أردوغان وقائمة الأمنيات
في فيلم "قائمة الأمنيات" لجاك نيكلسون ومورغان فريمان، يضع البطلان قائمة أمنيات يعملان على تحقيقها قبل أن يفتك بهما السرطان. وعلى غرار ذلك، وضع حزب العدالة والتنمية التركي برئاسة رجب طيب أردوغان قائمة توصيات أو أمنيات بعد الهزيمة القاسية في الانتخابات البلدية في مارس/ آذار 2024، والتي اعتُبرت أكبر انتكاسة في تاريخ الحزب. فيما يلي أهم النقاط الأساسية في هذه القائمة:
أولًا، قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل
أقدمت الحكومة التركية على قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل استجابة لضغط الشارع التركي المؤيّد لغزّة. ورغم أنّ تركيا كانت تحافظ على علاقاتها التجارية مع الكيان حتى موعد الانتخابات، فإنّ هذه الخطوة جاءت كإجراء فوري حرص الرئيس أردوغان على تنفيذه دون تأخير.
ثانيًا، اللاجئون السوريون
أثّرت قضية اللاجئين السوريين بشكل كبير على شعبيّة حزب العدالة والتنمية، إذ فقد الحزب جزءًا كبيرًا من الدعم الشعبي، خاصة بعد التضخيم الإعلامي لحوادث فردية وتسليط الضوء عليها. لذلك، حاول أردوغان إيجاد حل لهذه القضية، بما في ذلك محاولاته المتكرّرة للقاء الأسد والتوصّل إلى حلول. إلا أنّ الأسد، بدعم إيراني، كان دائمًا يرفض اللقاء، مطالبًا بوضع أسس ومبادئ قبل الدخول في مفاوضات.
من وجهة نظري، لم يكن أردوغان جادًا في الجلوس مع الأسد. فبينما كانت خلافاته مع مصر أعمق، تمكّن من إيجاد أرضيّة للحوار مع السيسي، لكنه لم يفعل ذلك مع الأسد، ربّما لإدراكه ضعف الأخير وعدم الحاجة إلى تقديم تنازلاتٍ مشابهة. ومع ذلك، استطاع أردوغان قراءة الواقع الجديد بمهارة سياسية، خاصة بعد طوفان الأقصى، والضعف الذي أصاب حزب الله وإيران، وانشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا.
هذا الواقع مهّد الطريق لمنح الضوء الأخضر لخطة اجتياح حلب بهدف إعادة اللاجئين السوريين، ولو بالقوّة. كان هذا أحد أهداف عملية "ردع العدوان" في بدايتها، إذ أعلن الثوار بعد سيطرتهم على حلب أنّ الهدف هو إعادة اللاجئين السوريين من تركيا إلى المناطق المحرّرة وتوسيع هذه المناطق.
يعمل أردوغان وحزب العدالة والتنمية لاستعادة ثقة الناخب التركي وتصحيح الأخطاء التي كلفتهم خسارة الانتخابات البلدية
أما بالنسبة للموقف الروسي، فيبدو أنّ تركيا نجحت في تحييد موسكو مقابل الإبقاء على القواعد الروسية في سورية. من جانبهم، أراد الروس تقديم هدية لأردوغان وحزبه من خلال إطاحة الأسد وسحب ورقة اللاجئين من يد المعارضة التركية، مفضّلين التعامل مع أردوغان، غير المحبّب لدى الأوروبيين، على التعامل مع المعارضة التركية ذات الأجندات الغربية.
إيران، من جهتها، وكمحاولة لإظهار حسن النية تجاه الغرب، ارتأت التوقّف عن دعم الأسد لتبدو جادة في استئناف المفاوضات مع الغرب بشأن العقوبات الاقتصادية وبرنامجها النووي.
ثالثًا، الوضع الاقتصادي
أقرّت المحكمة الدستورية العليا في تركيا مجموعة تعديلات تقلّص صلاحيات رئيس الدولة في تعيين محافظ البنك المركزي ونوابه. تقبّل أردوغان هذا القرار من دون ردّ فعل عنيف، مما يُعتبر خطوة للوراء، خاصة إذا أكّدت الأرقام مستقبلًا أنه كان مخطئًا في سياسة مكافحة التضخم من خلال إبقاء معدلات الفائدة منخفضة.
رابعًا، القضية الكردية
تُعتبر القضية الكردية واحدة من أكثر القضايا الشائكة في تركيا ويتم التعامل معها من منظورين:
المنظور الداخلي: يتمثّل في المقترح الذي قدمه رئيس حزب الحركة القومية دولت باهشلي، والذي يدعو إلى إلقاء عبد الله أوجلان خطابًا في البرلمان التركي يعلن فيه حلّ حزب العمال الكردستاني والبدء بمسار سلام جديد مع الأكراد، مقابل تخفيف القيود على أوجلان، وربّما إطلاق سراحه.
المنظور الخارجي: يركّز على إبعاد عناصر حزب العمال الكردستاني عن الحدود التركية الجنوبية والجنوبية الشرقية مع سورية والعراق، وذلك من خلال استكمال إنشاء منطقة آمنة خالية من السلاح بعمق 30 كم على طول الحدود السورية. تواجه هذه الخطوة حاليًا بعض العراقيل من الولايات المتحدة التي تسعى إلى ضمان أمن الأكراد في المنطقة.
يبدو أنّ أردوغان وحزب العدالة والتنمية يعملان بجد لاستعادة ثقة الناخب التركي وتصحيح الأخطاء التي كلفتهما خسارة الانتخابات البلدية. حتى الآن، تمكّن أردوغان من معالجة عدد من القضايا المدرجة ضمن قائمة الأمنيات التي وضعها الحزب، بينما يواصل بذل الجهود لمعالجة القضايا المتبقية، في محاولة لإعادة بناء الشعبية وترتيب أوراق الحزب من جديد.