محكومون بالمضيّ أبعدَ كلّما مضينا أبعدَ/ قد أينعتْ أصواتنا في أُوارِ احمرار وجوهنا/ سنستمر بالتعثر في الحديقة، فلِمَ يصرّ هؤلاء الناس على تناول الكثير من الفاكهة؟ سيغيّرون اسمها. سيوارونها تحت الجبال. غير أننا سنستمر
بالتعثر في الحديقة.
تتحوّل صرخته إلى ركضٍ، ويتحوّل الركض من السير على قدمَين إلى صوت يصدى، وتتحوّل الصرخة إلى صرخة مكتومة، أي إلى بقعة، إلى ذراع تمرّ، ركضاً، من عليّ. ممارسة الركض هذه هي ممارسة أفقية، وأشعة الشمس تصقل من الطرف الآخر.
الجذور تغمر التربة اللينة، فإلى أين نحن ذاهبون؟ شعرتُ فجأةً بالجوع. بعينين هلاميتين، ظننتني رأيتُ وميض شجرة تين حيث كانت الكرسي. وريقات لا يدانيها الريب. شجرة تين وحيدة في منتصفِ القليلِ جداً من كلّ شيء. تلألأتْ في المدى المخضلّ.
ثمّة في كلّ مكان من البيت وَحَوله الحمام الميت الطالع من أكتافنا المثقَلة، وصولاً إلى حقل السوسن، ثم جانب الجبل، ومرّة أخرى، ها هي تؤوب إلى أكتافنا ومناقيرها مليئة بالثرى. أردانها الناعمة تنفّخت بنسائم الهواء، نَفَسِ ما قبْلَ القبلة.
يزعق بصوتٍ أخضر مرٍّ لا يسمعه أحد. لقد ضاع بين ضجة المارّين والباقين. تتحوّل الزعقة إلى ركضٍ، ويتحوّل الركض من السير على قدمين إلى صوت يصدى، وتتحوّل الزعقة إلى زعقة مكتومة، أي إلى بقعة، إلى ذراع تمرّ، ركضاً، من فوقي.
مع الندم الأول، يأتي التبصُّرُ. مع التبصّر الأول، يأتي الضمير. وحين نعي أَثَرَتَنا، أو وحشيتنا، نُدرك أننا عالقون في مستنقعٍ أبديٍّ ليس للعَودِ منه سبيل. وها نحن الآن نبدأ بلعن أنفسنا، لا لأن اللعن أُمليَ علينا وإنما لأننا بغيضون...
السماء الصفراء تساقط أوراق شجرها على الأرض. راقدة أنا بجانب التل ثملة مثل متسوّلة، بجوار نفسي. كلنا من الأرض، ولكي نكون شيئاً علينا أن نقفز قفزة بسيطة. الظهيرة طويلة، وتتقلب. لم يختزلني شيء إلى أسمال بالية. وحيدة مع الطيور والأفاعي.
أحسستُ في اللحظة التي كانت تسقط فيها حبات الأرز من يدي أن كل حبة كانت تتحوّل بأعجوبة إلى قطعة نقدية من الذهب. على قدر ما كانت تسقط فيه ككلمات ذهبية تلك النقود كانت تتلألأ على ضوء الشمس.