إسقاط الدولة أم إسقاط النظام؟

12 أكتوبر 2024
+ الخط -

تُظهر وثائق بريطانية أنّ التيارات السياسية التي برزت في العراق خلال عام 1993 كانت تتجه نحو استهداف بنية الدولة العراقية بدلاً من الاكتفاء بتغيير النظام السياسي. تلك التيارات تلقت دعماً من جهاتٍ خارجية، منها الولايات المتحدة الأميركية التي دعمت حزب المؤتمر الوطني العراقي بقيادة أحمد الشلبي. هذا الدعم أثار نقاشات داخلية حول إدارة الحزب، حيث ظهرت في تلك الفترة بعض المخاوف بشأن النزاهة والشفافية.

تشير الوثائق إلى أنّ بعض الشخصيات السياسية، مثل مسعود بارزاني والجنرال حسن النقيب، كانت متردّدة في الانضمام إلى تحركات المؤتمر الوطني العراقي بسبب الشكوك المتعلّقة بإدارة الشلبي للأموال وسوء التنظيم داخل الحزب. كما برزت مخاوف بشأن غياب التخطيط المشترك والاستشارات بين أعضاء القيادة، ممّا أدّى إلى توتّر داخلي. 

على الرغم من الدعم الخارجي، كانت هناك انقسامات داخل المعارضة العراقية، إذ إنّ بعض الفصائل كانت تسعى إلى تحقيق أهداف شخصية أو تبنّت رؤى مختلفة للتغيير. وفي الوقت ذاته، كانت بعض التيارات، مثل حركة الوفاق الوطني بقيادة إياد علاوي، ترى أنّ إسقاط النظام يجب أن يتم من الداخل، عبر التأثير على المؤسسة العراقية نفسها.

توضح الوثائق أيضاً أنّ المعارضة العراقية لم تكن متجانسة، حيث كانت تتألف من تياراتٍ متعدّدة ذات خلفيات وأيديولوجيات مختلفة، ممّا جعل توحيدها تحت مظلة واحدة أمراً صعباً. الدعم الأجنبي لبعض هذه الفصائل ساهم في تعميق الخلافات الداخلية، بدلاً من أن يسهم في توحيد الجهود.

الخلافات بين فصائل المعارضة العراقية لم تكن محصورة فقط في قضايا الفساد أو الإدارة المالية، بل امتدّت إلى اختلافاتٍ جوهرية في الأهداف والاستراتيجيات

كذلك تبرز الوثائق أنّ الخلافات بين فصائل المعارضة العراقية لم تكن محصورة فقط في قضايا الفساد أو الإدارة المالية، بل امتدّت إلى اختلافاتٍ جوهرية في الأهداف والاستراتيجيات. فبينما كانت بعض الفصائل ترى أنّ التغيير يجب أن يركّز على إسقاط النظام السياسي القائم، كانت فصائل أخرى تتبنى رؤى أعمق تتعلق بتغيير كامل لبنيّة الدولة العراقية، وهو ما أدّى إلى تعقيد المشهد السياسي وزيادة الانقسامات.

كما أشارت الوثائق إلى أنّ بعض فصائل المعارضة، خصوصاً تلك المدعومة من الخارج، كانت تخضع لضغوطٍ من المموّلين الدوليين، ممّا أثر على استقلاليّة قراراتها. هذا الدعم الخارجي لم يكن فقط من الولايات المتحدة، بل كانت هناك دول أخرى لها تأثيرها على بعض الأطراف، ممّا خلق نوعاً من التبعية السياسية لهذه الدول.

وفي إطار الحديث عن تأثير الدعم الأجنبي، توضّح الوثائق أنّ هذا الدعم لم يكن دائماً إيجابياً. فبينما كان من المفترض أن يساهم في تعزيز قوّة المعارضة، ساهم في بعض الأحيان في تعميق الخلافات بين الفصائل بسبب تفاوت المصالح والتوجّهات. هذا الوضع جعل من الصعب على المعارضة تقديم جبهة موحدة قادرة على مواجهة النظام بشكل فعال.

وبينما كانت بعض الفصائل تركّز على العمل من الخارج، فإنّ فصائل أخرى، مثل حركة الوفاق الوطني، كانت تراهن على العمل من الداخل. هذا التوجّه كان يعتمد على فكرة أنّ التغيير الجذري يجب أن يأتي من خلال التأثير على المؤسّسات العراقية نفسها، خاصة أنّ العديد من أعضاء الوفاق كانوا سابقين في النظام السياسي ويعرفون نقاط ضعفه من الداخل.

ما يمكن استنتاجه من هذه الوثائق؛ أنّ المعارضة العراقية في تلك الفترة كانت تعاني من تباين في الرؤى والتوجّهات، وهو ما أثر على قدرتها في تحقيق أهداف موحدة. الدعم الخارجي، على الرغم من أهميته في توفير الموارد والتمويل، ساهم بشكل غير مباشر في تعميق الانقسامات الداخلية، ممّا جعل تحقيق التغيير السياسي أكثر تعقيداً.