انتخابات على أنغام عنصرية
وكانت بداية الأحداث الإسرائيلية يسيطر عليها هاجس فشل العدوان. وبدأ العام باتفاق مسبق في ديسمبر/كانون الأول 2014، على حل الحكومة والاتجاه نحو انتخابات جديدة، بفعل عدم التجانس الذي ساد في حكومة بنيامين نتنياهو الثالثة، والتجاذب والاستقطاب بين مواقف حزب تسيبي ليفني (هتنوعاه) وحزب "ييش عتيد" (يوجد مستقبل) بقيادة يئير لبيد من الوسط، ومواقف الشركاء في أقصى اليمين، بدءاً من حزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة أفيغدور ليبرمان، وحزب "البيت اليهودي" بقيادة نفتالي بينت، وصولاً إلى حزب "الليكود" برئاسة نتنياهو.
ووظف نتنياهو جرائم الحرب على غزة وقتل آلاف الفلسطينيين واتهام السلطة الفلسطينية بدعم الإرهاب، إلى جانب حملات تحريض عنصرية مسمومة ضدّ الفلسطينيين في الداخل، لضمان عودته للحكم وتحقيق أكبر عدد ممكن من المقاعد لحزب "الليكود"، وإن جاء ذلك على حساب شركائه في اليمين، معلناً مسبقاً أن أحزاب الحريديم واليمين المتطرف هم شركاؤه الطبيعيون في الحكومة المقبلة.
وتمكن نتنياهو بفعل دعايته العنصرية التي رافقتها مضامين فاشية جاءت بالأساس من أحزاب اليمين المرافقة له، من الفوز بأكبر عدد من المقاعد، خصوصاً بعد دعوته للناخبين اليهود يوم الانتخابات في 17 مارس/آذار 2015 بالخروج للتصويت بحجة أن جمعيات اليسار وأحزاب العرب تنقل "جماهير العرب بالحافلات وبكميات كبيرة للتصويت، وبالتالي فإن فرص عودة اليمين للحكم باتت في خطر".
فزّاعتا إيران و"داعش"
وخلال الربع الأول من العام 2015، عمل نتنياهو بخطة متوازية للتوغل في الاستيطان، وضرب المقاومة الفلسطينية من جهة، وتوظيف" الخطر الإيراني" من جهة ثانية، واستغلال خطر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سياسته الدعائية، حتى في الحرب التي شنّها ضد الإدارة الأميركية والرئيس باراك أوباما على خلفية المفاوضات النووية مع إيران. وبلغت حملة نتنياهو أوجها عندما أصرّ على إلقاء خطاب أمام الكونغرس الأميركي بتنسيق وثيق مع الحزب الجمهوري، خلافاً للعرف الدبلوماسي. وألقى نتنياهو خطابه في الثالث من مارس/آذار، أي قبل أقل من أسبوعين على الانتخابات الإسرائيلية ضارباً عرض الحائط باحتجاجات المعارضة الإسرائيلية.
وبعد إقرار الاتفاق الدولي مع إيران، عمل نتنياهو على الطعن في الاتفاق، معتبراً أنه لا يحمل ضمانات أكيدة لجهة وفاء إيران بالتزاماتها، ويفتقر لأي إشارة لترسانة إيران الصاروخية. لكن سياسته في هذا الإطار جلبت عليه الانتقادات الداخلية، إذ إنها فشلت في منع الاتفاق أو في التأثير على بنوده.
وعلى مدار العام حمل نتنياهو خطاب التهويل من "داعش"، ووظف خطر "داعش" بشكل سعى من ورائه إلى تشويه المقاومة الفلسطينية ووصفها بالإرهاب. وظهر ذلك خصوصاً بعد اعتداءات "شارلي إيبدو" وباريس.
الحكومة الأكثر تطرفاً
وعلى الرغم من أن حكومة نتنياهو الرابعة، التي شكّلها بعد الانتخابات تتمتع فقط بتأييد 61 عضو كنيست، مع بقاء ليبرمان خارج الحكومة، إلا أن التجانس السياسي لحكومته، الأكثر تطرفاً في إسرائيل لجهة كونها حكومة تطرف قومي وديني، وفر له عاماً كاملاً من حرية العمل السياسي وتمرير كل مخططاته دون أن يواجه بمعارضة حقيقية أو تواجه حكومته خطراً يهدد بقاءها.
تمادي الجرائم الإرهابية
شهد النصف الثاني من العام 2015، ومع مطلع يونيو/حزيران، تصعيداً كبيراً في نشاط الجماعات الإرهابية المسماة "جباية الثمن"، بدءاً من إحراق كنيسة الطابغة قرب بحيرة طبريا والمعروفة باسم كنيسة عجيبة السمك والخبز، مروراً بعشرات الاعتداءات المشابهة التي نفذها عناصر "جباية الثمن" ضد ممتلكات الفلسطينيين وقراهم في الضفة الغربية تحت حماية جنود الاحتلال، الذين كانوا في أحيان كثيرة يوفرون الحماية وطريق الفرار لعناصر هذه المجموعات.
