إعلانات رمضان.. غياب الإبداع واستبدال الشعب
لم يعد الموسم الرمضاني يقتصر على المنافسة الكلاسيكية التي تهم المسلسلات وصنّاعها، ومَن الأجدر بكسب رضا وإعجاب المشاهدين، وأيضا تبوّؤ "الترند" عقب نهاية كلّ حلقة؛ إذ إنّ الهامش صار أوسع، وبات يشمل الإعلانات وسوقها الذي يتسع عامًا بعد آخر، مستقطبًا أسماءً لامعة، سواء من المغنيين أو حتى الممثلين. وبإلقاء نظرة واسعة على ما جادت به الشركات في بداية الموسم الحالي في المحروسة مصر، تبدو المنافسة على أشدّها وحامية الوطيس، لذا سنتوقّف عند هذه الملاحظات البارزة لحدود اللحظة.
الشللية سيّدة الموقف
عكس حالة الترقب التي كانت تسود الساعات الأولى لدخول رمضان والمفاجآت التي تحملها شركات الإنتاج للجمهور، من حيث الصراع على استقطاب أسماء جديدة لطرح إعلانات تبهر المتلقي، يبدو أنّ الاستقرار على التعامل مع فنانين بعينهم صار أمرًا أو اختيارًا يبعث على الملل، ولم يعد يستهوي الكثيرين عكس ما مضى؛ والدليل نراه في ذلك الوجود المكثّف للفنان عمرو دياب على سبيل المثال واستمراره لأكثر من عامين مع الشركات نفسها، مع الوجود المستمر لحسين الجسمي وأليسا وأحمد سعد وأنغام ومحمد رمضان، واستمرارية ثنائية روبي ودينا الشريبني لعدّة مواسم؛ حتى على صعيد كتّاب الكلمة والألحان نجد تكريسًِا للأسماء نفسها، ما ساهم في غياب أيّ جديد، وبالتالي فقدت الإعلانات بريقها وخلّت من أيّ مفاجآت جديدة تجذب المتلقي وتثير انتباهه كما كان قبل ثلاث أو أربع سنوات مثلا.
مع تسجيل غياب الفنان محمود العسيلي لحدود اللحظة، وهو كان الرقم الصعب في إعلانات مصر لعدّة سنوات، سواء غناءً أو تلحينًا.
غياب اللمسة الإبداعية
ما سبق يقودنا لنقطة مهمة للغاية تكمن في غياب لمسات إبداعية خارقة أو أفكار خارج الصندوق؛ فمن يسمع أغاني عمرو دياب الجديدة مثلًا لن يستطيع أن يميّز بينها وبين التي أداها قبل سنوات؛ الملاحظة نفسها تنطبق على مشاركات حسين الجسمي وغزله المستمر بمصر، دون إغفال ملاحظة مهمة تكمن في تغييب أيّ علاقة مع مواضيع اجتماعية أو سياسية آنية، أسوة بالنهج الذي تتبعه شركة "زين" الكويتية على سبيل المثال.
الاستقرار على التعامل مع فنانين بعينهم صار أمراً أو اختياراً يبعث على الملل
وهذه الخطوة يمكن تبريرها بالتوجّه العام السائد في الإعلانات المصرية أخيرًا، والذي يهدف لطرح نموذجين اثنين لا ثالث لهما.
الرفاهية و"الكومباوند"
النموذج الأوّل الذي اكتسح الفضاء والهواء في مصر في السنتين الأخيرتين يهم الصراع الضاري بين ملّاك المجمعات السكنية الفخمة واستقطابهم لأهم الفنانين ولاعبي كرة القدم للترويج لهم، حتى صار المتلقي محتارًا مع وجود شعب يكابد من ويلات المعيشة ويختنق بالأزمات الاقتصادية، ليبقى السؤال المطروح لدى الكثير من عموم الشعب المصري: من يمثّل هؤلاء؟ وعن أي شعب يتحدثون في ظلّ هذا الواقع المّر الذي يعرفه القاصي والداني؟
مع العلم أنّ هذا النموذج صار يحتكر نسبة عريضة من إعلانات السوق المصرية، وبالتالي اختفت واندثرت الطبقات الأخرى والشرائح الأوسع من الشعب.
علاج الدولة على نفقة المواطن
من أهم المقولات التي تنطبق على النموذج الثاني الذي يمثل الإعلانات المصرية ما كتبه الساخر جلال عامر منذ سنوات خلت حين وضع الإصبع على الجرح، وقال "أصبحنا نعالج الدولة على نفقة المواطن".
بالضبط هذا ما تمثله الفئة الأخرى من إعلانات الدعوة للتبرّع، والتي أضحى لها نصيب واسع وتجوب القنوات، طولًا وعرضًا، طوال أيام الشهر الفضيل وبعده، وتشارك فيها نخبة من ألمع الفنانين والرياضيين الذين يدعون المواطنين للتبرّع.
وبين هذه الدعوات وبذخ "الكومباوند" انقسمت الإعلانات المصرية إذن؛ ليردّد المواطن البسيط وهو يتابع في حالة ذهول: من نصدّق يا ترى وسط حالة التناقض هذه؟