بعد انهيار مفاوضات موسكو... 4 عوامل تهدّد قمة برلين حول ليبيا

15 يناير 2020
تعقّد المشهد لرفض حفتر توقيع الهدنة (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
تشرف الأزمة الليبية، قبل أن تصل، الأحد المقبل، إلى برلين، على إكمال عقد كامل، بعد أن تجولت في عدد من العواصم، أهمها باريس وباليرمو العام الماضي، قبل أن تنتقل، بشكل مفاجئ، إلى موسكو، أخيراً، مروراً بإسطنبول، دون نتائج.
ودعا الرئيسان التركي والروسي رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، من إسطنبول، الأربعاء الماضي، طرفي القتال في ليبيا إلى هدنة، تمهيداً لتوقيع نهائي لوقف إطلاق النار في موسكو، الاثنين، لكن الأزمة مُنيت أيضاً بالفشل، بعد أن اكتشف اللواء المتقاعد خليفة حفتر أن بنود الاتفاق ستفقده أقوى أوراقه العسكرية، "فبدا أنه خطط للهرب"، كما قال الرئيس التركي.

وقبيل إعلان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تحديد موعد انعقاد قمة برلين، مؤكدة أن كلاً من رئيس حكومة "الوفاق" فايز السراج، وحفتر، مدعوان إلى حضور القمة، أوضح رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري، أنّ "قرار حضور حفتر أو مغادرته ليس له، بل لعواصم عربية تحركه بما تقتضيه مصالحها". 

واليوم الأربعاء، عاد المشري ليؤكد أنّ سفارة الإمارات لدى موسكو ساهمت بقوة في عرقلة وقف إطلاق النار بليبيا.

وقال، في مؤتمر صحافي بالعاصمة الليبية طرابلس، إنّ "أطرافاً خليجية كانت حاضرة في مفاوضات وقف إطلاق النار بالعاصمة موسكو، ضمن وفد حفتر، من بينهم القائم بأعمال سفارة الإمارات لدى روسيا، الذي كان أحد أسباب عرقلة توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا".

وأضاف أنّ "المقترح الروسي لوقف إطلاق النار كتب بصيغة لإرضاء الطرف المعتدي (في إشارة إلى قوات حفتر)".

في المقابل، أكد مصدر برلماني مقرب من حفتر، لـ"العربي الجديد"، أنّ الأخير عاد من موسكو إلى أبوظبي، وأنه "يحضر لشيء ما" قد تكون عكسته تصريحات رئيس مجلس النواب المجتمع في طبرق عقيلة صالح، من خلال قناة "الغد" الإماراتية، بشأن انهيار المفاوضات واستمرار القتال وتحشيدات حفتر العسكرية المتوالية في محاور جنوب طرابلس، وهو ما أكده المتحدث الرسمي باسم المركز الإعلامي لعملية "بركان الغضب"، مصطفى المجعي، أمس الثلاثاء.

"لهجة التشاؤم"

ورغم لهجة التهديد التي بدت في تصريحات أردوغان، أمس الثلاثاء، بأنّ الرد التركي سيكون عسكرياً وقاسياً إذا عاد حفتر للقتال، يرى الناشط السياسي الليبي مروان ذويب أنّ "حفتر لن يجرؤ على خرق وقف إطلاق النار بعد لملمة برلين شتاتها ودخولها على خط التصعيد بشكل مفاجئ"، معتبراً أنّ "الخطوة الألمانية بدت متقدمة أكثر، ليس من خلال الدعوات الـ11 التي وجهتها إلى الأطراف المعنية بالملف الليبي، بل بإعلان ميركل دعوتها أيضاً للسراج وحفتر، بعد أن كانت قمة برلين قد قررت في السابق استثناء الأطراف الليبية من الحضور".

وعلى عكس ما يعتقد كثير من المراقبين أنّ الأوروبيين في حالة تنافس مع الحلف التركي الروسي الجديد، على امتلاك مفاتيح حل الأزمة الليبية، يشير ذويب في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "ميركل باركت جهود موسكو وأنقرة وقررت الاستمرار في الاتجاه ذاته، فضلاً عن أنّ بوتين وأردوغان من أهم الشخصيات التي ستشارك في القمة".

لكن المقلق بنظر ذويب، "لهجة التشاؤم" التي تحدثت بها ميركل عندما قالت إنّ المؤتمر سيعقد في ظل "تفاهمات الحد الأدنى"، معتبراً أنّ هذه التصريحات "تعكس ضغوطات ومحاولات تشويش تقودها تلك الدول العربية التي انزعجت من الدور التركي والتحول في الموقف الروسي الذي كان يميل إلى مصلحة حفتر، ما يعني أنّ الخلافات والانقسامات بشأن الحل الليبي لا تزال قائمة، وقد تهدد بنسف نتائج قمة برلين قبل انعقادها".

