تتعمّد السياسات العربية تهميش "مفهوم الإبداع الفنّي"، كما ترى أن النفقات على ذلك تأتي من باب التشجيع أو الشفقة. في حين أنّ الفنّ، لدى الدول رمز مناعة حضارية وعلامة سيادة، فعواصم الاقتصاد حيث تنشط رعاية الفنون.
التجارب الفنية لا تحتكم إلى تطلّعات الذات المُبدعة إلى الحرية وحسب، ولا هي عمل منزّه عن المنفعة، وبالتالي هي غير مستقلّة إنّما مرتبطة بالظروف الاقتصادية. وما ننظر إليه على أنه خلاصة الوجدان الإنساني يؤول بين أيدي المستثمرين إلى قيمة مالية.
إذا ما وقع تدارك منظومة القيَم التي يهدينا إيّاها شهر رمضان الكريم في البلاد العربيّة، ستكون البرمجة الثقافيّة بمثابة مراجعة للْذات الجماعيّة وخروج من التّباعد والحسابات الضيّقة والخلاص إلى جماليّة الاجتماع وإعلاء روح المدينة الجامعة.
لم نكترث بمغبّة أنّ تكون العالميّة الموهومة، والمخصّصة لنا، سجناً هيّأه لنا الآخَر لنكتفي بالعيش فيه. ألم يتأكّد لنا أنّ التّصنيفات المتحفيّة لفنون الشعوب تُوضَع وفق رؤية جيو-استراتيجية تحكم طريقة كتابة تاريخ الفنّ بين شمال وجنوب؟
لا يقدّم الكاريكاتير، مهما تتعدّدت مدارسه، حقيقة جاهزة في طبق مطرّز بالذهب أو بالعاج. إنّه بمثابة ورشة تفكير حيّة. ومن هذا الجانب، يمثل الكاريكاتير ثورة تواصليّة تقوم على المشاركة وتبادل المواقف والتفاعل الخصب والتّحريض على التّأويل.
تفتح العلاقة بين الخطّ العربي والرقمنة على ضرورات أبرزُها إعادة تمثّل ما لهذا الفن من دينامية خلّاقة قابلة للاستثمار في زماننا المليء بمزالق التّشويه والاستلاب، والذي يُصنع بعض الخطّ العربي الرقميّ فيه بأيدٍ لم ترسم حرفاً من الضاد يوماً.
برحيل الفنان التونسي الأسبوع الماضي، انغلق قوس خمسين سنة من الترحال الفني، كانت خلالها لوحته نافذة على اللامعقول الذي يربك الواقع فيحوّله إلى كتاب من الأسئلة. ابتكر عادل مقديش منطقة يتحوّل فيها النّظام السّردي للعالم إلى نسيج من العلامات البصريّة.
الاستنكار، وإن كان أضعف الإيمان، لا يكفي. والتنديد والشّجب، وغير ذلك من المواقف من بَنات المشاعر النّبيلة، لا ولن يكفي. لا بدّ من الاشتغال على ما من شأنه أن يحوّل الحقّ الفلسطينيّ إلى مجال الحقيقة الكونيّة وإلى مركز المعقوليّة الإنسانيّة.
أمَا آن لهذه اللّوحة أن تكون انكشافاً متدرّجاً لأنطولوجية الذات ما بين الخطوط واللّمسات وترحالاً داخل المناطق المهجورة في قاع الرّؤية، بل وفتحاً من فتوح عالم آخر تصنعه هذه الذات لتسترجع فيه ذاتيّتها الإنسانيّة المسلوبة فتقدّمُها على نحو آخر؟
على عكس زملائه من الفنّانين الحُروفيّين العرب الذين اتّخذوا من الحُروف مادّة تشكيلية مجرّدة، لم يفصل بُلّاطه بين العلامة التشكيلية ووظائفها داخل النص المكتوب. ومن ثمّ، جاء بلوحة نتدبّرها بصرياً بوصفها منجزاً تجريدياً قائماً على الحركة والإيقاع والتوليف.