منظومة مجلس التعاون حين تتفكك، ويتحول الأمر صراعات بين دوله التي تتناسى الأخطار الوجودية من حولها، فتقع في شّرك استنزاف قدراتها وطاقاتها، ما يدفعها إلى التحالف مع القوى الإقليمية الكبرى، والتي لن يكون دعمها مجانيا، بل تنتظر المقابل في السياسة.
دول منطقتنا لا تملك بدائل اقتصادية من صناعاتٍ كبرى، أو مجالات استثمار مغرية، بل كلّ ما في الأمر أنّنا نمضي في رؤى عمياء، لم تجد سوى جيوب مواطنيها سبيلاً لتسجيل إنجازٍ في خفض الإنفاق، ولا يهم هنا ما يكابده المواطن.
المحرقة في سورية هي إعلان وفاة للنظام السياسي العربي، وأبلغ مؤشرعلى ذلك أنّ العرب في حسابات القوى الدولية لم يعد لهم وزن يذكر، فليسو أكثر من أدواتٍ تستهلك في لعبةٍ سياسيةٍ تتكشف ملامحها كل يوم أكثر فأكثر.
بوش الأحمق لن يكون أفضل حالاً من ترامب الأرعن، فدول الخليج العربي لم تجهد لاستغلال قدراتها الاقتصادية لصياغة تحالفات سياسية فاعلة ومؤثره، بل مازالت رهينة عقليتها القديمة التي تظن أنّ الرشوة السياسية كثمن قادرة على صناعة الحلفاء، وشراء المواقف السياسية.
لا يرى عبد الفتاح السيسي ونظامه في دول الخليج العربي إلا بقرة حلوباً، لا ينبغي لها التوقف عن منحه المزيد الذي لا يعرف النهاية، فيما ظنّ الخليجيون واهمين أنّهم، بدعم الانقلاب العسكري، سيعيدون إنتاج نموذج حسني مبارك، المطواع والمتعاون.
سيستمر إرهاب داعش مادام يساهم في فوضى المنطقة، وهي مرحلة قبلية لشرذمة الدول ورسم خارطة جديدة، وإعادة صياغة شكل العلاقات الإقليمية، فما كان يوماً يُعد هذياناً وضرباً من الخيال سيصبح واقعاً لامناص منه.
المقهور الذي يستشعر الخطر على وجوده، لمجرد انتمائه الديني أو العرقي، لن يجد أي معنى لقضايا الأمة أو التفكير بديمقراطية، بل ستكون أعظم أمنياته مجرد الحياة بأي لون أو طعم متاح، فمن يُغذّي الكراهية يعلم أنها وباءُ سيطال المنطقة بأكملها.
داعش ليست محرك اللعبة، بل مجرد ورقة فيها، ومثلها المليشيات الطائفية والمليشيا الكردية التي باتت تستأثر، أخيراً، بقدر لابأس به من المشهد لمناكفة الأتراك، وردعهم عن فكرة التدخل البري، حتى لو تطلب الأمر عملاً إرهابيا.
الحقيقة التي لا تخطئها البصيرة هي عذابات الشعب السوري الذي شارك العالم كله في جريمة ذبحه من قتلة محليين ومستوردين، وآخرين يشلهم صمت وتخاذل عن حمايته، فالسوريون دفعوا الكثير من موت وتدمير، ولن يقبلوا أن يبقى السفاح وزبانيته.
كانت الاستراتيجية السعودية تنتهج الاحتواء وعدم التفاعل مع أي تهديد إيراني، أو إبداء رد فعل مباشر سياسياً وإعلامياً، لاعتقادها أنَّ أميركا وبقية الدول الغربية في الجبهة نفسها معها، وهو ما كان تقديراً خاطئاً بكل المقاييس.