دنيس أسعد

كما يقاوم كل شبر من فلسطين سياسات التهويد، تناضل المجدّرة، فتبثّ عبق بصلها المقلي في أرجاء حيّ النسناس، وحيفا، كلّ يوم جمعة

لأني بنت مدينة، كنتُ أشعر ببعض الغيرة وبعض الإهانة، أوّلاً لأنّي ما نمت في حياتي "ع ريش نعام"، ولم يكن عندي ولا عند أهلي خدّام.

من كانت "فرحة الفلانية" (شخصية حقيقية من الناصرة) التي لقّبت الأمهات تهكّماً بناتهن المراهقات المتبرجات باسمها؟

لم تحرمنا "نكبة 48" من بيوتنا وقرانا فقط، بل من الحكايات التي رويت في الحوش الذي يجمع بيوتاً متراصة، ترويها راوية بارعة بذاكرة قوية تحفظها أمّاً عن جدّة

بعد أن أصبحتُ أماً لطفلين، قررت العودة للدراسة وتعلّم الأدب المقارن والتربية فغصتُ في دراسة الهايكو: الشعر - التحدّي.

لاحقاً تعرّفتُ أكثر على هرتسل وبلفور وأتباعهما، وفهمت أن هذه الأسماء ليست فقط أسماء شوارع الحي الذي سكنته في طفولتي، إنما هي أسماء كلّ مَن كان السبب في كل المصائب والنكبات والنكسات في بلادي.

عُرف باسم رؤوف نظمي ميخائيل عبد الملك صليب. أمّا اسمه الذي صار حكاية حقيقية من حكايات النضال الفلسطيني فهو "محجوب عمر".

حملتُ من قيسارية الحكايات الممزوجة بذكريات الطفولة والقهر، خصوصًا عندما تحوّلت قيسارية إلى محميّة تاريخية وتمّ إزالة معظم منازلها، بما فيها منزل جدّي.

كنّا نجلس على الأسوار المحيطة بساحة الفرح أو قرب الشبابيك المطلّة على غرفة الصالون، لنستمتع بمراقبة الحدث ولنسمع أغاني ونراقب تصرفات الكبار المضحكة في كثير من الأحيان، لنقلّدها لاحقاً.

تعمّقت أكثر في السعي إلى بلورة هويّتنا الفلسطينية الحديثة، تلك التي تتميّز عن غيرها من الهويّات بأنّها تبلورت، جزئياً، من خلال نصوص أدبية وحكايات شعبية، في ظلّ غياب الاستقلال الذاتي، في أيّ من أماكن تواجد الفلسطينيين في فلسطين والشتات.