وربما لن ينسى أصحاب الثروات مقولة الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند، أنه "لا يحب الأغنياء". كما لا ينسون له سعيه لتطبيق ضريبة بنسبة 75% على أصحاب المال الذين يملكون في حساباتهم مليون يورو.
وحتى الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، الذي يمثل اليمين الفرنسي، قال مقولته الشهيرة حينما حدثت أزمة المال العالمية في العام 2008، أن "هذه الأزمة هي نهاية الرأسمالية".
والآن تتزايد شعبية اليمين المتطرف في فرنسا، لدرجة أن شعبية مرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبان، كانت أعلى من جميع المرشحين للرئاسة الفرنسية في بعض الاستفتاءات. وفي بداية الشهر الجاري، حصلت لوبان على تأييد 27% من الناخبين في استفتاءات الرأي الأخيرة التي ظهرت نتائجها في الأول من شهر فبراير/شباط الجاري، مقارنة بالمرشح المحافظ فرانسوا فيون الذي حصل على 21% من التأييد.
كما لاحظ مصرفيون في لندن، أن شعبية مارين لوبان تتركز وسط الشباب، وهو ما يهدد بصعود الجبهة الوطنية للحكم في فرنسا، خلال الانتخابات الحالية أو في الانتخابات المقبلة.
وبالتأكيد، فإن تقدم مارين لوبان في استفتاءات الرأي يخيف المصارف العالمية وأصحاب الثروات، حيث قالت لوبان في أكثر من مناسبة، إنها ستعمل على إخراج فرنسا من منطقة اليورو. وهو احتمال إذا حدث فسيعني نهاية اليورو، لأن فرنسا تعد من الأعمدة الرئيسية في في الاتحاد الأوروبي إلى جانب ألمانيا.
ولكن بغض النظر عن فوز لوبان في الانتخابات الفرنسية الذي يستبعده العديد من المستثمرين، ويضعون له نسبة لا تتجاوز 35%، فإن مشكلة فرنسا الرئيسية في جذب الرساميل العالمية مقارنة بلندن، ونيويورك وسنغافورة، أنها مدينة لا تحب الأجانب وترفض التحدث بغير الفرنسية، فيما لغة المال هي اللغة الإنكليزية.
وظلت فرنسا منذ عقود، دولة الضرائب المرتفعة والبيروقراطية والرسوم العالية على الشركات الأجنبية. كما أن كلف تشغيل الموظفين ذوي المهارات العالية تعد الأعلى في أوروبا، حسب ما ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية.
ويشير مصرف "ميريل لينش ـ بانك أوف أميركا" الاستثماري في تقريره الأخير عن مخاطر الاستثمار في فرنسا، أن المستثمرين بدأوا في خفض محافظهم في الاستثمارات الفرنسية، خاصة الاستثمار في سندات الخزانة الفرنسية وفي الأسهم. وذلك تحسباً، لما ستفرزه الانتخابات الرئاسية في فرنسا.
وحسب تقرير للمصرف الأميركي، فإن المستثمرين خفضوا مشترياتهم في أسهم منطقة اليورو، وتحديداً في الأسهم الفرنسية من 5.0% إلى 4.0% في المتوسط منذ بداية العام الجاري، كما لاحظ المصرف أن بعض الصناديق المستثمرة في الأسهم الفرنسية، بدأت تفقد بعض زبائنها. وحسب بيانات شركة "إي بي إف آر" المتخصصة في الإحصائيات الأوروبية، فإن استثمارات تقدر بحوالى 2.3 مليار دولار هربت من هذه الصناديق في الأسبوع الأول من شهر يناير/ كانون الثاني الماضي.
ويلاحظ أن هذه الخسائر تحدث في وقت لم يدخل فيه المستثمرون بعد، مخاطر فوز المرشحة لوبان في الحسبان. وحسب خبراء في لندن، فإن القليل من صناديق الاستثمار أدخلت في حساباتها مخاطر فوز مارين لوبان. ولكن ماذا إذا فازت لوبان في الانتخابات الفرنسية وكيف سيكون وضع الاستثمارات العالمية في فرنسا؟
يقول فالنتين نينوهازن رئيس صندوق الاستثمارات الهولندي وشركائه، وهو صندوق ضخم يدير حوالى 200 مليار يورو، إن المستثمرين لم يجروا بعد أية عمليات تحوط على العملات وأسعار الفائدة بالنسبة لإحتمالات الانتخابات الفرنسية.
ويشير في تعليقات لصحيفة "فاينانشيال تايمز" إلى أن أية عمليات تحوط لن تحدث إلا قبل اربعة أسابيع أو أسبوعين من الانتخابات الفرنسية التي ستجرى في 23 أبريل/ نيسان المقبل. ولكن يشير الاستفتاء الذي أجري بين الاقتصاديين في منطقة اليورو إلى أن فوز المرشحة لوبان ستكون له تداعيات سالبة على عملة اليورو وسيعني المزيد من المخاطر على المستثمرين، حيث إنه سيشكك في مستقبل بقاء منطقة اليورو. ويذكر أن المرشحة لوبان قالت إنها ستعمل على إخراج فرنسا من منطقة اليورو في حال فوزها.
ومن المتوقع أن تواجه سندات الخزانة الفرنسية صعوبات خلال الشهور المقبلة، حيث إن فرنسا لديها ديون مرتفعة مقارنة بالدخل القومي، كما أن المستثمرين يتخوفون من التعديلات التي ستجرى في قوانين الاستثمار في حال فوز الجبهة الوطنية في الانتخابات المقبلة.
ويمكن تلخيص العوامل التي ستضرب جاذبية باريس الاستثمارية في العوامل الخمسة التالية وهي:
أولاً: صعود التيار الشعبوي اليميني المتطرف الذي تقوده مرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبان.
وثانياً: مخاوف تفكك منطقة اليورو وسط التململ الذي يحدث حالياً في دول رئيسية بمنطقة اليورو، وهي إيطاليا واليونان.
ثالثاً: البيروقراطية وانعدام المرونة في القوانين والإجراءات المصرفية.
رابعاً: الفرنسيون لا يحبون التخاطب بلغة المال وهي اللغة الإنكليزية.
خامساً: ارتفاع الضرائب وكلف الموظفين المهرة.