وصل عدد من المُبعدين اللبنانيين من دولة الإمارات العربية المتحدة يوم السبت الماضي إلى العاصمة بيروت، بعد قرار إماراتي جديد قضى بإبعاد عائلات بأكملها من دون الكشف عن الأسباب. والمُبعدون الذين ينتمون بمعظمهم إلى الطائفة الشيعية، أخطروا بأنهم "غير مرغوب فيهم" وطُلِب منهم مغادرة البلاد خلال 48 ساعة فقط، بعد إلغاء إقاماتهم بشكل جماعي.
يتنوّع وصف المُبعدين الجدد لوضعهم ما بين "مأساة" و"مجزرة" و"نكبة" و"اقتلاع". محمد (اسم مستعار) يوافق عليها جميعها، بعدما غادر الإمارات حيث قضى 19 عاماً من حياته. يقول لـ "العربي الجديد": "اليوم أعود إلى منزل والدَي صفر اليدَين، ولا أملك منزلاً مستقلاً للعيش فيه". لكن مأساة محمد لا تتوقّف هنا، إذ يخبر أن "أطفالي بقوا في الإمارات مع زوجتي التي تمتلك إقامة عمل مستقلة، في انتظار انتهاء العام الدراسي". يضيف: "أخبرتهم أنني مسافر إلى لبنان من دون إطلاعهم على التفاصيل، خوفاً من تأثر علاقتهم بزملائهم نتيجة الإبعاد". ويلفت محمد إلى أن بقاء زوجته وأطفاله في الإمارات حالة استثنائية، لأن قرارات الترحيل تشمل العائلات وليس أفراداً محدّدين فيها. من منزل والدَيه، يقول محمد: "أنا اليوم بلا منزل ولا عائلة ولا عمل. وأخشى أن ألقى الإهمال الرسمي اللبناني نفسه الذي لاقاه المُبعدون الذين سبقونا في السنوات الماضية".
أما أحمد (اسم مستعار)، فيشعر بالقلق والخوف نفسهما. فيصف لـ "العربي الجديد" حياته بـ "العالقة ما بين العودة مجبراً إلى لبنان والتزاماتي المالية والمسؤوليات التي أقف أمامها اليوم من دون مدخول". هو يسكن في منزل مستقلّ اشتراه بالتقسيط، في حين يخشى من عدم تمكنه من سداد أقساطه الشهرية. وكان أحمد قد شهد موجات الترحيل الإماراتية السابقة للبنانيين، "وكنا نتساءل متى يحين دورنا".
من جهته، يتحدث رئيس لجنة اللبنانيين المُبعدين من الإمارات العربية المتحدة، حسان عليان، عن "تأثر نحو 500 عائلة لبنانية بقرارات الإبعاد حتى الآن. وهو رقم نخشى من أن يتضاعف في ظل تسييس الموضوع في لبنان، ومواصلة دولة الإمارات سياساتها القاسية بحق اللبنانيين المقيمين فيها".
ويتخوّف عليان في حديث إلى "العربي الجديد" من معاناة العائلات الجديدة من المصير نفسه الذي واجهته العائلات التي أبعدتها السلطات الإماراتية على دفعات منذ عام 2009. ويوضح أن "عدداً منهم يواجه دعاوى قضائية في الإنتربول أقامتها ضدهم شركات التأمين الإماراتيّة. إلى ذلك، يعاني الأبناء الذين يواصلون الدراسة من مشاكل في التأقلم الأكاديمي والاجتماعي".
ويشير عليان إلى "هاجس التأقلم في خلال السنوات الأولى من إقامتنا في الإمارات. لكننا نجحنا في بناء شبكة علاقات اجتماعية واقتصادية واسعة نسفتها السطات الإماراتية من خلال قرارها الجائر". ويرفض "حديث بعض اللبنانيين عن كوننا عالة على الإمارات. نحن كنا جزءاً من الدورة الاقتصادية في البلاد وتلقينا بدلات مجزية عن أتعابنا إلى أن سُيّس وجودنا وفشلت الدولة اللبنانية في متابعة أمورنا". ويطالب عليان الدولة بالالتفات إلى "مأساتنا من خلال الوزارات المختصة كالتربية والصحة والشؤون الاجتماعية".
إلى ذلك، واكبت السلطات اللبنانية المعنيّة الملف بشكل متقطع، ومن دون خطة جديّة لمواجهة تبعات القرارات الإماراتية بـ "الترحيل الطائفي" للبنانيين. واتخذت المواقف الرسمية بُعداً طائفياً، تمثّل في ترحيب سُنّي عبّر عنه رئيس حكومة تصريف الأعمال في وقتها (عام 2009) فؤاد السنيورة. فقد وصف السنيورة يومها قرار الإبعاد الأول بـ "الشأن السيادي الإماراتي". ثم أتت زيارة قام بها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إلى الإمارات في أكتوبر/تشرين الأول عام 2009، لتُكمل رسم المشهد الطائفي لمتابعة الملف. فبري يمثّل أعلى مرجعية شيعية رسمية في لبنان.
وبعد ست سنوات وموجات ترحيل متلاحقة، أعلن المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة الحالي تمام سلام عن "بحث مسألة المُبعدين مع نائب رئيس الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، على هامش القمة الاقتصادية في شرم الشيخ" أخيراً. لكن بعدها بأيام قليلة، تتابع مسلسل الإبعاد القسري لعائلات أسست نفسها اجتماعياً واقتصادياً في الإمارات، وتعيش غربتها اليوم في بلدها الأم.. بلد لم يقدم لها أياً من حقوق المواطنة.