02 سبتمبر 2024
أبو عصوص حينما سمى نفسه العكاب
دبت روح الزعامة في بطل قصتنا المدعو "أبو عصوص"، وصار يمشي بالطريقة التي يسميها زياد الرحباني "الفَنْطَزيّة"، بعدما رَكَّبَ لنعليه قطعاً حديدية الهدف منها إصدار إيقاع خاص للمشي طَرَا طُقْ طَرَا طُقْ، وحمل البارودة الروسية التي تسلمها من دائرة الدفاع المدني، وصار يمشي في السوق الجواني بطريقة "خصلة وعنقود والباقي فراطة"، مطقطقاً ببوطه العسكري على البلاط القديم.. وأصبح وجهه، والعياذ بالله، يقطع الرزق، ويجعل المياه تتيبس في الزلاعيم.. والناس الذين يرونه على هذه الحال يشيحون بوجوههم عنه ويقولون في سرهم: يا لطيف! الله يبعد عنا أولاد الحرام.
ولكي يدعم أبو عصوص حالتَه الزعامَوية الفَنْطَزيّة.. فقد أطلق على نفسه اسماً حَرْبَجِيَّاً هو "العكاب"، وسارع إلى زيارة بعض المسؤولين المحليين في مكاتبهم، وطلب منهم الدعم والمؤازرة و"الهيبة" وهو لا يعلم، ربما، أن معظم هؤلاء المسؤولين المساكين لا يمتلكون أي دعم أو وزن، وأما هيبة الواحد منهم فينطبق عليها قول المرحومة والدتي: عليه هيبة مثل بَيَّاع الكسيبة!
وكان في بلدتنا رجل "مسخرجي" وخفيف الظل من الطراز الرفيع يدعى أبو عباس العبسي.
كان أبو عباس في تلك الفترة مسجوناً بتهمة ممانعة دورية من الشرطة البلدية جاءت لتهدم منزله المخالف للقانون الواقع خارج حدود المخطط التنظيمي للبلدة، مع أن معظم الأبنية في حارته كانت مخالفة، فوقف في وجه الدورية، وقال لهم بالحرف الواحد: إما بتهدموا جميع البيوت المخالفة أو أنا بودي أقص اليد التي تمتد إلى بنائي، حتى لو كان صاحبها يمدها ليمسح الغبار عن الحائط!
وبينما كان أبو عباس في السجن ينتظر انتهاء المحكومية، إذ وصلته أخبارٌ متلاحقة تقول إن "العكاب"، أبو عصوص سابقاً، يوشك أن يحقق مبتغاه في صناعة شخصية مهيوبة في البلدة، وأنه قد شرع بالسيطرة على عقول الناس الذين لا يعرفون حقيقته، وأن بعضهم قد أصبحوا يزورونه في منزله سراً، ويطلبون منه التوسط لهم عند زيد أو عبيد من المسؤولين في الدوائر الحكومية، وفي سبيل ذلك يدفعون له رشاً من تلك التي يطلقون عليها اسماً ملطفاً هو: "أجرة تكسي" أو "حَق فنجان قهوة".. إلخ.
بعد خروج أبو عباس من السجن قال لبعض المقربين منه:
- من دون ادعاء أو غرور، أن فيني أضرب لأبو عصوص كفين وأخليه يبرم في مكانه مثل الغازول، ولكن ما راح أضربه إلا ضمن الظرف الذي سأختاره أنا.
سألوه: ماذا تقصد بالظرف يا أبو عباس؟
قال: أقصد أن أفعل ذلك أمام أكبر عدد من الناس، شريطة أن يكون أبو عصوص مستعداً، والأفضل أن تكون الروسية معه.
ولم يكن أبو عصوص على علم بما يضمره له أبو عباس العبسي، وكان قد قطع شوطاً كبيراً في مسألة التقرب إلى المسؤولين الصغار، وحل بعض المشكلات لبعض الناس عن طريقهم، مقابل بعض النقود (ثمن فناجين قهوة).. إلى أن شوهد ذات يوم وهو يدخل إلى مقهى البلدة بهيئة جديدة (look).. فقد ارتدى كلابية بيضاء ذات (خَرْج) ناعم، ووضع على رأسه (حطة) ذات لون قريب من لون السمن العربي، تتدلى منها شراشيب ناعمة دائمة النوسان، ولبس في قدميه حذاء أبيض كان قد كسر مؤخرته بالدوس عليها حتى أصبحت شبيهةً بمؤخرات الشحاطات البلاستيكية، وطلب من صانع المقهى أن يزوده بأركيلة مع نفس تنباك بذرة عجمية، وجلس وتصدر إلى الخلف وهو ينظر إلى الناس باحتقار.
