إلى أين تتجه أسواق النفط خلال العام المقبل 2015، ولماذا تخلت السعودية عن لعب دور" المنتج المرجِّح" الذي يدعم أسعار النفط في اللحظات الحرجة، وهل ستعود المملكة للعب هذا الدور في العام المقبل، هذه الأسئلة وغيرها باتت تؤرق مضاجع منتجي النفط ووسطاء وتجار البترول في أنحاء العالم.
لقد كان المنتجون والمضاربون في السابق، ينتظرون التصريحات الرسمية السعودية الخاصة بالسعر المستهدف الذي يتأرجح حوله السوق. لأنهم كانوا متأكدين من أن السعودية قادرة على تحقيق هذا السعر، عبر دور "المنتج المرجح"، وبالتالي كانت المملكة، بلعب هذا الدور، تجعل التنبؤ بمستويات الأسعار المتوقعة وتوجهات العرض والطلب في السوق العالمي سهلاً على الخبراء والمحللين النفطيين.
لكن خبراء نفط لاحظوا أن السعودية، ولأول مرة منذ ثمانينيات القرن العشرين، تخلت عن لعب هذا الدور، وتركت أسعار النفط تحددها قوى السوق التي يتصارع فيها العرض والطلب والمضاربات التي تنفّذها البنوك والتجار والوسطاء في أسواق العقود الآجلة ويشترون بموجبها "البراميل الوهمية" في كازينو المراهنات على حركة الأسعار صعوداً وهبوطاً.
لكن لماذا تخلت السعودية فجأة عن دور" المنتج المرجح"؟
الإجابة عن هذا السؤال، حسب خبراء نفط في لندن وأكاديميين، تكمن في أربعة عوامل رئيسية:
1- الفائض النفطي خارج "أوبك"
العامل الأول، يكمن في أن الفائض في السوق النفطي الذي يقدر بنحو مليوني برميل يومياً، لم يحدث بسبب زيادة إنتاج الدول الأعضاء في "أوبك" وإنما بسبب زيادة إنتاج الدول غير الأعضاء في المنظمة، وعلى رأسها الشركات المنتجة للنفط الصخري في أميركا وكندا ومنتجو النفط التقليدي في روسيا وأفريقيا.
وحسب خبراء نفط، فإن السعودية ليست لديها مصلحة في حماية مصالح هؤلاء المنتجين، وإذا واصلت المملكة لعب دور "المنتج المرجح" لدعم أسعار النفط في ظروف الفائض الحالية، فإنها ستتضرر من ناحيتين، فدعم الأسعار سيعني أن السعودية ستخفض إنتاجها، فيما سيواصل المنتجون من خارج "أوبك" زيادة الإنتاج وضخ براميل إضافية في الأسواق، لأن تحسن الأسعار سيساهم في دعم جدوى إنتاج مزيد من النفط من آبار النفط الصخري وآبار المياه العميقة، وبالتالي ستفقد السعودية جزءاً من حصتها في السوق لصالح هؤلاء المنتجين، كما سيخسر باقي الدول الأعضاء في "أوبك".
وتدريجياً ربما تعود الأسعار إلى الانخفاض بعد فترة وجيزة من ارتفاعها، لأن ما ستسحبه السعودية من فائض عبر خفض إنتاجها، سيضيفه المنتجون الآخرون خارج منظمة" أوبك".
وفي حال استمرار السعودية في لعب دور المنتج المرجح في ظل معادلات العرض والطلب الحالية، ربما تنتهي وباقي دول "أوبك" إلى فقدان جزء من حصتها في السوق لصالح آخرين وعدم تحقيق السعر المستهدف.
يذكر أن الطاقة الإنتاجية الكاملة للسعودية تصل إلى 12.6 مليون برميل يومياً، لكنها من الناحية الفعلية لم تنتج إلا 9.7 ملايين برميل يومياً خلال الأشهر الماضية.
