فيلم: حكايات من انتفاضة الحجارة
لم تستغرق الانتفاضة الأولى شهراً أو شهرين ولا حتى عاماً أو عامين، بل حوالي 5 أعوام انتفض فيها الشعب الفلسطيني على الاحتلال بكل ما يملك من أدوات، ولأنها كذلك فقد خلّدت لنا المُخرجة الفلسطينية مريم شاهين حكايات هذه الانتفاضة من خلال فيلم "حكايات من انتفاضة الحجارة" بعد أن عكفت تدوّن حكايات الانتفاضة منذ عام 1988 حيث كانت صحافية مبتدئة تجمع صور الأشعة لضحايا سياسة كسر العظام الإسرائيلية حتى أخرجت فيلمها في عام 2014 الذي يؤكد أن الانتفاضة لم تكن مُجرد حدثٍ عابر، فقد كلّفت إسرائيل تكاليف باهظة وجعلتها تجنّد أكثر من 80 ألف جندي لكبحها.
لفهم هكذا محطة نضالية مهمة، تستعرض المخرجة في الجزء الأول من الفيلم الأسباب التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة مثل أحداث يوم الأرض في 30 آذار/ مارس 1976 التي انتفض فيها الفلسطينيون ضد سياسة مصادرة الأراضي وتم اعتبارها "انتفاضة أوليّة"، وكذلك استهداف إسرائيل للفلسطينيين كالطالبة انتصار العطار التي استشهدت في غرفة صفها برصاصة طائشة أطلقها مستوطن إسرائيلي، ثم كيف انطلقت الانتفاضة في 8 ديسمبر/ كانون الأول 1987 بعد دهس أربعة عمال فلسطينيين بشاحنة إسرائيلية.
في الجزء الثاني يُمكنك أن تُدرك كيف يُمكن للشعب أن يثور عندما يشعر بأن لا قيمة لحياته، حيث إن الانتفاضة وإنْ سُمّيت بانتفاضة الحجارة إلا أن الشعب مارس أساليب إبداعية في المقاومة. ففي المخيمات، تحوّلت بعض البيوت إلى مدارس، في ما عُرف بالتعليم المنزلي، كما تحوّلت أسطح المنازل لمزارع لأهم ما يحتاجه الناس من خضار لتحقيق شيء من الاكتفاء الذاتي. وفي بلدة تُسمى بيت ساحور أبدع الفلسطينيون في المقاومة، فقد شكلوا حركة عصيان مدني برفضهم دفع الضرائب لإسرائيل، كما قرروا التخلي عن الهوية الإسرائيلية لدرجة أن الجيش راح يجول على البيوت ويعيد البطاقات لأصحابها. وللعلم فقد غدت بيت ساحور نموذجاً في النضال الإبداعي والذي لا يمكن فهمه حقاً إلا بمشاهدة فيلم آخر يُدعى: "18 بقرة مطلوبة".
فيلم: ثمن أوسلو
إذا كانت هناك رصاصة قضت على الانتفاضة، فهي اتفاقية أوسلو التي تمّت في أجواء حميمة جداً بين المفاوض الإسرائيلي والفلسطيني في النرويج والتي لم يعلم معظم الناس بتفاصيلها إلا بعد ظهور فيلم "ثمن أوسلو"، عندما قررت المخرجة روان الضامن أن تُزيل الغموض عن هذه الاتفاقية التي جعلت حياة الفلسطينيين أشبه بكابوس.
في الجزء الأول، يجيب الفيلم عن أسئلة خطيرة مثل: لماذا تم اختيار النرويج بالذات؟ ولماذا تمّت المفاوضات في أجواء سرية؟ وكيف تصرّف الوفد الفلسطيني خلال المفاوضات؟ فكثيرون لا يعلمون أن غالبية أعضاء البرلمان النرويجي هم أعضاء في جمعية أصدقاء إسرائيل وكثيرون لا يعلمون لماذا تم إعلان الدولة الفلسطينية عام 1988 وكيف تنازلت منظمة التحرير حينها عن القرار 242 الذي حاربته أعواماً طويلة لأنه يضمن لإسرائيل حدوداً آمنة، وكيف طالبت أميركا حينها ياسر عرفات أن يقيم مؤتمراً خاصاً يرفض فيه العنف الحاصل منذ أيام الانتفاضة.
