يُقبل الصيف فيصبح لنسيم بغداد في الليل مذاق خاص. يصعد الناس، في الأحياء الشعبية خاصّة، إلى السطوح للنوم على مقربة من نسيم الله. غير أنّ المزاج العراقي يكون، بحلول هذا الفصل، في أشرس حالاته. وليس مصادفةً أنّ معظم ثورات العراقيّين وانقلاباتهم حدثت فيه.
كان أبي فلّاحاً، لكنّه كان يعرف القراءة والكتابة. حقيقةٌ شديدة البساطة، لكنّها نادرة الحدوث في تلك الأيام، وفي ذلك الوسط الريفي البعيد. كان أكثر من فلّاح، وأقلّ من مالِك أرض. كان شديد اللطف والحنوّ، لكنّه بالغ الصرامة أيضاً.
في الطريق إلى قريتي، رأيت مدينة الكوت أيضاً، أول مدينة أراها في طفولتي. تلك التي شيّدّتها مخيلتي من أضواء وأقمشة متوهّجة وحلوى. من شوارع تضجّ بالمارة، والمقاهي، ونداءات الباعة. أشياء كثيرة لم يكن لي عهد بها قبل أن أرى هذه المدينة للمرة الأولى.