للمجندين الجزائريين دور كبير في الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، يغفلهم التاريخ في الكثير من المحطات، حتى في فرنسا لم ينالوا حيزاً من الاهتمام لفترة طويلة. الأمور تغيرت بعض الشيء في السنوات الأخيرة. في هذا الإطار، أوفد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الحكومة أحمد أويحيى، إلى العاصمة الفرنسية باريس، أمس السبت، للمشاركة في الاحتفال بمئوية نهاية الحرب العالمية الأولى، والتي شارك فيها مجندون جزائريون ضمن القوات الفرنسية، بسبب قانون الخدمة العسكرية والتجنيد الإجباري الذي سلّطته السلطات الاستعمارية على الجزائريين.
قبل سنتين من اندلاع الحرب العالمية الأولى، أقرّت سلطات الاستعمار الفرنسي في الجزائر الخدمة العسكرية الإلزامية بموجب مرسوم صدر في فبراير/شباط 1912. وحين اندلعت الحرب كانت فرنسا قد جنّدت الآلاف من الشباب الجزائري ونقلتهم إلى جبهات القتال، تحت إغراءات ووعود سياسية مختلفة في ما عُرف حينها بـ"الحقوق مقابل ضريبة الدم". وكشفت بعض الإحصائيات التاريخية، بينها ما نشره الكاتب جيلبير ميني، أن الحرب العالمية الأولى دفعت السلطات الفرنسية إلى إعلان التعبئة والتجنيد وإرسال أولى دفعات الجزائريين إلى الجبهة الفرنسية، وبلغ قوامهم في المجموع 175 ألف شاب جزائري، خصوصاً بعد صدور مراسيم التعبئة في سبتمبر/أيلول 1916. وشهدت الجزائر عام 1917 أكبر حملة تعبئة لتجنيد الجزائريين الذين انتظموا في كتائب كانت تسمى "المناوشون والصبايحية وزواوة الجزائريين". وشاركوا في كل المعارك، تحديداً معركة فردان الشهيرة في فرنسا. كما عمل نحو 27 ألف عامل جزائري في فرنسا في المصانع الحربية والذخيرة والدفاع الوطني.
بلغت خسائر الجزائريين في الحرب العالمية الأولى أكثر من 26 ألف قتيل، دُفنوا في المقبرة الوطنية لضحايا الحرب العالمية الأولى في منطقة دومون شرق فرنسا. ويمثل هؤلاء 14 في المائة من مجموع القتلى في صفوف الجيش الفرنسي. كما أصيب 72 ألف مجند جزائري. ومع أن الحكومة الفرنسية وعدت الجزائريين بالحقوق، وبمنح المجندين الجزائريين حق الترشح للمجالس البلدية والحصول على وظائف، إلا أنها تراجعت عن ذلك بعد نهاية الحرب. وفعلت الأمر عينه خلال الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). وفي عام 1962، قررت الحكومة الفرنسية تجميد رواتب الجنود الجزائريين الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى، رغم قيامها بمراجعة رواتب المحاربين الفرنسيّين بانتظام.
لكن ندبة الحرب العالمية الأولى بالنسبة للجزائريين لم تتوقف عند الضحايا والجرحى، إذ كان الآلاف من العائلات والشباب الجزائري قد اضطروا للفرار والهجرة إلى المغرب وسورية ودول الحجاز، هرباً من التجنيد الإجباري، ما نتج عنه تشتت عائلات جزائرية وتفكك روابطها الاجتماعية حتى الآن، ضمن مجمل كلفة الاستعمار التي ما زالت تعاني منها الجزائر.
قد تكون الملفات المتعلقة بمخلّفات الحرب العالمية الأولى بالنسبة للجزائر المستقلة، في علاقة بالممارسات الاستعمارية والتسلطية لفرنسا ضد الشعب الجزائري في تلك الفترة وما قبلها، أقل الملفات المطروحة للنقاش وجدل الذاكرة العالق بين الجزائر وفرنسا، مقارنة مع ملفات ما بعد مجازر نهاية الحرب العالمية الثانية، التي سقط ضحيتها 45 ألف جزائري في يوم واحد، لكن التاريخ السياسي للبلدين لا يغفل عن هذا الملف المأساوي.