في الجزء الثاني يُمكنك أن تُدرك كيف كانت إسرائيل محظوظة بأوسلو، فالمفاوض الفلسطيني بقي يُفاوض لأشهر دون الحديث عن القضايا الجوهرية كالقدس واللاجئين، وكيف كان نائب وزير الخارجية النرويجي يحضّر القهوة للجانب الإسرائيلي قبل أن يتصل للتشاور مع الجانب الأميركي في سيرورة المفاوضات، بل إن شمعون بيرس كتب يوماً: لقد كان النرويجيون هبة من السماء، فقد كان أوسلو فاتحة خير للإسرائيليين، حيث بدأت الاستثمارات الخارجية تتدفق نحو إسرائيل وافتتحت فيها فروع لشركات عالمية، مثل إنتل Intel، وفتح العالم ذراعيه لها في نفس الوقت الذي استمرت معاناة المواطن الفلسطيني، فالاستيطان لم يزدد إلا توسعاً وزاد تحكّم إسرائيل في حرية حركة الفلسطيني، بل إن إسرائيل سلبت منه أبسط حقوقه وهو الحق في الحركة والحق في المياه وأوهمته بأن له دولة.
كل هذه الأسرار وغيرها يفضحها فيلم ثمن أوسلو في حوالي 90 دقيقة، في موقع ريمكس فلسطين يمكن مشاهدة ملخص للفيلم في 5 دقائق: هنا.
فيلم: مناطق جيم
بعد أوسلو احتفلت كل فلسطين بقُرب قيام الدولة الفلسطينية الموعودة، وفي الواقع لم تقم دولة بل مُجرد "وهم دولة"، كما جاء في فيلم ثمن أوسلو وكما يؤكد فيلم مناطق جيم للمخرج عايد نبعة، فقد تقسّمت الضفّة الغربية لمناطق: أ ب وجيم، حيث إن 61 بالمئة من أراضي الضفة الغربية هي مناطق جيم وبالتالي فهي تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.
في مناطق جيم، يحق لإسرائيل أن تهدم أي بيت تعتقد أنه غير مرخص، وكذلك يُمكنها تهجير أي قرية بحجة أنها تقوم على مناطق عسكرية. ومما يكشفه الفيلم أن عدد المستوطنين في الضفة زاد 3 أضعاف أكثر مما كان عليه الوضع قبل أوسلو، بينما تم هدم أكثر من 350 منزلاً في قرية المالح في الأغوار بين عامي 2012 و2013، فكل بناء فوق متر يحتاج لتصريح من الإدارة المدنية الإسرائيلية، بل حتى استخدام المياه بحاجة إلى تصريح إسرائيلي ثم تجد الفلسطيني يدفع سعر المياه 4 أضعاف ما يدفعه الإسرائيلي.
في مناطق جيم، لا توجد المراعي والأشجار والمياه فقط، فقد تم أخيراً الكشف عن حقل بترول وغاز بالقرب من قرية رنتيس، وهناك حقول أخرى، ولعل هذا يكشف وجهاً آخر للطمع الإسرائيلي بمناطق جيم وتمسّك إسرائيل بسياسة تقسيم فلسطين أكثر فأكثر، كما أن الفيلم يفضح السياسات الصهيونية التي لا تريد تقسيم فلسطين لمناطق أ ب وجيم ولكن لإمارات "عشائرية"، كما صرّح "مردخاي كيدار"، من جامعة بار إيلان الإسرائيلية، وهو يشرح فكرته "المجنونة" لإنشاء المزيد من الإمارات الفلسطينية على أساس قبلي عشائري باعتبارها الحل الوحيد للصراع العربي الإسرائيلي.
في ريمكس فلسطين يمكن مشاهدة ريمكس للفيلم في 5 دقائق: هنا
مقطّع الأوصال
حتى بعد مُشاهدة فيلم مناطق جيم، فإن فيلم مقطّع الأوصال للمخرج الغزي أشرف المشهرواي يُمكن أن يكشف لك فداحة أن تُقطع أوصال الوطن الواحد، لأنك بذلك لا تقطع الوطن فحسب، بل تقطع كُل ما فيه، بما في ذلك العائلات، حيث يستعرض كيف كرّست إسرائيل فصل الضفّة عن غزة وكيف كان أثر ذلك على الشعب.
ويكشف الفيلم عن قصة عائلة فلسطينية، الأب من الضفّة والأم من غزة، ولا يستطيع الأب الوصول إلى أبنائه في غزة إلا بعد أن يحصل على تصريح من إسرائيل، ثم يضطر للسفر عبر الأردن ثم مصر ليدخل غزّة، وقد يستغرق الموضوع أياماً قبل وصوله، علماً بأن الطريق لا تستغرق ساعة لو لم تكن هناك حدود.
بالإضافة إلى هكذا قصّة، فإن الفيلم يتحدث عن سياسة فرّق تسد التي تتبناها إسرائيل وكيف أن إسرائيل هي التي تكرس الانقسام بين الضفة وغزة. وبحسب باحثة إسرائيلية، فإن المفاوض الفلسطيني لو فكّر قليلاً كان يُمكنه إخلاء مستوطنات غزة في اتفاقية أوسلو، لان غزّة عبء على إسرائيل وهي لا ترغب بحكمٍ فيها، بل إن رابين كان يتمنى لو تغرق غزّة في البحر.
(فلسطين)