وحدث التحول الرئيسي مع ارتكاب محرقة عائلة أسعد الدوابشة وقتل الطفل علي الدوابشة ووالده ووالدته حرقاً، حتى بدأت حكومة الاحتلال بالتحرك، والإعلان عن تحقيقات متواصلة والكشف "عن تنظيم يدعى تمرد" يقوده حفيد الراباي الأميركي الفاشي، مئير كهانا. وادعت إسرائيل بعد فترة قصيرة، وعلى لسان وزير الأمن موشيه يعالون أنها تعرف هوية المجرمين لكنها تمتنع عن اعتقالهم خوفاً من الكشف عن مصدر استخباراتي لها، إلا أن التطورات اللاحقة اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى شنّ اعتقالات داخل صفوف ناشطين من اليمين المتطرف تحت مسمى "فتية التلال" والادعاء بأنهم ينتمون لهوامش المجتمع الاستيطاني في الضفة الغربية.
اقرأ أيضاً: التنصّل من "فتية التلال": تقاطع مصالح الشاباك والمستوطنين
وبعد التحقيقات المختلفة بدءاً من أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وما تبعها من اتهامات صادرة عن جمهور المستوطنين خصوصاً كبار الحاخامات، بأن الشاباك يعذب الفتية اليهود، اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى الكشف عن شريط لأحد الأعراس في المستوطنات يظهر فيه المحتفلون وهم يرفعون السكاكين والبنادق ويغرسون خناجرهم في صور الطفل علي الدوابشة، حاولت حكومة الاحتلال ومعها زعيم التيار الديني الصهيوني نفتالي بينت، النأي عن تلك التصرفات العنصرية واعتبار مرتكبي جريمة الدوابشة إرهابيين.
وفي خط دعائي جديد، عمل نتنياهو على تبرئة ساحة المستوطنين وحاخاماتهم من المسؤولية عن بث روح الفاشية والقتل، وحصر كل الجرائم بمجموعة لا تتعدى العشرات، من جهة، وتوظيف اعتقال هؤلاء والتلويح بمحاكمتهم في تحسين صورة الاحتلال ثم اتهام السلطة الفلسطينية نفسها بالإرهاب
تكريس تقسيم الأقصى
منذ أواسط الصيف، كثفت إسرائيل بشكل بارز من مخططات تكريس تقسيم زماني ومكاني للمسجد الأقصى، عبر تكثيف عمليات إدخال عشرات المستوطنين وفي المقدّمة يهودا غليك والوزير أوري أريئيل ومرافقين لهم تحت حراسة ثقيلة، لباحات وساحات المسجد الأقصى، مقابل تضييق الخناق على نشاط الفلسطينيين في الحرم القدسي.
وصل إلى حدّ منع وإخراج حركتي المرابطين والمرابطات عن القانون، ثم حظر عمل الحركة الإسلامية الشمالية، بقيادة الشيخ رائد صلاح، وإغلاق نحو عشرين جمعية خيرية تابعة لها. وادعى نتنياهو في خطابه في 22 أكتوبر/تشرين الأول، مع افتتاح الدورة الشتوية للكنيست أن الحركة الإسلامية وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، وحركة "حماس" مسؤولة عما سماه بالتحريض على العنف وبث "شائعات كاذبة" عن مخطط لتقسيم زماني ومكاني في الأقصى. وقال إنه طلب من المستشار القضائي للحكومة الشروع في تحقيق جنائي ضد النائب حنين زعبي بسبب تصريحات لها مؤيدة للانتفاضة، مضيفاً أن لا مكان لها في الكنيست. واتهم ألنواب العرب بأنهم يسيرون في التظاهرات وخلفهم رايات "داعش".
اقرأ أيضاً: رسائل حظر الحركة الإسلامية... الاحتلال ينتقم لفشله بمواجهة الانتفاضة
إعدامات ميدانية
وأطلقت سلطات الاحتلال بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في مطلع أكتوبر/تشرين الأول يد جنودها في تنفيذ سياسة إعدامات ميدانية، كان أول من سقط فيها الشهيد فادي علون، واصطف وزراء الحكومة وراء مقولة وجوب قتل وإعدام كل من يحاول من الفلسطينيين تنفيذ عملية ضد قوات الاحتلال. وبموازاة سياسة الإعدامات، حولت حكومة الاحتلال أحياء القدس المحتلة إلى معازل عرقية و"غيتوهات"، نصبت على حدودها حواجز عسكرية وأبقت لكل حي أو قرية فلسطينية مخرجاً واحداً، وذلك في محاولة لضبط الانتفاضة وكسرها.