تواصل حكومة طهران لعب ورقة الطاقة وتقديمها كطُعم لإغراء شركات الطاقة العالمية، والأوروبية على وجه الخصوص، حتى تضغط على حكوماتها لإنجاح مفاوضات "الملف النووي" والرضوخ للمطالب الإيرانية في الاتفاق النهائي المتوقع بنهاية الشهر الجاري، أو بداية شهر يوليو/ تموز المقبل.
وفي مؤتمر عن صناعة الغاز العالمية، عقد في العاصمة الفرنسية باريس قبل أيام، طرحت شركة الغاز الإيرانية رؤيتها لتطوير صناعة الغاز الإيرانية حتى عام 2020.
وفي هذه الرؤية، قال رئيس شركة الغاز الإيرانية ونائب وزير الطاقة الإيراني، حميد رضا عراقي، إن طهران تفكر في استثمار 100 مليار دولار لتطوير صناعة الغاز وبناء منشآت تصدير الغاز للأسواق العالمية خلال الخمس سنوات المقبلة.
وأضاف، في لقاءات على هامش المؤتمر، أنه أجرى لقاءات مع العديد من كبار مسؤولي شركات الطاقة الدولية في المؤتمر.
وأشار إلى أن طهران بحاجة إلى 100 مليار دولار لتطوير صناعة الغاز وبناء منشآت التصدير، وأنها ستوفر 50 مليار دولار من جانبها، وستطلب من الشركات الدولية توفير مبلغ الـ 50 مليار دولار المتبقية من التمويل.
وبحسب خطط شركة الغاز الإيرانية، التي طرحتها في المؤتمر، فإن إيران ترغب في زيادة صادرات الغاز إلى سبعة أضعاف معدلاتها الحالية، أي إلى 200 مليون متر مكعب يومياً. كما ترغب كذلك في رفع إنتاج الغاز من 800 مليون متر حالياً إلى 1.2 مليار متر مكعب يومياً بحلول عام 2020.
ومن بين الشركات، التي عقد معها المسؤولون الإيرانيون اجتماعات في بداية الشهر الجاري، شركة توتال الفرنسية، وشركة تكنيب، وشركات أميركية. ولكنْ، يقول خبراء غربيون إن شركات الطاقة العالمية ترغب في التعرف على تفاصيل عقود الاستثمار الجديدة في قطاع الطاقة الإيرانية، وعما إذا كانت هذه العقود ستحتوي على المشاركة في التطوير والإنتاج.
وكانت الحكومة الإيرانية قد أعلنت عن عقود جديدة تمنح حوافز ضخمة للشركات العالمية، التي ستستثمر في تطوير حقول النفط والغاز.
وتملك إيران ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، ووضعت إحصائيات شركة "بريتش بتروليوم ـ بي بي"، الصادرة الأسبوع الماضي، احتياطات الغاز الإيراني أعلى قليلاً من احتياطات روسيا. وتقدر احتياطات إيران بحوالي 1193 ترليون قدم مكعبة، إلا أنها لا تنتج حالياً سوى 8.2 ترليونات قدم مكعبة سنوياً من الغاز الطبيعي.
ويذكر أن حقل "فارس الجنوبي"، أكبر حقول الغاز الإيرانية، يحتوي وحده على نسبة 40% من إجمالي احتياطي الغاز الإيراني.
اقرأ أيضاً: إيران تدعو الإمارات إلى مؤتمر الدول المصدرة للغاز
وهذه الطاقات الهائلة من الغاز الإيراني هي التي تغري شركات الطاقة الدولية. ولكن خبراء الطاقة في بريطانيا وأوروبا يرون أن هنالك عقبات عديدة ستواجه إيران في كسب استثمارات من الشركات العالمية لصناعة الغاز الطبيعي. ويلاحظ أن الاستثمار في الغاز ليس معقداً أو يحتاج إلى التزامات طويلة المدى مثل الغاز الطبيعي.
ويشيرون في هذا الصدد إلى عدة عوامل أهمها عامل العائد على رأس المال، حيث أن العائد على الغاز ليس مغرياً في هذه السنوات التي تشهد فائضاً في الغاز ونضوج مشروعات ضخمة في أميركا، في أعقاب ثورة الغاز الصخري فيها واكتشاف كميات ضخمة من الغاز الطبيعي في أستراليا. كما يشيرون كذلك إلى عامل آخر مهم، وهو أن صناعة تصدير الغاز الإيراني تحتاج إلى بنية تحتية مكلفة واستثمارات ضخمة والتزامات طويلة المدى.
أما العامل الثالث فهو العامل الجيوسياسي المضطرب في المنطقة حالياً. فإيران تواجه مشاكل سياسية وأمنية ضخمة في المنطقة، بسبب تدخلاتها في سورية والعراق ولبنان واليمن، وشبكة من المليشيات التي تخوض حروباً شبه فاشلة في العراق وسورية.
وفي حال سقوط النظام السوري أو تمدد داعش أكثر، فإن إيران ستكون هدفاً للمليشيات المضادة لها، مثل تنظيم الدولة "داعش"، وبالتالي، فإن شركات الطاقة الدولية، التي ترغب في وضع استثمارات في صناعة الغاز، ستنظر إلى كل هذه المخاطر إلى جانب العائد المالي، قبل ضخ أموال في إيران.
في هذا الصدد، يقول جوناثان ستيرن، رئيس معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، إن "كل العوامل تقف ضد تصدير الغاز الإيراني إلى العالم أو حتى إلى أوروبا، سواء في شكل غاز مسال أو عبر الأنابيب".
وربما يكون الغاز الإيراني مفيداً على المدى الطويل، أي ما بعد 10 سنوات، لأن الغاز كمصدر نظيف لتوليد الطاقة تتواصل أهميته، أما على المدى القصير فلن يكون جذاباً للاستثمارات الدولية.
ويعيش العالم حالياً شبه فورة في صناعة الغاز، ووفرة كبيرة في إمداداته، كما أن سوق الغاز أصبحت سوق مشترين أكثر منها سوق بائعين مثلما كان الوضع في السابق.
وحتى في حال رفع الحظر الدولي عن إيران، فإن الشركات العالمية ستتردد كثيراً في الاستثمار في إيران على المديين "القصير والمتوسط"، لأن السوق الأميركية الضخمة، أصبحت مكتفية من الغاز وهنالك 16 منشأة من منشآت التصدير في طور البناء، وربما تصبح أميركا في العام المقبل من مصدري الغاز الطبيعي إلى أسواق آسيا وأوروبا. وهنالك منشآت الغاز الأسترالي، التي تعاقدت مسبقاً مع آسيا. وهذه الإمدادات الجديدة ستضاف إلى كميات الغاز المسال الضخمة المتوفرة في قطر.
أمام هذه الظروف، يستبعد خبير الطاقة البريطاني، البروفسور بول ستيفنز، أن تتمكن إيران من جذب شركات الطاقة العالمية للاستثمار في قطاع الطاقة، أو تطوير قدرات النفط والغاز الطبيعي في المستقبل القريب، حتى في حال نجاح مفاوضات الملف النووي ورفع الحظر الغربي المفروض على طهران.
ويرى ستيفنز، في دراسة بهذا الشأن، نشرها في المعهد الملكي البريطاني، " تشاتهام هاوس"، أن صناعة الطاقة ربما تحتاج للانتظار 10 سنوات على الأقل، حتى تتمكن من جذب الاستثمارات والتقنية، التي تحتاجها لتطوير قطاع الطاقة ككل من نفط وغاز.
اقرأ أيضاً: إيران تقايض روسيا بالنفط مقابل السلع