كشف بحث علمي أنجزته جامعة تونس أن القدرة الشرائية للتونسيين تتآكل سنويا بنسبة 10%، وهو ما أدى إلى فقدان التونسيين أكثر من 40% من إمكانياتهم، بسبب ارتفاع الأسعار، ونسب التضخم.
وأبرزت الدراسة ذاتها أن الطبقة المتوسطة هي الأكثر استهدافا بهذا الانخفاض، الأمر الذي تسبب في تراجع تصنيف هذه الطبقة ضمن تركيبة المجتمع التونسي من 80 إلى 67%، خلال السنوات الأربع الماضية، ما يعني أن 17.5% من الطبقة المتوسطة في تونس انحدروا فعليا إلى تعداد الفقراء منذ 2012.
وتشكل الطبقة الوسطى إلى حدود السنوات العشر الأخيرة، القسم الأكبر من تركيبة المجتمع التونسي، وتضم أساسا موظفي الدولة والإطارات الوسطى (خريجي الجامعات)، بالإضافة إلى متوسطي التجار والصناعيين.
وحاولت السلطات التونسية، منذ الاستقلال، تعزيز مكانة هذه الطبقة والمحافظة عليها، معتبرة أن سر توازن المجتمع التونسي يكمن في تقارب مستوى المعيشة بين مختلف شرائح الشعب.
وعرف الهرم المجتمعي، في السنوات الخمس الأخيرة، نوعا من الاهتراء، نتيجة ظهور طبقات جديدة من الأغنياء ممن قفزوا فجأة إلى مرتبة أصحاب الحسابات المتضخمة، مقابل ارتفاع غير مسبوق أيضا في نسبة الفقراء، حيث باتت نسبة الفقر تتجاوز 21% وفق إحصائيات رسمية.
ويفسر حسن الزرقوني، الرئيس المدير العام لمؤسسة الإحصاء الخاصة (سيقما كونساي)، تآكل الطبقة الوسطى، بأن من يحصلون على أجر في حدود الألف دينار (500 دولار) باتوا يعانون ضغوطات مادية كبيرة، بسبب ارتفاع كلفة المعيشة ونفقات السكن بدرجة أولى، لافتا إلى أن هذه القيمة كانت في السنوات الأخيرة تعد من الرواتب المرتفعة نسبيا، وهو تقريبا معدل أجور 40% من الموظفين.
وقال الرزقوني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن انتشال الطبقة الوسطى من الفقر يتطلب معالجة اقتصادية متكاملة، وزيادة في نسب النمو، بالإضافة إلى كبح جماح الأسعار لمدة 3 سنوات على الأقل، وفق تقديره.
وأعلن المصرف المركزي، الأسبوع الماضي، في بيانات حديثة، أن نسبة التضخم حافظت، خلال سنة 2015، على المعدل نفسه المسجل في سنة 2014، أي 4.9%.
وقد شهدت نسبة التضخم لكل من المواد الغذائية والمواد المعملية انخفاضا في نموها الذي سجل نحو 5.2% و4.8% على التوالي، مقابل 5.4% و5.2% خلال سنة 2014، بينما سجلت نسبة تضخم الخدمات تسارعا في تطورها لترتفع من 4.2% إلى 4.6%.
فيما بلغت نسبة التضخم دون المواد الإنشائية والغذائية الطازجة 5.3% خلال سنة 2015، لتبقى بذلك في مستوياتها المرتفعة المسجّلة خلال سنتي 2013 و2014، والتي بلغت على التوالي 5.5% و5.4%.
اقرأ أيضاً: احتجاجات واسعة في تونس ضد الفقر والبطالة
من جانبه، أوضح المدير العام للمعهد الوطني للاستهلاك، طارق بن جازية، في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء "وات"، أمس، أن الطبقة الوسطى ميزة المجتمع التونسي وإحدى أهم عوامل الاستقرار في البلاد، مؤكدا تآكلها لتتراجع من 80 إلى 67% من السكان في السنوات الأربع الماضية، وفق البحث الذي قام به المعهد الوطني للاستهلاك، وهي ذات النتائج التي توصلت إليها دراسة جامعة تونس.
وبين بن جازية أن شريحة واسعة من الطبقة الوسطى قد التحقت بالطبقة الأكثر عوزا، فيما باتت شريحة أخرى منها تنتمي إلى طبقة الأثرياء الجدد، والتي يصفهم العديد من المختصون بـ"أثرياء الثورة".
ويفسر خبراء الاقتصاد ظهور طبقة جديدة من الأثرياء بتفاقم الأنشطة الاقتصادية الموازية، والتحاق عدد كبير من التجار ممن كانوا يعملون في المسالك المنظمة بشبكات التهريب، ولا سيما تهريب المواد الإلكترونية والسجائر والسلاح بدرجة أقل.
وشهد الاقتصاد الموازي، منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، توسعا غير مسبوق، حيث بات يستأثر بأكثر من 52% من النشاط الاقتصادي.
ودعا صندوق البنك الدولي، في تقرير أصدره في مايو/أيار الماضي، إلى ضرورة الحد من تفاقم النشاط غير الرسمي، مما دعا الحكومة إلى إعداد خطة لمكافحة التهريب والنزول بالاقتصاد الموازي إلى 20% من حجم الاقتصاد المحلي بحلول عام 2020.
ويعتقد رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، سليم سعد الله، أنه بات من الصعب بمكان التحكم في ارتفاع أسعار المنتجات الاستهلاكية بعد 14 يناير/كانون الثاني 2011، وهي الفترة التي تتسم بمعطى اقتصادي واجتماعي وأمني جديد".
وأثبتت دراسة لمرصد "ايلاف" لحماية المستهلك، أن نسبة 60% أو أكثر من العمال يستوفون أجورهم مع حلول اليوم الثامن من كل شهر.
وتتجلى هذه الظاهرة خاصة من خلال العدد المذهل للحسابات الجارية التابعة للأسر في البنوك والتي تشكو عجزا رفع مديونيتها إلى البنوك لنحو 8 مليارات دينار (4 مليارات دولار)، توجه نحو 60% منها إلى الاستهلاك.
وسعت الحكومات التونسية بعد الثورة إلى محاصرة تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، عبر صرف زيادات ومنح جديدة في الرواتب. غير أن هذه الحلول أدت، حسب خبراء اقتصاديين، إلى مفعول عكسي، باعتبار أن الرفع في الأجور ساهم في التشجيع على الاستهلاك ورفع نسب التضخم.
ودخل الاقتصاد التونسي، منذ مارس/آذار الماضي في مرحلة الانكماش، ويتوقع أن يحقق العام الجاري نسبة نمو في حدود 2.5 % على أقصى تقدير.
اقرأ أيضاً:
الشباب والشياب في الوطن العربي
النقابات التونسية تنتقد سياسة الحكومة في تسكين الاحتجاجات