تنازع أوروبا والحلف التركي الروسي

من جانبه، يشير المهتم بالشأن السياسي الليبي المهدي الربيعي، إلى أنّ المتحدث باسم الرئاسة التركية حدد بدقة أهمية قمة برلين، معتبراً أنها "ستكون دون جدوى في حال بقاء قوات حفتر على تخوم طرابلس دون أن تنسحب". ومن جانب آخر، يؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ "تنازع أوروبا والحلف التركي الروسي، على الملف الليبي، عامل آخر يهدد برلين بالفعل، وهو تنازع لا يمكن إنكاره، سواء على مستوى التوقيت وتسارع الإعدادات في موسكو وبرلين لاستضافة طرفي النزاع، أو على مستوى النتائج".

وأوضح الربيعي أنّ "روسيا عرقلت نتائج برلين، سواء لو وقّع حفتر على اتفاق، فذلك يعني ارتهان الحل الليبي بيد الروس والأتراك، وإذا لم يوقّع فما الداعي أصلاً لقمة برلين، وحفتر مصر على القتال"، مستشهداً بتشاؤم ميركل بإشارتها إلى "تفاهمات الحد الأدنى".


السلال الست لسلامة

وحول تسريبات شكل الحل في ليبيا من كواليس مشاورات الإعداد لقمة برلين، قال الربيعي إن "وثيقة برلين يبدو أنها شارفت على الانتهاء من صياغتها وأطرها العامة، بناءً على السلال الست التي تحدث عنها المبعوث الأممي غسان سلامة العديد من المرات".

وكان سلامة قد أكد، في أكثر من مناسبة، اتفاق الدول المشاركة في الإعداد لقمة برلين على ست سلال، لخصها بالقول إنها "تمثلت بوقف إطلاق النار، وتطبيق حظر التسلح وتدفق الأسلحة غير المشروعة إلى ليبيا، والعودة إلى التفاوض الليبي-الليبي حول الحل السياسي، إضافة إلى حزمة الإجراءات الاقتصادية والمالية الضرورية، والترتيبات الأمنية للعاصمة طرابلس وتخومها، وتطبيق القانون الدولي الإنساني، علاوة على ضرورة محاكمة مجرمي الحرب".

وبحسب الربيعي، فإنّ "تلك الأطر الستة التي وضعها سلامة لتكون أساساً لوثيقة برلين المنتظرة، هي في الأساس سبب الخلافات الدولية الدائرة حول الملف الليبي"، لكنه لفت إلى عامل يصفه بـ"الغائب الحاضر" الذي يمكن أن يكون ضامناً لنتائج برلين.

واشنطن "الغائب الحاضر"

وأوضح رأيه بالقول إنّ هذا الغائب الحاضر هو واشنطن التي لم تراقب مجريات الأوضاع من كثب، وفي الوقت ذاته لم تتوقف عن الدفع بالملف الليبي باتجاه برلين. وأكد قائلاً: "يبدو أنها وفرت عوامل الفشل للوصول إلى حل في كل تلك العواصم، فهي من دفعت حكومة الوفاق إلى توثيق علاقتها بتركيا، ما حرّك أمواج البحر المتوسط لتضرب شواطئ أكثر من دولة، ليضيع الملف الليبي في أتونها، وهي من دفعت داعمي حفتر، وخصوصاً أبوظبي، للتشويش على مفاوضات موسكو". 

ولفت إلى أنّ "أوساطاً ألمانية لم تؤكد مشاركة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في القمة، حتى الآن، ما يشير إلى استمرار مراقبته لمجريات الأحداث".

لكن اللافت في رؤية واشنطن للحل في ليبيا، تجاوزها لكل الأوضاع الراهنة، والاتجاه للدفع بمسارات حل أخرى، منها المقاربة الأمنية، بحسب الربيعي، فـ"عكس كثير من العواصم التي تنتهج مسارات سياسية للحل، نجد واشنطن تتجه إلى مسار أمني واقتصادي كشف عنه الحوار الأمني الذي أطلق في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في واشنطن، بحضور وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا"، وأكدته السفارة الأميركية في ليبيا خلال الشهرين الماضيين في أكثر من مناسبة، ما يرجّح برأي الربيعي "اتجاهاً أميركياً لاستثمار في بنود توحيد المؤسسات الأمنية والاقتصادية التي ركزت عليها سلال سلامة الست أكثر من إيلائها أهمية للتفاوض السياسي بين الخصوم الليبيين الحاليين".​

المساهمون