أصبحت إحالة نحو 54 مليون مواطن مصري إلى النيابة العامة، مجالاً لحديث المواطنين في الشارع والمواصلات العامة، وداخل المنازل وفي المقاهي وبين الأصدقاء، وذلك لدفع غرامة تناهز 500 جنيه لمن يحق لهم التصويت، لعدم التوجه إلى صناديق الاقتراع في انتخابات مجلس الشيوخ التي جرت يومي 11 و12 أغسطس/آب الجاري.
ووصل الأمر بين المواطنين إلى حرمان صاحب "بطاقة التموين" الذي لم يدلِ بصوته من مستحقاته التموينية الشهرية، إضافة إلى قيام اللجان الأمنية بالمرتكزات الأمنية الثابتة، بفحص المركبات التي يستقلها المواطنون والكشف عنهم من خلال بطاقة الرقم القومي، وتغريم من لم يدلِ بصوته في تلك الانتخابات.
وأدت تلك الأخبار المتداولة، إلى حالة من التهكم والانتقادات الشديدة والسخرية من قبل المواطنين على الحكومة، ورأى البعض أنها رسالة إلى رأس النظام برفض تلك الانتخابات، بينما عبّر آخرون عن أن نتائج الانتخابات سواء النيابية أو الرئاسية أو الاستفتاء، نتائجها معروفة مسبقاً من قبل الجميع.
وبالتالي، لا داعي لأصواتهم أو التوجه إلى صناديق الاقتراع، والاكتفاء بالوجود في منازلهم أو أعمالهم، فيما أجريت انتخابات "الشيوخ"، وهو المجلس الذي كان يطلق عليه سابقاً "الشورى" الغرفة الثانية للبرلمان المصري، بعد غياب دام لنحو 6 سنوات، ورفض تام من قبل الأحزاب السياسية والقوى الشعبية، مؤكدين أن وجود الغرفة الثانية هو المزيد من الفساد المالي والإداري.
واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالسخرية، بعد قرار الهيئة الوطنية للانتخابات إحالة جميع الناخبين الذين تخلفوا عن التصويت في الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ، إلى النيابة العامة، وترجع السخرية إلى أن عدد الذين قاطعوا الانتخابات يصل إلى نحو 54 مليون مصري، وفقا للنتائج التي أعلنها رئيس لجنة الانتخابات المستشار لاشين ابراهيم نفسه، بأن إجمالي المقيدين في جداول الانتخابات يقترب من 63 مليون مصري، وأن من شاركوا فيها هم أقل من 9 ملايين، بينهم نحو 7.6 ملايين صوت صحيح ونحو 1.4 مليون صوت باطل.
وتجمعت أسباب عديدة وراء عدم المشاركة في هذه الانتخابات، في مقدمتها عدم اقتناع المصريين بجدوى مجلس الشيوخ الذي لا يمتلك اختصاصات تشريعية، إضافة إلى شعور الكثيرين بأن أصواتهم لا قيمة لها منذ الانقلاب العسكري الذين نفذه الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي عندما كان وزيرا للدفاع في يوليو/تموز 2013، وأطاح فيه بالرئيس محمد مرسي الذي كان أول رئيس مدني منتخب في التاريخ الحديث لمصر.
ووفقا للقانون الذي لم يسبق تطبيقه في أي انتخابات سابقة، فإنه يحق للنيابة تغريم المتخلف عن التصويت مبلغا يصل إلى 500 جنيه مصري، وفي حال تطبيق القانون، سيتم جمع نحو 25 مليار جنيه، وهو ما يعد "سبوبة" جديدة يسعى لها النظام المصري لإيداع تلك الأموال في صندوق "تحيا مصر" وهو الصندوق الموازي للاقتصاد الحكومي الرسمي.
ويؤكد الخبير القانوني المصري الدكتور شوقي السيد في تصريحات له، أن تلك الغرامات لم يسبق توقيعها في أي انتخابات ماضية على المتخلفين عن التصويت، وأنه خلال عمله بالقضاء في الخمسينيات كان يتم توزيع محاضر تحصر فيها أسماء المتخلفين عن التصويت، إلا أنه لم يتم تحريكها أو توقيع غرامات على المخالفين فيها.
لكنه أضاف أن الهيئة الوطنية للانتخابات ملتزمة بتطبيق أحكام القانون ولا تملك خيار عدم تنفيذه، فقانون مباشرة الحقوق السياسية ينص على أن الانتخاب حق وواجب وفقا للدستور الذي يكلف المواطنين بممارسة حق التصويت، ويعاقب من تخلف عن التصويت بغير عذر بعقوبة الغرامة وفقا لما نصت عليه المادة 57 من قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 45 لسنة 2014.
وأضاف السيد أن ذلك النص نصت عليه مختلف القوانين الانتخابية منذ القدم إلا أنه لم يكن يفعل، وتأتي التصريحات من باب التحذير والتهديد والتخويف، وهذا لا يصح، وإنما ينبغي على الهيئة وفقا لاختصاصاتها الواردة بقانون إنشائها أن تنبه المواطنين وتثقفهم بضرورة المشاركة السياسية والتصويت لا أن تخيفهم.