الاحتقان الاجتماعي تترجمه ثلاث تظاهرات في فرنسا: "السترات الصفراء" والعمال و"لأجل المناخ"

21 سبتمبر 2019
متظاهرون يطالبون بتدابير تكافح التغير المناخي (فرانسوا غويلو/فرانس برس)
+ الخط -
تابع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم السبت، رغم مطالبته المحتجين والمتظاهرين، أمس الجمعة، بالهدوء لمناسبة "أيام التراث المفتوحة"، الحراك الجماهيري من قصر الإليزيه، الذي أغلق أبوابه أمام العموم في المناسبة، ولم يستقبل، لأسباب أمنية، سوى من قام بتسجيل مسبق. في حين كان يُفتَرَض أن تكون أبوابه مفتوحة أمام الجمهور في هذه المناسبة.

ولم يكن الإليزيه المقر الوحيد الذي فرض التسجيل المسبق للجمهور، وإنما تركز عناصر الشرطة أمام وداخل مجلس النواب، مخافة تسلل أعضاء من حركة "السترات الصفراء" أو "عصابات يسارية متطرفة وفوضوية" إلى هذه المراكز التي تمثل رموز الدولة والجمهورية. علماً أنّ مراكز أخرى، ومن بينها المتاحف، و"قوس النصر" ووزارات كالتربية الوطنية والتعليم، قررت بكل بساطة، إغلاق أبوابها تجنباً لكل طارئ لا تُحمَد عُقباه.

"السترات الصفراء" في أسبوعها الخامس والأربعين

دعت بعض صفحات "السترات الصفراء" على "فيسبوك" و"تويتر" إلى التظاهر في جادة الشانزيليزيه، مع إعلانها منطقة محظورة أمام المتظاهرين، ومعاقبة كل من يوجد فيها بغرامة تصل إلى 135 يورو (148.7 دولاراً). ورغم الحظر، استطاع العديد منهم الوصول إلى الجادة غير بعيد عن قوس النصر، ما دفع قوى الشرطة والدرك التي قدر عديدها بخمسة عناصر لكل متظاهر تقريباً، باستخدام الغازات المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين. كما ألقت القبض على بعضهم، وغرمّت بعضهم الآخر.

وحرص المتظاهرون بأغلبهم في الشانزيليزيه على عدم ارتداء السترات الصفراء، مخافة اعتقالهم بتهمة الوجود في منطقة يُحظَر فيها التظاهر، أو حتى "لا تخترق ظهورهم رصاصات الشرطة"، كما أكد كريستوف كوديك، أحد وجوه حراك "السترات الصفراء". ورفع المتظاهرون شعاراتهم ذاتها التي رددوها في هذه الجادة الشهيرة، ضد الرئيس ماكرون، ووزير داخليته كريستوف كاستانيير، وضد "العنف البوليسي".


ولم تكن مظاهرة "السترات الصفراء" الوحيدة التي شهدتها باريس، بل نظمت نقابة "قوة عمالية" مظاهرة حاشدة ضد إصلاح قانون التقاعد، وشارك فيها 15 ألف شخص، وفق إحصاء النقابة العمالية (بضعة آلاف وفق إحصاء الشرطة)، وكان حضور "السترات الصفراء" فيها كبيراً.

وجاءت هذه المظاهرة تنفيذاً لتوعد الأمين العام للنقابة إيف فيريي، بفعل كل شيء من أجل إفشال الإصلاح، في مسودته الحالية، على الأقل. وطلب فيريي من النقابيين والمتظاهرين أن يعتزوا بكونهم "أحراراً ومستقلين ومصممين".



صدامات في "المسيرة من أجل المناخ"

ولكن المظاهرة الثالثة، وهي "المسيرة من أجل المناخ"، شهدت بعض الصدامات بين قوى الأمن وعناصر متطرفة، وصفتهم الشرطة بأنهم "بلاك بلوك" ومتطرفو "السترات الصفراء"، وقدَّرتْهُم بألف عنصر تصدروا المظاهرة، وهاجموا الشرطة.



والطريف أنّ هذه المظاهرة التي انضم إليها كثيرون من "السترات الصفراء" شهدت شعارات مختلفة ومتباينة بين تلك الموجَّهة ضد الرئيس ماكرون و"العنف البوليسي" والرأسمالية، من طرف نشطاء "السترات الصفراء"، وبين شعارات النشطاء من أجل المناخ، الذين انتقدوا "ماكرون: ملوّث الأرض"، و"الملوّثون، وغير المسؤولين، حان وقتُ دفع الثمن"، والذين رفعوا صُوراً مقلوبةً للرئيس الفرنسي. وقدّرت إحصاءات مستقلة عدد المتظاهرين من أجل المناخ بأكثر من 15 ألف شخص.


وأشارت مديرية الأمن، في نوع من التهويل، إلى وجود ألف عنصر من جماعات "بلاك بلوك"، وهو ما تكذبه الوقائع، إلا أنّ الصدامات التي اندلعت، وتسببت ببعض الخسائر وتحطيم واجهات متاجر، سرعان ما خفت حدتها في المظاهرات، ما يعني أن تقديرات الشرطة خلطت بين الجماعات المتطرفة وبين عناصر من "السترات الصفراء" كانوا وما زالوا يرفضون المسار "القانوني" للمظاهرة الذي رسمته لها وزارة الداخلية، ومنها الإجراءات الاستباقية عبر تفتيش المتظاهرين، أو تغريم من يخالف قانون الإضراب وتعليمات محافَظَة الأمن. وحشدت الشرطة والدرك 7500 عنصر، وهو العدد الذي حشدته في عيد العمال، في الأول من مايو/ أيار 2019.


وبرَّرَ محافظ الأمن هذه التعبئة الاستثنائية بانشغال كثير من أفراد الشرطة في تأمين "أيام التراث المفتوحة"، ما يفسر الطابع القمعي والردعي للقوى الأمنية، بإيقاف أكثر من 160 شخصاً في حدود الساعة الرابعة بعد الظهر، وهو عدد مرشح للازدياد، ووضع 90 منهم تحت الاعتقال، وكذلك تغريم أكثر من 300 متظاهر بدعوى وجودهم في أماكن يُحظَر فيها التظاهُرُ.

وكانت الأوامر صارمة لأفراد الشرطة، وتقضي بالالتحام الفوري وتفريق كل جماعة، وهو ما فسّر سرعة إجلاء المتظاهرين من الشانزيليزيه، والعنف الذي واجهوا به مقدمة المظاهرة من أجل المناخ، الأمر الذي دفع جمعيات ومنظمات مثل "غرينبيس" و"شباب من أجل المناخ" إلى دعوة المتظاهرين لمغادرة الموكب بسبب العنف، واستخدام الغازات.