وسبق للسعودية أن ضخت في السوق أكثر من عشرة ملايين برميل يومياً، وبالتالي فإن هذه الطاقة الفائضة هي التي تساعد المملكة في دعم الأسعار، وبالتالي فلدى السعودية طاقة فائضة تتراوح بين 2.4 وثلاثة ملايين برميل يومياً تحتفظ بها لوزن معادلة العرض والطلب.
2- كلفة الطاقة الفائضة
أما العامل الثاني: فهو الكلفة المرتفعة التي تتكبدها السعودية في لعب دور "المنتج المرجح"، إذ تنفق شركة الزيت العربية "أرامكو" مبالغ طائلة للاحتفاظ بالطاقة الإنتاجية الفائضة التي تستخدمها في لعب هذا الدور.
كما تدفع شركة "أرامكو" التي تدير صناعة النفط والغاز الطبيعي في السعودية مبالغ ضخمة لصيانة وإعداد وتجهيز الحقول المخصصة للطاقة الفائضة، حتى تتمكن من الإنتاج الفوري وفي أية لحظة، وبالتالي فإن المملكة ليست بحاجة للعب هذا الدور الذي يكبدها أموالا طائلة، ما لم تكن هنالك ضرورة فعلية تقتضي الاحتفاظ بهذه الطاقة الفائضة.
وحسب خبراء نفط في لندن، يدور في أوساط صناعة النفط السعودية منذ مدة نقاش حول جدوى دور الطاقة الفائضة في ظروف زيادة المعروض النفطي في السوق، خاصة حينما تكون تقديرات استمرار الفائض لمدة عامل كامل، مثلما تشير التقديرات الحالية، إذ يتوقع معظم خبراء النفط، وعلى رأسهم خبير النفط العالمي ليونارد موغيري البروفسور في جامعة هارفارد الأميركية أن يستمر الفائض النفطي خلال 2015 بأكمله.
3- عامل السياسة
أما العامل الثالث: فإن الظروف الحالية تشير إلى أن لعب السعودية دور "المنتج المرجح" لدعم أسعار النفط عالميا يخدم بعض منافسيها السياسيين في منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأس هؤلاء المنافسين، إيران التي يقول بعض المحللين إنها تستخدم إيرادات النفط لتمويل بعض الجماعات المتطرفة في المنطقة وتعبث بأمن الخليج وتدعم الحوثيين في اليمن، كما تدعم كذلك الحكومة العراقية الموالية لها.
4- كازينو المضاربات
أما العامل الرابع، فهو أن لعب دور المنتج المرجح الذي يدعم عادة سعراً مرجعياً للنفط تظل تدافع عنه السعودية، ساهم في تشجيع المضاربين على نفخ "بالون السوق النفطية"، وتحويل السوق النفطية وأسعار الخامات بعيداً عن أسس العرض والطلب التي يجب أن تحدد السعر العادل للنفط، وفقاً لمعدلات الاستهلاك العالمي، وليس وفقاً للمضاربات على "البراميل الوهمية".
ويلاحظ أن حجم السوق النفطي الحقيقي يقدر بنحو 3.4 تريليونات دولار سنوياً، ولكن في الواقع فإن سوق المضاربات تعادل أكثر من ثلاثة أضعاف السوق الحقيقية، أي أكثر من عشرة تريليونات دولار سنوياً.
ووفقاً للتقرير الأخير للكونغرس الأميركي، فإن البنوك أصبحت تملك "إمبراطورية مضاربات نفطية"، تستخدم فيها أسطولا يتألف من مئات الحاويات العملاقة والمخازن الاستراتيجية القريبة من مناطق الاستهلاك الرئيسية في آسيا والسفن العائمة التي تبلغ طاقتها 30 مليون برميل.
وبالتالي، فإن المراهنات أو المضاربات على أسعار النفط تضخمت لدرجة شوهت السوق النفطية ومعادلاتها التي تحكم الأسعار.