يُحيي الفلسطينيون في الداخل، الذكرى السنوية الـ15 لهبّة الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2000، في ظروف مشابهة للظروف التي اندلعت فيها الهبّة، وفي مقدمتها التصعيد الإسرائيلي الخطير في ملف الأقصى، وتكرار اقتحامه من قبل جهات سياسية تمثل تيارات رئيسية في السياسة الإسرائيلية وليس مجرد "عناصر متطرفة".
كما تحلّ الذكرى بعد أيام من إعلان حكومة الاحتلال تعديل أوامر إطلاق النار حتى باتجاه المتظاهرين في الداخل الفلسطيني، وسط تباين التقييمات للحالة السائدة في صفوف فلسطينيي الداخل وأحزابهم السياسية، من حيث استخلاص العبر وترشيد العمل الوطني والسياسي، رغم توصل الأحزاب المشاركة في الكنيست لتحالف ضمن القائمة المشتركة، إذ لا تزال أكبر هيئة ممثلة للفلسطينيين في الداخل، وهي "لجنة المتابعة العليا"، معطّلة.
وفي سياق مقاربة وتقييم الحالة وظروف وحدود العمل السياسي في الداخل، بالنظر إلى تجربة هبّة القدس المحتلة والأقصى، يقول المحاضر في العلوم السياسية في جامعة حيفا، مهند مصطفى، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك حاجة ملحّة لإعادة بناء لجنة المتابعة، وكلما كانت لجنة المتابعة متألقة، كلما تألق معها العمل السياسي، وازدادت ثقة الناس به. غير أنه يجب الاعتراف أن حال لجنة المتابعة هو نتاج مركّباتها، فإذا كان لدى تلك المركبات إرادة سياسية حقيقية، لا مجرد نوايا طيبة، فإن اللجنة تستطيع أن تؤدي دورها". ويصف مصطفى حال العمل السياسي الجماعي في السنوات الأخيرة، بـ"الأسوأ منذ السبعينات، لغياب الإرادة السياسية الحقيقية، بعيداً عن النوايا وخطابات العمل السياسي الجماعي وبناء لجنة المتابعة".
من جهته، يرصد النائب عن حزب "التجمّع الوطني الديمقراطي"، باسل غطاس، العِبَر التي استخلصتها حكومة إسرائيل من الهبة في أكتوبر 2000، ويشير إلى أنه "في موضوع إدارة العلاقات تمّت السيطرة على عرب الداخل، في كل الجوانب الأمنية والسياسية، في وقتٍ تجاهلت فيه الحكومة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، التي استمرت في التدهور نتيجة سياسة التمييز القومي والتهميش والإقصاء".
اقرأ أيضاً: تسريب أملاك المقدسيين..سماسرة يسهلون مهمة الاحتلال في تهويد المدينة
ويضيف غطاس أنه "قد رأينا في التظاهرات والأعمال الاحتجاجية الأخيرة في الداخل، وحتى في القدس، استعدادات هائلة من الشرطة لقمع وتفريق التظاهرات. ويظهر أن الهدف الواضح كان تكثيف التنكيل والردع، وقامت الشرطة في هذا الصدد باستخدام أسلوب جديد، وهو الاعتقال العنيف المرافق بالضرب والتنكيل بكثافة، لكل من يشارك في التظاهرات، بهدف تخويف واستنزاف الأهل والمنظمات الجماهيرية في المحاكم والمتابعات القانونية".
ويتابع: "ظهر ذلك بامتناع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ أكتوبر 2000، عن تطبيق توصيات لجنة التحقيق الرسمية (لجنة أور)، التي شُكّلت بعد ضغوط الفلسطينيين في الداخل، وترأسها القاضي ثيودور أور". كما يؤكد غطاس أن "إسرائيل لم تُطبّق أياً من توصيات لجنة التحقيق الرسمية، تحديداً في مجال الحقوق المدنية. بل على العكس ازدادت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بالعرب سوءاً، ولم يطرأ أي تغيير يُذكر خلال العام ونصف العام الأخير على البنى السياسية داخل المجتمع الفلسطيني، لا بل تآكل موقع المؤسسات الوطنية ونفوذها".
