لا تسعى جردة عام 2014 لإنتاجات السينما العربية وأبرز المحطات التي شهدتها، إلى المضي خلف شبّاك التذاكر، الذي لا يمكنه أن يكون حاضراً إلا في مصر بوصفها البلد العربي الوحيد الذي يمتلك صناعة سينمائية رغم كل ما تواجهه من تحديات ومتغيرات، بل التركيز على "السينما المستقلة"، بوصف السينما العربية عموماً "مستقلة" وفي حالات أخرى مدعومة حكومياً، كونها لا تتبع حركة شبّاك التذاكر والعرض والطلب في ظل انعدام هذا الخيار خارج مصر. ولولا المهرجانات والتظاهرات السينمائية لما شاهدنا عدداً كبيراً من الأفلام العربية.
ويأتي المغرب، منذ بدايات الألفية الثانية، بعد مصر بعدد الأفلام المنتجة. وتشير إحصائيات "المركز السينمائي المغربي" إلى أن عدد رواد الأفلام المغربية في دور العرض المحلية زاد، في الأشهر التسعة الأولى من عام 2014، عن 400 ألف مشاهد، كما يمكن الحديث عن إنتاج 30 فيلماً روائياً طويلاً هذا العام، لعل من أبرزها فيلم هشام العسري "البحر من ورائكم"، وفيلم حسن بنجلون "القمر الأحمر"، وفيلم محمد مفتكر "جوق العميان"، وفيلم تالا حديد "إطار الليل"، و"حمى" لهشام عيوش.
على الصعيد المصري، وبعيداً عن الأفلام التجارية، ما زال ما يعرف بالسينما المصرية المستقلة حاضراً، وقد شاهدنا هذا العام جديد أحمد عبدالله، "ديكور"، ليكون رابع أفلامه الروائية الطويلة بعد أن قدّم العام الماضي "فرش وغطا".
كذلك الأمر بالنسبة لإبراهيم البطوط وجديده "القط"، الذي يأتي بعد أن قدّم عام 2012 "الشتا اللي فات"، وكلا الفيلمين من بطولة عمرو واكد وإنتاجه. وقد شهد هذا العام عودة مخرج بحجم داود عبد السيد ليقدم جديده "قدرات غير عادية" بعد مرور أربع سنوات على آخر أفلامه "رسائل البحر".
ولعل الحدث الأبرز في السينما المصرية هذا العام هو انعقاد الدورة الـ36 من "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" بعد أن غاب العام الماضي، برئاسة الناقد المصري سمير فريد الذي ما أن انتهت هذه الدورة التي وصفت بالناجحة حتى استقال من منصبه.
وفي تتبع لأبرز الأفلام العربية التي حققت حضوراً عالمياً في هذا العام، يبرز على الفور فيلم المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو "تمبكتو" الذي اختير للمشاركة في المسابقة الرسمية في الدورة 67 من "مهرجان كان السينمائي"، ووصل القائمة قبل النهائية للأفلام المرشحة لأوسكار أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية لهذا العام.
وعُرض أيضاً فيلم "ماء الفضة" للمخرجين السوريين وئام بدرخان وأسامة محمد ضمن البرنامج الرسمي في دورة "كان" ذاتها، وقد نال جائزة "غريرسون" لأفضل فيلم وثائقي في "مهرجان لندن السينمائي". كما حصد الفيلم الأردني "ذيب" للمخرج ناجي أبو نوار في أولى تجاربه الروائية الطويلة العديد من الجوائز العربية والدولية بما فيها جائزة آفاق "أوريزنتي" في "مهرجان فينيسيا الدولي".
وفاز الفيلم الوثائقي "على إيقاع الأنتونوف" للمخرج السوداني هشام حجوج بجائزة الجمهور لأفضل فيلم وثائقي في الدورة الأخيرة من "مهرجان تورنتو السينمائي".
أفلام كثيرة يمكن الحديث عنها في هذه السنة السينمائية التي نودعها. إنها أفلام لا تنفصل عن الواقع العربي، وهي في نسبة كبيرة منها على اتصال بالراهن والموضوعات الساخنة، في مسعى منها أن تقدم رواية موازية للأحداث والوقائع التي يشهدها العالم العربي.
