مواصلتها من قبل الحكومة والمليشيات.
وعن مشاركة حزب الله من لبنان في المعارك، ينفي القيادي بمليشيا "الحشد" رضا الكعبي ذلك، مؤكداً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الحرس الثوري الإيراني موجود مع الحشد الشعبي، لكن لا وجود لحزب الله اللبناني، والتقارير التي تناولتها وسائل إعلام محلية غير دقيقة".
فيما كشف رئيس "ائتلاف متحدون"، نائب رئيس الجمهورية السابق أسامة النجيفي، عن حالات خطف وإعدام جماعي تشهدها عملية تحرير الفلوجة، محمّلاً رئيس الحكومة حيدر العبادي، مسؤوليّة إدارة المعركة. وذكر النجيفي في بيان أمس الجمعة أنه "لا أحد يمكن أن ينكر أهمية معركة تحرير الفلوجة وتأثيراتها على المعارك اللاحقة، لكن ما يتضح عن أرض الواقع يشير إلى حدوث انتهاكات غير مقبولة، ويشير إلى عمليات خطف، وإعدام جماعي لا تقره الشرائع أو القوانين أو أخلاق ومعايير المعارك الوطنية الشريفة". وأضاف "هذه الانتهاكات تحدث من قبل جماعات مسلحة تعمل خارج السيطرة، وتعرّض مصداقية وسيطرة القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي إلى الاهتزاز والتساؤل" في إشارة إلى مليشيات "الحشد".
وحمّل النجيفي العبادي "مسؤولية إدارة المعركة والحفاظ على حياة الناس، ومسؤولية محاسبة من وجد في معركة التحرير فرصة لإنزال العقوبات بالناس الأبرياء". كما شدّد على أنّ "إدارة المعركة تقتضي السيطرة المطلقة على تفاصيلها كافة، خصوصاً أنّ حياة المواطنين أهم من أيّ هدف آخر، بل يرتبط بنتائج المعارك المقبلة في الموصل والحويجة وأي بقعة عراقية ما زال تنظيم داعش الإرهابي يحتلها".
في غضون ذلك، طالبت الحكومة المحلية في محافظة الأنبار المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بالتدخّل العاجل والفوري لإنقاذ النازحين الفارين من جحيم المعارك، في أطراف مدينة الفلوجة. وأكدت عدم قدرة الحكومة المحلية والمركزية على توفير ما يحتاجه النازحون من مخيمات لإيوائهم، ولا في تقديم أغذية وأدوية ومستلزمات إنسانية عاجلة.
في هذا السياق، يشير مقرر مجلس محافظة الأنبار راجع العيساوي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "على المجتمع الدولي التدخل الفوري لإنقاذ النازحين الفارين من المعارك المستمرة، في أطراف ومحاور مدينة الفلوجة منذ 11 يوماً لعدم قدرة الحكومتين المحلية والمركزية على توفير ما يحتاجونه لضعف الإمكانيات".
ويكشف العيساوي أنه "لا توجد مخيمات لاستيعاب النازحين الذين تم إجلاؤهم من أطراف الفلوجة خلال المعارك الدائرة، ولا غذاء ولا دواء ولا مستلزمات معيشية ضرورية لهم ما يجعلنا بحاجة لتدخل دولي فوري وعاجل جداً".
ويضيف أن "عدد الأسر التي نزحت وتم إجلاؤها من قبل القوات العراقية على مدار 11 يوماً الماضية وحتى أمس الجمعة، بلغ 1300 أسرة، تمّ نقل أفرادها إلى منطقة العامرية، جنوب الفلوجة في ظروف إنسانية قاسية جداً".
ويوضح "لا نمتلك إمكانيات وقدرات لازمة لتوفير مخيمات أو أغذية وأدوية ومستلزمات إنسانية أخرى، لإيواء الأعداد الكبيرة التي ما زالت تنزح بشكل مستمر. ونتوقع موجات نزوح أكبر بكثير خلال الساعات والأيام المقبلة".