نعم، لكل منا اليوم أتراب في النار، لعلي دوابشة أترابه الذين حظيوا بوقفة صادقة أكثر. وهو، مع ذلك، لن يسأل ولن يستكثرها عليهم، طالما أنه يُحلّق معهم الآن في سرب طيور الجنان، الطاهرة والبعيدة عن كذبنا.
عذرا أيها القانون، عذرا أيها الشهداء، فالقاتل الذي يجب أن يكون مكانه خلف قضبان الجريمة، قد نراه قريبا في أحد الصفوف الأمامية يصفق مع جوقة العهر لخطاب عن الشرف أو المظلومية.
مرارة العقد الراحل، عند كل لبناني، تقع بحالة الشلل المقصودة التي أصابتنا منذ تلك الظهيرة الشتوية السوداء، حيث استكثرنا على أنفسنا التطلع إلى المستقبل الموعود، والمحفوف بكل أصناف التحديات والمواجهات، أمام ماض قلب سابع المستحيلات إلى واقع، عشنا بعض سنواته.
ما يعزينا في مهب الواقعة الدقيقة، أن مسلمي فرنسا الذين سرعان ما أسميناهم أولى ضحايا ردّات الفعل بعد جريمة "شارلي إيبدو"، كانوا أعمق بطرحهم وقراءتهم المشهد المتأزم من مسلمي العالم العربي، فكانوا جزءًا من المشهد الإعلامي الفرنسي
نأكل اللقمة اللبنانية الأخيرة، فالمطلوب وقفة ضمير أمام مواطن يذوق الأمرّين، وينتهي به الأمر ضحية التسمم الغذائي، وهذه الوقفة الكل فيها شريك، الإعلامي الحر حامل هموم المواطن، كل من لا يرضى أن تُزهق أرواح أخيه ووالده وصديقه في بلدنا.
لن يمضي وقت طويل، لنعرف جميعاً حجم الخسارة التي ألمّت بساحتنا الوطنية برحيل العلامة السيد هاني فحص، فهو قلعة من قلاع الوحدة هوت في لبنان، وجسر من جسور التعايش فيه انكسر، وصوت من أصوات الاعتدال غاب.
نحتاج إلى من ينعش ذاكرتنا المغرقة بوحول الحروب والحديد والنار، ليس من باب اليأس والاستسلام للواقع، بل خشية أن نحمّل من باب الضياع غداً أجيال الربيع المزهر مسؤولية خريف الإرهاب المُعلّب.