وفيما يرى البعض أن "القائمة المشتركة" جاءت لاعتبارات ضمان تمثيل العرب في الكنيست، فإن غطاس يعتبر هذه الخطوة بأنها "تغيير استراتيجي كبير، من الممكن أن تكون له تأثيراته الكبيرة على البدء في مسيرة إعادة بناء المؤسسات الوطنية القومية على طريق بناء أرضية صلبة ومتينة للوجود الفلسطيني في الداخل، وهذه هي أهم عِبر هبّة القدس والأقصى".
أما النائب السابق عن "الحركة الإسلامية"، عبد المالك دهامشة، الذي كان إلى جانب كل من المفكر العربي عزمي بشارة، والشيخ رائد صلاح، ممن قررت لجنة التحقيق الرسمية توجيه إنذار لهم واتهامهم بـ"تحريض الفلسطينيين في الداخل على العنف"، بدلاً من إدانة القتلة من أفراد الشرطة، فإنه يرى بدوره أن "تعامل الشرطة الإسرائيلية مع فلسطينيي الداخل، كان وما زال وحشياً ومتطرفاً. والشرطة يهمها أن تُرضي الحكومة، وقد قالها إيهود باراك حين كان رئيساً للحكومة: لن نسمح بإغلاق شارع داخل إسرائيل، مانحاً الضوء الأخضر للشرطة للعمل بحرية، وهو ما أتاح للشرطة استخدام القناصة وقتل الشهداء. لكن باراك أنكر كل ذلك أمام لجنة أور".
ويوضح دهامشة ما يُمكن اعتباره ملخص تجربة في العمل السياسي داخل فلسطين المحتلة عام 1948، إذ يقول عن أسباب توجيه الإنذار له بإنها "تعود لتصريحه بأن إسرائيل علّمتنا أنه إذا لم يسِل دم على الأرض لن نحصل على شيء. وهذه سياسة إسرائيل من عام 1948 حتى اليوم. وهذا ما قلته في تحقيقات لجنة أور".
ويخلص دهامشة إلى القول إن "الوضع اليوم لا يختلف كثيراً عن السابق، فهناك تصعيد من الشرطة بشكل عام ضد المواطنين العرب، باستخدام العنف، ومنذ أكتوبر 2000 سقط 53 شهيداً من أبناء الداخل الفلسطيني حتى الآن".
أما المؤرخ الفلسطيني مصطفى كبها، فيسرد في حديثه لـ"العربي الجديد"، قراءة تاريخية. ويشير إلى أن "هبة القدس والأقصى والانتفاضة الثانية، تُشكّل بلا شك حدثاً مفصلياً بالغ الأهمية، سواء على مستوى المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، أم على مستوى الشعب الفلسطيني بشكل عام".
ويوضح أنه "لم يكن هذا الحدث عابراً، فعلى مستوى العلاقة بين جمهور الأغلبية اليهودية والأقلية العربية، وصلت الأمور إلى شرخٍ كبير لم تبلغه من قبل، بسبب جملة من التراكمات، الناتجة عن مسّ مؤسسات الدولة وأذرعها بوترين حساسين، وهما قضية الأرض وقضية القدس والأقصى وسائر المقدسات الإسلامية والمسيحية، كأراضي الروحة، وأم السحالي، والنقب، وقضية الاعتداءات المتكررة على المقدسات".
