تتزايد المخاوف من انهيار أسعار العقارات في عدد من العواصم المالية الحيوية في العالم، وذلك في أعقاب تواتر التقارير حول تزايد عدد المساكن المعروضة للبيع، وانكماش الطلب من المستهلكين. وقال تقرير "أس آند بي" العالمي لمؤشر العقارات الصادر في نهاية ديسمبر/ كانون الثاني، أن ارتفاع سعر الفائدة الأميركية، وما تبعه من زيادة للفائدة في باقي أسواق العالم، رفع من أقساط القروض العقارية فوق القدرة الشرائية للمستهلكين في العديد من دول العالم.
وهذا بدوره أحدث التباطؤ الذي نشهده حالياً. وكان صندوق النقد الدولي قد حذّر في تقرير العام الماضي، من مخاطر تداعيات تدهور أسعار العقارات السكنية، قائلاً إن تدهور أسعار العقارات يمكن أن يقود إلى "عدم الاستقرار المالي والاقتصادي"، يضاف إلى الضغوط التي تعانيها الاقتصادات العالمية.
وعلى الرغم من أن كل دولة من الدول التي تعاني أزمة عقارية لديها عواملها الخاصة، التي تسببت في أزمة أسعار العقارات، إلا أن تقريراً لـ "بلومبيرغ انتيليجنس"، يجمل العوامل التي أدت إلى تباطؤ العقارات العالمية في 4 عوامل رئيسية هي:
ــ أولاً: ارتفاع كلفة القروض السكنية بسبب نهاية سياسية التيسير الكمي وتنفيذ سياسة التشديد النقدي. وكانت سياسات التيسير الكمي قد زادت من التدفقات النقدية وتوفر السيولة الاقتصادات العالمية، ما جعل عمليات الحصول على القروض العقارية سهلة بالنسبة للمشترين.
ــ ثانياً: هروب رأس المال من الأسواق الناشئة واضطراب أسواق المال العالمية.
ــ ثالثاً: تباطؤ الطلب الصيني على شراء العقارات في العواصم الأوروبية والأميركية. ويذكر، في هذا السياق، أن أثرياء الصين الذين تزايد عددهم خلال العامين الماضيين، قد رفع من الطلب على العقارات الفاخرة في مدن رئيسية مثل لندن وفانكوفر ونيويورك وبعض المدن الأسترالية.
لكن في أعقاب الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، انكمش الطلب الصيني على شراء العقارات العالمية. وذلك ببساطة بسبب مخاوف مليونيرات الصين من العقوبات الأميركية، وكذلك التشديد الحكومي من الحكومة الصينية على خروج الثروات من الصين للخارج.
رابعاً: تشديد الإجراءات العالمية على غسل الأموال ومطالبة العديد من الدول بالتقيد الصارم بمكافحة غسل الأموال.
ويضاف إلى هذه العوامل الخاصة التي ضربت سوق العقارات البريطانية، وعلى رأسها تصويت "بريكست" للخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي أدى إلى حالة من عدم اليقين حول مستقبل الشراء في بريطانيا ومستقبل "حي المال" البريطاني، الذي يجذب العديد من أثرياء العالم ورؤساء الشركات لشراء الفلل والشقق الفخمة في لندن وضواحيها.
وفي سوق مثل دبي، فإن أزمات الاقتصاد السعودي ومخاوف أثرياء السعودية من مطاردات الحكومة السعودية، إضافة إلى خروج أثرياء قطر من سوق دبي، قد أثرت بدرجة كبيرة على عقارات دبي. ويقدر حجم الاستثمارات القطرية بدبي بنحو 50 مليار دولار.
وحذر صندوق النقد الدولي، مؤخراً، من عدد من المؤشرات الاقتصادية المقلقة خلال 2019، فيما رجح خبراء أن يشهد العام الجديد انهياراً مالياً على غرار ما حصل في سنة 2008. وذكر صندوق النقد الدولي في تحذيره من تفاقم المديونية العالمية وتباطؤ النمو الاقتصادي، لكن هذا الوضع "غير المطمئن" يجد تفسيره في عدة أمور.
ولكن رغم هذا التشاؤم، يرى محللون أن بداية العام ليست مؤشراً دقيقاً على الدوام، إذ وغالباً ما تبدأ الاقتصادات الكبرى عامها بشيء من الهبوط لكنها تعود إلى التحسن والنموّ في وقت لاحق، وهذا الأمر حصل على نحو ملحوظ في 2016.
ولا يستبعدون احتمال حدوث توافق بين واشنطن وبكين، بشأن النزاع التجاري الذي يهدد معظم أسواق السلع والعقارات منذ بداية العام الجاري. كما يترقب المستثمرون في أوروبا كذلك تمكن بروكسل من حل العديد من قضايا الميزانيات والمال في منطقة اليورو.