60 عاماً على انتفاضة المجر بنكهة تجدُّد "الحرب الباردة"

23 أكتوبر 2016
يعاينون أدوات وأد الانتفاضة في بودابست (أتيلا كيسبندك/فرانس برس)
+ الخط -
بعد مرور 60 عاماً على انتفاضة المجر التي تعتبر من الأحداث المفصلية في "الحرب الباردة"، يعيش العالم أجواء مشابهة، مع احتدام المواجهة غير المباشرة بين موسكو والغرب في سورية هذه المرة. في 23 أكتوبر/تشرين الأول 1956، اندلعت انتفاضة المجر، أو "التمرد المجري المضاد للثورة" كما كانت تسميه السلطات السوفييتية آنذاك، وقمعتها قوات الجيش الأحمر في إثبات لاستعداد موسكو استخدام القوة العسكرية للحفاظ على الأنظمة الشيوعية الحليفة في بلدان حلف وارسو.

شهد العالم في النصف الأول من القرن العشرين العديد من النزاعات المسلحة، بما فيها الحربان العالميتان اللتان ذهب ضحيتهما عشرات ملايين الأشخاص، ما دفع القوى العالمية إلى إقامة المنظومة الدولية المتمثلة في الأمم المتحدة لمنع وقوع حرب عالمية جديدة. ومع تطوير الأسلحة النووية والإدراك أن استخدامها قد يشكل نهاية للحضارة الإنسانية، دخل العالم "الحرب الباردة"، أي المواجهة الأيديولوجية بين الكتلتين الغربية والشرقية من أجل النفوذ في مختلف المناطق. ولخص زعيم الاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين طبيعة المواجهة الجديدة في مقولته إن "من يحتل الأرض، يفرض عليها نظامه الاجتماعي"، ما دفعه إلى إقامة حكومات حليفة في دول الجوار، حتى لا تشكل خطراً على الأمن السوفييتي.

إلا أن حالة المجر كانت تتميز عن غيرها بقوة الصراع بين الشيوعيين وضلوع الاتحاد السوفييتي فيه، إذ عرف زعيم حزب العمل المجري رئيس الحكومة الأسبق، ماتياش راكوشي، بإعادة إنتاجه النظام الستاليني الشمولي، حتى لقّب بـ"أفضل تلاميذ ستالين". لكن بعد المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي السوفييتي، الذي عقد في العام 1956، وهو أول مؤتمر نظم بعد وفاة ستالين، وقدم فيه الزعيم السوفييتي، نيكيتا خروتشوف، تقريراً ندد فيه بعبادة الفرد ونتائجها وجرائم ستالين ودكتاتوريته، تعالت في المجر الأصوات المطالبة بتنحي راكوشي. ولما انضمت إلى هذه الدعوات كافة جهات السلطة، بما فيها الأجهزة الأمنية، لم يعد أمام السلطات في موسكو من خيار سوى الضغط على راكوشي، ليتنحى ويغادر إلى الاتحاد السوفييتي، حيث أقام حتى وفاته في العام 1971، إلا أن ذلك لم يسفر عن أي تغييرات فعلية في سياسات الحكومة المجرية وحتى تشكيلتها.


وانفجرت حالة الاختناق السياسي في 23 أكتوبر/تشرين الأول باحتشاد نحو 200 ألف متظاهر أمام مبنى البرلمان وإسقاطهم تمثال ستالين. وتشكلت مجموعات مسلحة ضمت حوالي 20 ألف فرد، بينهم معتقلون سياسيون سابقون تم تهريبهم من السجون. وليلة 24 أكتوبر/تشرين الأول، دخلت القوات السوفييتية إلى بودابست، لتندلع في اليوم التالي مواجهات مسلحة في محيط مبنى البرلمان، إذ كان المتمردون يطالبون بانسحاب القوات السوفييتية وتشكيل حكومة متعددة الأحزاب. وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول، اتخذ الحزب الشيوعي السوفييتي قراراً بقمع الانتفاضة بقوة السلاح، لتعبر 3000 دبابة سوفييتية إضافية الحدود المجرية بعد حصول موسكو على تأييد حلفائها في أوروبا الشرقية والصين. وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني، بدأت عملية اجتياح بودابست، والتي استمرت لبضعة أيام وأسفرت عن سقوط آلاف القتلى، وهكذا انتهت انتفاضة المجر.

ومع استمرار سعي الاتحاد السوفييتي للسيطرة على دول الجوار في أوروبا الشرقية، تكرر التدخل العسكري السوفييتي في تشيكوسلوفاكيا في العام 1968 فيما عرف تاريخياً بـ"ربيع براغ"، إذ كانت عقيدة الزعيم السوفييتي ليونيد بريجنيف تشمل إمكانية التدخل العسكري في الدول الحليفة في حال حدوث اضطرابات. إلا أنه مع دخول الاتحاد السوفييتي عهد إصلاحات البريسترويكا منتصف ثمانينيات القرن الماضي، تخلى آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، عن "عقيدة بريجنيف" والتدخل في شؤون بلدان أوروبا الشرقية. ومهدت هذه التطورات الطريق لسقوط جدار برلين والإطاحة بالأنظمة الشيوعية بأساليب سلمية في المجر وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا وبولندا، بينما أسفرت الانتفاضة في رومانيا عن إعدام نيكولاي تشاوشيسكو وحرمه نهاية العام 1989، لتطوي أوروبا الشرقية صفحة الشيوعية بلا رجعة. إلا أنه بعد مرور عقود، باتت أجواء "الحرب الباردة" تخيم على العالم من جديد، مع عودة روسيا إلى الساحة الدولية واستخدامها القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها خارج أراضيها، وهو ما تجلى بوضوح في جورجيا في العام 2008، ثم في أوكرانيا تمهيداً لضم شبه جزيرة القرم في 2014 وفي سورية طبعاً.