ويلفت كبها إلى أنه "كان لاستشهاد 13 شاباً في أكتوبر 2000، و38 شاباً آخر، منذ ذلك التاريخ لغاية اليوم، بالغ الأثر بتردّي العلاقات بين جمهور الأغلبية (اليهودية) وجمهور الأقلية (الفلسطينية). وغذّى ذلك عملية الانزياح الهائلة التي حدثت في أوساط جمهور الأغلبية اليهودية نحو اليمين والتطرف، وشروع أحزاب اليمين بسنّ قوانين من شأنها النيل من حقوق المواطنة للمواطنين العرب الفلسطينيين في الدولة. فضلاً عن تفشي الخطاب اليميني الراديكالي المعادي للعرب، والهادف إلى نزع شرعية وجودهم ومواطنتهم وحقوقهم القومية والثقافية".
من جهته، يلفت مدير البرامج البحثية في "مدى الكرمل" في حيفا، مطانس شحادة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لم تعتزم تطبيق أي من توصيات لجنة أور في ما يختص بإنهاء التمييز تجاه المواطنين العرب في إسرائيل، أو فتح صفحة جديدة، تُراجع فيها السياسات المنتهجة تجاهم".
اقرأ أيضاً: توسيع قنص العرب في النقب... مخطط إسرائيلي جديد لتهجيرهم؟
كما تحلّ الذكرى بعد أيام من إعلان حكومة الاحتلال تعديل أوامر إطلاق النار حتى باتجاه المتظاهرين في الداخل الفلسطيني، وسط تباين التقييمات للحالة السائدة في صفوف فلسطينيي الداخل وأحزابهم السياسية، من حيث استخلاص العبر وترشيد العمل الوطني والسياسي، رغم توصل الأحزاب المشاركة في الكنيست لتحالف ضمن القائمة المشتركة، إذ لا تزال أكبر هيئة ممثلة للفلسطينيين في الداخل، وهي "لجنة المتابعة العليا"، معطّلة.
وفي سياق مقاربة وتقييم الحالة وظروف وحدود العمل السياسي في الداخل، بالنظر إلى تجربة هبّة القدس المحتلة والأقصى، يقول المحاضر في العلوم السياسية في جامعة حيفا، مهند مصطفى، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك حاجة ملحّة لإعادة بناء لجنة المتابعة، وكلما كانت لجنة المتابعة متألقة، كلما تألق معها العمل السياسي، وازدادت ثقة الناس به. غير أنه يجب الاعتراف أن حال لجنة المتابعة هو نتاج مركّباتها، فإذا كان لدى تلك المركبات إرادة سياسية حقيقية، لا مجرد نوايا طيبة، فإن اللجنة تستطيع أن تؤدي دورها". ويصف مصطفى حال العمل السياسي الجماعي في السنوات الأخيرة، بـ"الأسوأ منذ السبعينات، لغياب الإرادة السياسية الحقيقية، بعيداً عن النوايا وخطابات العمل السياسي الجماعي وبناء لجنة المتابعة".
اقرأ أيضاً: تسريب أملاك المقدسيين..سماسرة يسهلون مهمة الاحتلال في تهويد المدينة
ويضيف غطاس أنه "قد رأينا في التظاهرات والأعمال الاحتجاجية الأخيرة في الداخل، وحتى في القدس، استعدادات هائلة من الشرطة لقمع وتفريق التظاهرات. ويظهر أن الهدف الواضح كان تكثيف التنكيل والردع، وقامت الشرطة في هذا الصدد باستخدام أسلوب جديد، وهو الاعتقال العنيف المرافق بالضرب والتنكيل بكثافة، لكل من يشارك في التظاهرات، بهدف تخويف واستنزاف الأهل والمنظمات الجماهيرية في المحاكم والمتابعات القانونية".
ويتابع: "ظهر ذلك بامتناع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ أكتوبر 2000، عن تطبيق توصيات لجنة التحقيق الرسمية (لجنة أور)، التي شُكّلت بعد ضغوط الفلسطينيين في الداخل، وترأسها القاضي ثيودور أور". كما يؤكد غطاس أن "إسرائيل لم تُطبّق أياً من توصيات لجنة التحقيق الرسمية، تحديداً في مجال الحقوق المدنية. بل على العكس ازدادت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بالعرب سوءاً، ولم يطرأ أي تغيير يُذكر خلال العام ونصف العام الأخير على البنى السياسية داخل المجتمع الفلسطيني، لا بل تآكل موقع المؤسسات الوطنية ونفوذها".