فجأة نبق له أبو عباس وهو يمشي بخطوات "النظام المنضم العسكري"، ووقف أمامه، وفقعه تحية قوية وهو يقول له:
- احترامي أخي أبو عصوص.
فلما ذهل أبو عصوص ولم يحر جواباً تابع يقول:
رد علينا يا أخي أبو عصوص، السلام لله، ويكون في علمك أن النخلة مهما ارتفعت لن تصل إلى ربها!
فما كان من أبو عصوص إلا أن غادر المقهى، ولم يعد إلى عملية الاستعراض في أزقة البلدة وحواريها.
كان أبو عباس في تلك الفترة مسجوناً بتهمة ممانعة دورية من الشرطة البلدية جاءت لتهدم منزله المخالف للقانون الواقع خارج حدود المخطط التنظيمي للبلدة، مع أن معظم الأبنية في حارته كانت مخالفة، فوقف في وجه الدورية، وقال لهم بالحرف الواحد: إما بتهدموا جميع البيوت المخالفة أو أنا بودي أقص اليد التي تمتد إلى بنائي، حتى لو كان صاحبها يمدها ليمسح الغبار عن الحائط!
وبينما كان أبو عباس في السجن ينتظر انتهاء المحكومية، إذ وصلته أخبارٌ متلاحقة تقول إن "العكاب"، أبو عصوص سابقاً، يوشك أن يحقق مبتغاه في صناعة شخصية مهيوبة في البلدة، وأنه قد شرع بالسيطرة على عقول الناس الذين لا يعرفون حقيقته، وأن بعضهم قد أصبحوا يزورونه في منزله سراً، ويطلبون منه التوسط لهم عند زيد أو عبيد من المسؤولين في الدوائر الحكومية، وفي سبيل ذلك يدفعون له رشاً من تلك التي يطلقون عليها اسماً ملطفاً هو: "أجرة تكسي" أو "حَق فنجان قهوة".. إلخ.
بعد خروج أبو عباس من السجن قال لبعض المقربين منه:
- من دون ادعاء أو غرور، أن فيني أضرب لأبو عصوص كفين وأخليه يبرم في مكانه مثل الغازول، ولكن ما راح أضربه إلا ضمن الظرف الذي سأختاره أنا.
سألوه: ماذا تقصد بالظرف يا أبو عباس؟
قال: أقصد أن أفعل ذلك أمام أكبر عدد من الناس، شريطة أن يكون أبو عصوص مستعداً، والأفضل أن تكون الروسية معه.
ولم يكن أبو عصوص على علم بما يضمره له أبو عباس العبسي، وكان قد قطع شوطاً كبيراً في مسألة التقرب إلى المسؤولين الصغار، وحل بعض المشكلات لبعض الناس عن طريقهم، مقابل بعض النقود (ثمن فناجين قهوة).. إلى أن شوهد ذات يوم وهو يدخل إلى مقهى البلدة بهيئة جديدة (look).. فقد ارتدى كلابية بيضاء ذات (خَرْج) ناعم، ووضع على رأسه (حطة) ذات لون قريب من لون السمن العربي، تتدلى منها شراشيب ناعمة دائمة النوسان، ولبس في قدميه حذاء أبيض كان قد كسر مؤخرته بالدوس عليها حتى أصبحت شبيهةً بمؤخرات الشحاطات البلاستيكية، وطلب من صانع المقهى أن يزوده بأركيلة مع نفس تنباك بذرة عجمية، وجلس وتصدر إلى الخلف وهو ينظر إلى الناس باحتقار.
فجأة نبق له أبو عباس وهو يمشي بخطوات "النظام المنضم العسكري"، ووقف أمامه، وفقعه تحية قوية وهو يقول له:
- احترامي أخي أبو عصوص.
فلما ذهل أبو عصوص ولم يحر جواباً تابع يقول:
رد علينا يا أخي أبو عصوص، السلام لله، ويكون في علمك أن النخلة مهما ارتفعت لن تصل إلى ربها!
فما كان من أبو عصوص إلا أن غادر المقهى، ولم يعد إلى عملية الاستعراض في أزقة البلدة وحواريها.