وقالت المنظمات في بيان، إن "تفاقم التجاوزات يبدو أنه إطلاقٌ ليد الداخلية للتنكيل بالمواطنين بممارسات خارج إطار القانون تتضمن التعذيب والاختفاء القسري وغيرها من الإجراءات التعسفية والانتهاكات المُمنهجة للحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، الأمر الذي أفضى مؤخرًا إلى تكرار حالات الوفاة داخل أماكن الاحتجاز".
ووثّق مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف- منظمة مجتمع مدني مصرية- 49 حالة تعذيب، بينها 9 حالات أدت إلى الموت داخل أماكن الاحتجاز خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بينما وثقت منظمات أخرى حالتي تعذيب بأماكن الاحتجاز وحالتي وفاة في فترة زمنية ﻻ تزيد على شهر واحد بين أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين.
في حين رصدت منظمات أخرى حاﻻت عديدة من الوفاة في أماكن الاحتجاز، وتلقت شكاوى تفيد بتعرض المحتجزين للضرب والمعاملة المهينة أو التعذيب داخل أقسام الشرطة في الفترة نفسها.
كما رصد مركز النديم أربع حالات وفاة نتيجة للتعذيب في أغسطس/آب الماضي، من بين 57 حالة تعرضوا للتعذيب في أماكن الاحتجاز.
وأعربت المنظمات في بيانها، عن قلقها البالغ من أن تكون الأرقام الحقيقة أكثر من تلك التي نجحوا في توثيقها، أو تلك التي نُشرت في الصحف ووسائل الإعلام خلال الفترة القصيرة الماضية، فضلًا على حالات أخرى رفض أصحابها رواية تفاصيلها، خشية انتقام ضباط الأقسام أو السجون، أو ربما لأنهم فقدوا أي ثقة بنظام العدالة.
ودعت المنظمات إلى تحقيق عاجل ومستقل في حوادث التعذيب المُتزايدة والمُفزعة التي تعرض لها محتجزات ومحتجزون داخل سجون وأقسام الشرطة، مؤكدة أن معظم تلك الحوادث شهدت إفلات مرتكبيها من العقاب، بينما تكرر إنكار وزارة الداخلية لارتكابها، واعتبرتها في كثير من الأحيان "حالات فردية".
واستعرض البيان عدة حالات تعذيب أفضت لموتٍ في أقسام شرطة مختلفة، من بينها حالة وفاة بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بقسم شرطة المطرية. حيث كان المجني عليه (عادل عبد السميع، نجار يبلغ من العمر 22 عامًا) محتجزًا بقسم المطرية منذ 4 من نفس الشهر، للاشتباه في سرقة تليفون محمول. وقد شهد أهل المجني عليه بأنه تعرض للضرب والتعذيب، وشهدت حالته الصحية تدهورًا واضحًا على مدى الزيارات. كما شهد آخرون بوجود آثار دماء على ملابسه وقت اقتياده إلى منزله بصحبة قوة من شرطة القسم، على خلفية مزاعم بوجود أسلحة في منزله.
اقرأ أيضا:مصر:حبس 4 ضباط شرطة لاتهامهم بقتل مواطن في الأقصر
وقالت والدة عادل، إنه في إحدى الزيارات كان فاقدًا للقدرة على الكلام جراء تعرضه للضرب. وبتاريخ 24 أكتوبر/تشرين الأول، وصلت معلومة إلى أهل المجني عليه تفيد بنقله للمستشفى، وما إن وصل أهل "عادل" إلى المستشفى حتى أخبروهم أنه وصل للمستشفى مفارقًا للحياة، يظهر عليه آثار حرق على الأيدي، وإصابات في الرأس ومناطق متفرقة من جسده.
حالة وفاة ثانية وقعت بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في الأقصر؛ إذ أوقفت قوة شرطة المواطن طلعت شبيب، في منطقة الحوامدية في الأقصر بجوار أحد المقاهي، للتحقق من أوراقه الشخصية، وفي أثناء ذلك تعدى الضابط لفظيًّا على المشتبه به، موجهًا إليه السباب والإهانة، ولما اعترض "طلعت" على الإهانة قائلا: "بلاش شتايم يا باشا إنت قد ابني"، تطور الأمر بينهما إلى اشتباك بالأيدي، وتم اقتياده إلى القسم، حيث تعرض للضرب المبرح لمدة ساعتين خرج بعدها جثة من القسم.