وفيما يرى البعض أن "القائمة المشتركة" جاءت لاعتبارات ضمان تمثيل العرب في الكنيست، فإن غطاس يعتبر هذه الخطوة بأنها "تغيير استراتيجي كبير، من الممكن أن تكون له تأثيراته الكبيرة على البدء في مسيرة إعادة بناء المؤسسات الوطنية القومية على طريق بناء أرضية صلبة ومتينة للوجود الفلسطيني في الداخل، وهذه هي أهم عِبر هبّة القدس والأقصى".
ويوضح دهامشة ما يُمكن اعتباره ملخص تجربة في العمل السياسي داخل فلسطين المحتلة عام 1948، إذ يقول عن أسباب توجيه الإنذار له بإنها "تعود لتصريحه بأن إسرائيل علّمتنا أنه إذا لم يسِل دم على الأرض لن نحصل على شيء. وهذه سياسة إسرائيل من عام 1948 حتى اليوم. وهذا ما قلته في تحقيقات لجنة أور".
ويخلص دهامشة إلى القول إن "الوضع اليوم لا يختلف كثيراً عن السابق، فهناك تصعيد من الشرطة بشكل عام ضد المواطنين العرب، باستخدام العنف، ومنذ أكتوبر 2000 سقط 53 شهيداً من أبناء الداخل الفلسطيني حتى الآن".
أما المؤرخ الفلسطيني مصطفى كبها، فيسرد في حديثه لـ"العربي الجديد"، قراءة تاريخية. ويشير إلى أن "هبة القدس والأقصى والانتفاضة الثانية، تُشكّل بلا شك حدثاً مفصلياً بالغ الأهمية، سواء على مستوى المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، أم على مستوى الشعب الفلسطيني بشكل عام".
ويوضح أنه "لم يكن هذا الحدث عابراً، فعلى مستوى العلاقة بين جمهور الأغلبية اليهودية والأقلية العربية، وصلت الأمور إلى شرخٍ كبير لم تبلغه من قبل، بسبب جملة من التراكمات، الناتجة عن مسّ مؤسسات الدولة وأذرعها بوترين حساسين، وهما قضية الأرض وقضية القدس والأقصى وسائر المقدسات الإسلامية والمسيحية، كأراضي الروحة، وأم السحالي، والنقب، وقضية الاعتداءات المتكررة على المقدسات".
ويلفت كبها إلى أنه "كان لاستشهاد 13 شاباً في أكتوبر 2000، و38 شاباً آخر، منذ ذلك التاريخ لغاية اليوم، بالغ الأثر بتردّي العلاقات بين جمهور الأغلبية (اليهودية) وجمهور الأقلية (الفلسطينية). وغذّى ذلك عملية الانزياح الهائلة التي حدثت في أوساط جمهور الأغلبية اليهودية نحو اليمين والتطرف، وشروع أحزاب اليمين بسنّ قوانين من شأنها النيل من حقوق المواطنة للمواطنين العرب الفلسطينيين في الدولة. فضلاً عن تفشي الخطاب اليميني الراديكالي المعادي للعرب، والهادف إلى نزع شرعية وجودهم ومواطنتهم وحقوقهم القومية والثقافية".
من جهته، يلفت مدير البرامج البحثية في "مدى الكرمل" في حيفا، مطانس شحادة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لم تعتزم تطبيق أي من توصيات لجنة أور في ما يختص بإنهاء التمييز تجاه المواطنين العرب في إسرائيل، أو فتح صفحة جديدة، تُراجع فيها السياسات المنتهجة تجاهم".
اقرأ أيضاً: توسيع قنص العرب في النقب... مخطط إسرائيلي جديد لتهجيرهم؟