ولعل السمة الإنتاجية الأبرز التي تجتمع عليها هذه الأفلام تكمن في الإنتاج المشترك سواء العربي- العربي أو العربي - الأجنبي، في ظل تنامي الدور الذي تلعبه في هذا السياق جهات خليجية إنتاجية، مثلما هو الحال بالنسبة لـ"مؤسسة الدوحة للأفلام"، وبرنامج "إنجاز" في "مهرجان دبي السينمائي الدولي"، وصندوق "سند" التابع لـ"مهرجان أبوظبي السينمائي"، وجميعها مخصصة لدعم السينما العربية.
ومن أبرز ما شهدته منطقة الخليج هذا العام هو إنتاج ثلاثة أفلام روائية طويلة هامة، هي فيلم البحريني محمد راشد بوعلي "الشجرة النائمة"، إنتاج بحريني إماراتي، وفيلما الإماراتيين وليد الشحي "دلافين" وعلي مصطفى "من ألف إلى باء"، وكلاهما من إنتاج إماراتي.
يضاف إليهما فيلمان وثائقيان للمخرجة الإماراتية نجوم الغانم، الأول "سماء قريبة" (الفائز بجائزة أفضل وثائقي في الدورة 11 من "دبي السينمائي") والثاني "صوت البحر"، وكذلك التجربة الروائية الطويلة الأولى لمخرجة الأفلام الوثائقية اليمنية خديجة السلامي "أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة" الذي فاز بجائزة أفضل فيلم روائي طويل في "دبي السينمائي".
وإن كان لنا أن نقارب السينما الفلسطينية لهذا العام، فإنها سنة الأفلام الوثائقية. بعد أن قدّم رشيد مشهراوي العام الماضي فيلماً روائياً بعنوان "فلسطين ستريو"، فإن جديده هذا العام كان وثائقياً بعنوان "رسائل من اليرموك". كما تحضر وثائقيات فلسطينية بارزة أخرى مثل "روشميا" لسليم أبو جيل، و"قهوة لكل الأمم" لوفاء جميل، و"المطلوبون الـ18" لعامر الشوملي. وانحصر الروائي بفيلم نجوى نجار "عيون الحرامية"، وتجربة روائية طويلة أولى لخليل المزين بعنوان "سارة 2014".
هيمنة الوثائقي أيضاً كانت شبه كاملة على صعيد السينما السورية، في أفلام اجتمعت على توثيق المأساة السورية من جوانب متعددة وتنويعات مختلفة، كما هو فيلم "مسكون" للواء يازجي، و"من غرفتي" لحازم حموي، و"العودة إلى حمص" لطلال ديركي (الفائز بجائزة لجنة التحكيم للأفلام الوثائقية الدولية في "مهرجان صندانس السينمائي")، و"ملكات سورية" لياسمين فضة. ولعل الإنتاج الروائي كان مقتصراً على إنتاجات "المؤسسة العامة للسينما" الحكومية.
بينما اقتصر إنتاج الأفلام اللبنانية على ثلاثة أفلام وثائقية هي "لي قبور على هذه الأرض" لرين متري، و"يوميات كلب طائر" لباسم فياض، و"هوم سويت هوم" لنادين نعوس، مع فيلم روائي وحيد لأحد أبرز المخرجين اللبنانيين، وهو غسان سلهب وفيلمه "الوادي".
ومن أبرز إنتاجات السينما التونسية كان فيلم "بيدون 2" لجيلاني السعدي الذي كان الفيلم التونسي الوحيد المتنافس في مسابقة "أيام قرطاج السينمائية". بينما برز من الإنتاجات الجزائرية لهذا العام جديد فيلم لياس سالم "الوهراني" الذي عُرف بفيلمه "مسخرة" 2008، كما قدم المخرج ياسين محمد بن الحاج أولى تجاربه الروائية الطويلة بعنوان "راني ميت".
وحضر عراقياً، هذا العام، الفيلم الوثائقي "الأوديسة العراقية" للمخرج سمير، وفيلم "صمت الراعي" لرعد مشتت، وجديد شوكت أمين كوركي "ذكريات منقوشة على حجر"، بينما قدّم النرويجي/ العراقي هشام زمان ثاني أفلامه "رسالة إلى الملك".