وأشار البيان إلى أن تحقيقات النيابة في القضية، التي أثارت جدلًا واسعًا وخرجت على أثرها مظاهرات في الأقصر، تُظهر أن مباحث القسم حاولت التعتيم على وفاة طلعت شبيب في أثناء التحقيق، وطلبت إيداعه في غرفة الاستيفاء بصفته محتجزًا، إلى حين وصول سيارة الإسعاف، لكن مسؤول الاستيفاء رفض استلامه مقررًا أنه توفي بالفعل. وهو ما أكده التقرير الطبي المبدئي بأن المجني عليه وصل المستشفى بعد أن وافته المنية.
اقرأ أيضا:مصر..قتيل جديد تعذيباً في قسم شرطة في الإسكندرية
حالة تعذيب أخرى بقسم المطرية، بحق محمد عبده معوض، والذي أكد أحد أقاربه أنه "تم التعدي عليه بالضرب، بعد ربطه من قدمه وركله في بطنه وصدره في قسم المطرية مما أدى لنزيفٍ من فمه وأنفه".
أصرّت عائلة "محمد" على تقديم بلاغ بالواقعة، وتباشر حاليًّا النيابة التحقيقات، ولم يتم حتى الآن عرض الضحية على الطب الشرعي، ويواجه شقيقه تهديدات من قبل مجهولين -عبر اتصالات تليفونية- لإرغامه على التنازل عن البلاغ.
وأكدت المنظمات الموقعة على البيان إدانتها لاستمرار تعرض مواطنين مصريين للاختفاء القسري، إذ تلقت العديد من المنظمات شكاوى وبلاغات تُفيد بتعرُض مواطنين للاختفاء بعد أن ألقت قوات الشرطة القبض عليهم. كما أكدت خطورة تلك الممارسات على حياة هؤلاء المواطنين، وبخاصة مع توارد العديد من الروايات عن حالات تعذيب لمن ظهروا بعد فترة من اختفائهم، وعلى أجسادهم آثار التعذيب والاعتداء داخل أماكن الاحتجاز.
كما تؤكد المنظمات الموقعة أن السجون المصرية لا تخضع لأي رقابة حقيقية ولا يُسمح إطلاقًا للمنظمات أو المحامين المستقلين بزيارتها، ولا تخضع للتفتيش من قبل جهات قضائية مستقلة بشكل دوري، رغم أن هذا حق يكفله القانون والدستور، كما أنه من المفترض وفقًا للتعليمات العامة للنيابات، أن يجري تفتيش دوري مرة كل شهر على الأقل على السجون، ترفع على خلفيته التقارير حول المخالفات المرصودة، وآخر مرة قامت به النيابة بهذا الواجب كان في إبريل/نيسان 2015 إلا أنه لم تعلن أخيرا حالة تحقيق واحدة لأيٍّ من المسؤولين بمصلحة السجون رغم التقارير المتواترة عن المخالفات.
على الجانب الآخر، تلاحق الدولة الأصوات المستقلة من المحامين والقضاة الذين يتبنون رؤى لإصلاحات تشريعية لمناهضة التعذيب، بحسب البيان؛ إذ يخضع القاضيان عاصم عبد الجبار وهشام رؤوف والمحامي نجاد البرعي للتحقيق، على خلفية تقديمهم مشروعًا لمكافحة جرائم التعذيب، وذلك ضمن فعاليات ورشة خبراء، دعت إليها المجموعة المتحدة -التي يترأسها نجاد البرعي- في 11 مارس/آذار 2015.
ووقعت البيان منظمات الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، والمجموعة المتحدة، محامون ومستشارون قانونيون، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومصريون ضد التمييز الديني، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، ومؤسسة قضايا المرأة المصرية، ومركز هشام مبارك للقانون، ومركز الحقانية للمحاماة والقانون، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، ونظرة للدراسات النسوية.
اقرأ أيضا:سجن "العقرب" المصري.. الموت برداً أو تعذيباً