إياد قنيبي وزواج القاصرات... مغالطات منطقية وأحكام جاهزة
لا يوفر إياد قنيبي أية فرصة على مواقع التواصل الاجتماعي إلا بتأكيد فكرة الاستهداف الممنهج للأمة، مستغلا حالة "الجرح النرجسي" -وفق تعبير جورج طرابيشي- التي أصابت مجتمعاتنا من المحيط إلى الخليج، ومعززا من حالة "الجهاد التواصلي" ضد أطراف متخيلة، موصومة، متهمة، تسعى إلى تحريف الوعي الممجد، على حسب ما يدّعيه.
وبالتالي، المساهمة في انبعاث موجة شعبوية، صلبة، متماسكة جيدا، تحاول الإقناع بالتركيز على الاجتزاء وقلب الحقائق. ومن يتجرأ ويرفض، يشهر في وجهه خنجر "المحاكمات الأخلاقية"، التي تستهدف سمعته، نواياه، وجوده، ثم رفض ما يتأتى منه، جملة وتفصيلا.
ضمن هذا الإطار، كانت هناك حالة "جدالية" تهدف لتأكيد مشروعية زواج القاصرات، إذ ظهر إياد قنيبي منافحا عن هذا الأمر، مذكرا بفوائده، ومظهرا من يحاول الرفض بأنه منتقص للدين، ومتآمر على القيم والعادات.
وذلك ضمن قوالب جامدة، معززة بالماضوية، على الرغم من الآثار الكبيرة والكارثية لزواج الأطفال، سواء جسديا؛ بحالات الوفاة المبكرة، وتأخر النمو، وتقلص الوزن بعد الولادة، أو اجتماعيا؛ بانفصال الفتاة عن أقرانها في المدرسة، وتعرضها للاستغلال الجسدي والعنف المنزلي، وسهولة حصول الطلاق وما يجره من وصم اجتماعي، أو نفسيا؛ بالاكتئاب، أو الندم، أو الشك في القدرات العقلية.
يشجع جمهوره على تسليم عقولهم أو حتى تأجيرها، كما يقول القنيبي نفسه في إحدى حلقاته!
مغالطة "أنت كذلك"
هي مغالطة تستدعى لتبرير موقف ما بمجرد حصوله عند الطرف الآخر، مثل قول أحدهم بأن التدخين مضر، فيكون الرد المقابل: حسنا، ولكنك تدخن! وهذا عين ما يستعمله القنيبي وجمهوره عند الحديث عن قوانين الزواج في أميركا، وبالتالي، تبرير زواج القصر في بلادنا، متجاهلين (عن قصد) تأثير الحراك الثقافي والسياسي الدائر هناك من قبل منظمات تسعى لتحديد سن زواج دائم، مثل منظمة "الائتلاف الوطني لإنهاء زواج الأطفال". ورغم ذلك، لا يتوقف القنيبي عن استعمال هذا الاستدلال الخاطئ، من باب أن الأولى انتقادهم بدلا من انتقادنا، حتى لو أدى هذا الاستدلال إلى كوارث اجتماعية.
أيضا، وفق هذا التصور، يصبح من المقبول ارتكاب الأخطاء ما دامت ترتكب في أماكن أخرى، ومن ثم يبرز تصور "تبريري" للحفاظ على الوضع القائم، ومنع أي تطوير فيه، مما يعني استسهال زواج القاصرات، بل والدعوة إلى تطبيقه بشكل أكثر فعالية.
وعليه، يحق لنا التساؤل عن مدى استمرارية هذا المنطق إذا ما قررت أميركا تحديد سن الزواج بشكل ثابت؟ وهل يجب على الآخرين تحريم شيء ما حتى نتأكد من صوابية التغيير، مثلما حصل عندما أصدرت المنظومة الدولية مراسيم صارمة تجرم فعل الرق، في بعض الدول العربية، في ستينيات القرن الماضي؟ ولولا هذا التحريم هل كنا سنشهد على نوع يبرر العبودية -كما يبرر القنيبي زواج القاصرات- ويتحدث عن فوائده الصحية للإنسان، خصوصا لو احترمت المنظومة الدولية ما يسمى "الخصوصية الثقافية" لتلك البلدان؟
أحكام جاهزة واستعلاء أخلاقي
لا يتورع إياد قنيبي عن إصدار أحكام جاهزة ضد من يخالفه الرأي، أو اغتيال شخصه، سواء بالتشهير، أو التنميط، أو التحريض، أو التحقير، وصولا إلى الإخراج من الملة، أو من الاعتبار الثقافي للأمة. وقد استعمل هذا الأسلوب سابقا، عندما ساهمت فتاويه، وأحكامه الجاهزة، بقتل الآلاف في سورية والعراق، وغيرها من البلدان العربية والإسلامية.
وفي هذا السياق، يمارس القنيبي دور المستعلي أخلاقيا على مخالفيه، مثل مقطع "كلمة ع الماشي"، الذي نشره في وقت سابق، وذلك حسب رؤيته الأحادية، التي لا ترى العالم إلا من منظورها الضيق، كما هو الحال عند المصاب بالنرجسية، ومن ثم يمارس خطابا فوقيا لتبرير اتهاماته المعلبة، من مثيل: "أنت خائن" .. "علماني" .. "تتعامل مع الاحتلال" .. "تحاول تطبيق اتفاقية سيداو".. وغيرها من الاتهامات.
وأمام هذا الطوفان الاستعلائي، لا يمكن تقديم رأي يساعد على رسم صورة مغايرة من دون كلف باهظة. وهذه الكلف يشجع عليها القنيبي بين الحين والآخر، سواء بالدعاء، أو النشر، أو حتى طلب الدعم من الجمهور مباشرة بالهجوم "الساحق" على الآخرين، وذلك ضمن سياقات: "اعتز بنفسك".. "طيرتم جبهته".. "بارك الله فيكم.. لقد فرمتموه فرما" .. "تعجبني غيرتكم" .. الخ. وبالتالي يشجع جمهوره على تسليم عقولهم أو حتى تأجيرها، كما يقول القنيبي نفسه في إحدى حلقاته.